علم السياسة المقارن بين الأحزاب الدينيّة في مصر وألمانيا
علم السياسة المقارن
بين الأحزاب الدينيّة في مصر وألمانيا
محمد علي شاهين
لم يقتصر دور المسيحيّة في أوروبا على تطوّر الفن والأدب والعمارة، بل تعدى ذلك إلى النضال من أجل العدالة والقضاء على الفقر والديكتاتوريّة.
واستطاع البابا يوحنا بولس الثاني القيام بدور فعّال في انهيار الاتحاد السوفييتي، وتخليص العالم من عقيدته الماديّة وحكمه الشمولي.
ولعبت الأحزاب الدينيّة في أوروبا أدوارا سياسية مهمة منذ الحرب العالمية الثانية وخاصّة في إيطاليا وألمانيا وفنلندا وبلجيكا وهولندا وغيرها.
ومارست الأحزاب المسيحيّة ذات الخلفيّة الكاثوليكيّة دوراً فعّالاً في رسم السياسة العالميّة.
وكان الآباء المؤسّسون للولايات المتحدة الأمريكيّة قد طبعوا دستورهم بتعاليم الإنجيل، وسيطر اليمين الإنجيلي على الحزب الجمهوري حتى عهد قريب.
وقامت دول على أساس ديني مثل الإرجنتين وأرمينيا واليونان والدانمرك فلم يعترض على قيامها أحد، وانتخب رئيس أساقفة الكنيسة القبرصيّة مكاريوس أوّل رئيس لقبرص.
ويعرّف الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا نفسه بأنّه حزب ديني، يقوم على المبادئ والقيم المسيحيّة، والرعاية الاجتماعية ضمن النظام الرأسمالي، ويحمل الحزب على عاتقه المسؤوليّة أمام الله، ويلتزم الحزب بجذور أوروبا التاريخيّة.
فلماذا تقوم الدنيا وتقعد، ويستدعى الجيش للانقلاب على الشرعيّة، وتفرض الأحكام العرفيّة ويقتل المتظاهرون السلميّون في رابعة، إذا وصل الإسلاميّون عن طريق الاقتراع الحر إلى السلطة، وكانوا الأكثريّة في مجلس الشعب.
ولماذا يرتعد الشرق والغرب ومن يدور في فلكهما إذا تضمّن منهاج حزب الحريّة والعدالة: "إننا نعمل على أن تعود مصر قوية عزيزة تستمد عزتها من عزة كل مواطن فيها، وأن نبنى الإنسان الصالح روحياً وعلمياً وثقافياً على قيم الحق والحرية والمواطنة والتعددية واحترام حقوق الآخرين والإيجابية فى ممارسة الحقوق والواجبات السياسية، ونعمل من أجل بناء نهضة علمية واقتصادية هدفها القضاء على الفقر والعوز والبطالة، والاهتمام بالصحة العامة والرياضة واحترام الدستور وسيادة القانون وتنفيذ أحكام القضاء، وحرية الصحافة والإعلام".
وفي مقارنة بسيطة للعمليّة الانتخابيّة التي جرت في ألمانيا، والانتخابات التي انعقدت في مصر لانتخاب مجلس الشعب، في فترة متقاربة، نلاحظ الفارق الكبير في نسبة الفوز في انتخابات مجلس الشعب، والاقتراع على الدستور، بين المتنافسين الإسلاميين وبين معارضيهم، وتقلّص الفارق بين الديمقراطيين المسيحيين من جهة والديمقراطيين الاشتراكيين من جهة أخرى.
ولكن شتّان بين موقف المعارضة الألمانيّة التي تعمل لمصلحة ألمانيا (دويتش لاند) والمعارضة المصريّة المتمترسة خلف البلطجيّة وحراب العسكر.
فقد فاز بفارق ضئيل تحالف "الحزب الديمقراطي المسيحي" بزعامة أنجيلا ميركل، الذي ينتمي إلى أحزاب الاتحاد المسيحي لعائلة الأحزاب الأوروبية المسيحية، وحليفه بالانتخابات البرلمانيّة "حزب الاتحاد الاشتراكي المسيحي" عندما حصل على 35.2% من أصوات الناخبين، بينما حصل منافسه "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" الذي ينتمي إلى أسرة الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية الاشتراكية في أوروبا، بزعامة المستشار جيرهارد شرودر على 34.3% من أصوات الناخبين الألمان.
وطبقا للنتائج النهائية الرسمية حصل تحالف ميركل علي 225 مقعدا في البرلمان الألماني (بوندستاغ) وشرودر على 222 مقعداً، وحصل "حزب الديمقراطيين الأحرار الليبراليين" على 61 مقعداً، و"حزب الخضر" الذي ينتمي إلى أسرة أحزاب الخضر والبيئة الأوروبية على 51 مقعداً، و"الحزب اليساري الجديد" علي 54 مقعداً.
وأعيد انتخاب السيّدة ميركل مستشارة لألمانيا رغم الفارق الضئيل في عدد النواب بين تحالفها، وأحزاب منافسيها.
وفاز الرئيس محمد مرسي بفارق ضئيل عندما حصل على نسبة 51.73% متقدماً على منافسه أحمد شفيق الحاصال على نسبة 48.27% فهل هنّأ الخاسرون الفائز وأبدوا استعدادهم للتعاون معه كما فعلت المعارضة الألمانيّة.
للأسف جرى التشكيك بالنتيجة، وبدأت حملة كراهية ضد الإسلاميين، وتبيّن لدى المحقّقين أنّ الاعتراضات لا تعدو حالات فرديّة، تقف خلفها هيئات مغرضة.
وجرت انتخابات حرّة فازت فيها الأحزاب الإسلاميّة بنصيب الأسد وفي مقدمتها "حزب الحرية والعدالة" وحصل على 127 مقعداً بعدد أصوات 10 ملايين و 138 ألفا و 134 صوتا، تلاه حزب النور وحصل على 96 مقعدا بعدد أصوات 7 ملايين و 534 الفا و 266 صوتا.
وحصل حزب الوفد الجديد على 36 مقعدا بعدد 2 مليون و 480 ألفا و 591 صوتا وحزب تحالف الكتلة المصرية حصل على 33 مقعدا بعدد أصوات مليونين و402 ألفا و 232 صوتا، وحزب الوسط الجديد على 10 مقاعد بعدد أصوات 998 ألفا و 4 أصوات، وإئتلاف الثورة مستمرة وحصل على 7 مقاعد بإجمالى عدد 745 ألفا و863 صوتا...
ويومها صرّح الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية والأوروبية برنار فاليرو، نُحيي هذا التصويت الذي جرى في ظروف يعترف الجميع بأنها لبت تماماً مقاييس حرية التعبير الديموقراطي، وقال: نوجه تهانينا إلى حزب الحرية والعدالة، المنتصر في هذه الانتخابات بالإضافة إلى جميع المنتخبين في أول اقتراع ديموقراطي وحر نُظِّم في مصر منذ ثورة 25 كانون الثاني / يناير 2011، وأضاف قائلاً: تدعم فرنسا مصر في عملية الانتقال الديموقراطي نحو دولة القانون. وسيتمحور هذا الانتقال حول العديد من المراحل: انتخاب ممثلين في المجلس الاستشاري، وصياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات رئاسية.
وكان من الطبيعي أن يتسلّم رئاسة المجلس ويشكّل الحكومة الحزب الفائز في الانتخابات.
وكان الرئيس المنتخب محمد مرسي حريصاً على بناء مؤسسات الوطن دون تراجع أو تباطؤ وأصدر قراراً بدعوة جموع الشعب المصري إلى الاستفتاء على الدستور.
وأعلنت اللجنة العليا المشرفة على الاستفتاء على مشروع الدستور المصري الجديد في 25/12/2012، النتائج الرسمية النهائية للاستفتاء، والذي حظي بنسبة قبول لدى الناخبين تقدر بـ 63.8%، مقابل نسبة رفض وصلت إلى حوالي 36.2%..
وبمناسبة إقرار الدستور الجديد هنّأ الرئيس مرسي الشعب قائلاً: "أصبح لمصر وللمصريين دستور حر ليس منحة، من ملك ولا فرضاً من رئيس ولا إملاءاً من مستعمر، ولكنه دستور اختاره شعب مصر بإرادته الحرة الواعية ومنحه لنفسه، واستطاع هذا الشعب العظيم أن يثبت للعالم أجمع أن حضارته الضاربة فى أعماق التاريخ مازالت حية فى واقعه، فقد تم الاستفتاء فى شفافية كاملة وبإشراف قضائى كامل ومراقبة من الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى، وفى ظل إقبال المواطنين وتعاونهم وحماية من جيش الشعب وشرطته".
ومن الجدير بالذكر أن الحزب الوطني في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك فاز في انتخابات مجلس الشعب ب 420 مقعدا فيما حصلت أحزاب المعارضة على 15 مقعدا والمستقلون على 69 مقعدا من أصل 504 مقاعد، إضافة إلى 4 مقاعد متمّمة، وأنّ نسبة اقبال الناخبين على الصناديق في الجولة الثانية بلغت 27 في المئة بحضور ممثلين عن 76 منظمة مجتمع مدني.
فهل كان مبارك مؤتمناً على حقوق الشعب المصري في انتخاب ممثليه الشرعيين، وكان دستوره مثال الدساتير، وكان حكمه مثال النزاهة حتى يطلق سراحه، وما هو موقف المعارضة الليبراليّة والاشتراكيّة والقوميّة من مسلسل التزوير المفضوح والفساد على مدى واحد وستين عاماً؟.
ووضعت الحكومات المتعاقبة ثقلها في كل تعديل دستوري للنص الصريح علي عدم جواز تأسيس الأحزاب السياسية علي أسس دينية.
وادّعى مروجو العلمانيّة ان الفقه الإسلامي مجرد اجتهاد بشري، وأنكروا أنّ الإسلام نظام شامل للحياة، واتهموا علماء المسلمين بالعجز عن تطوير نظرية متكاملة للحكم.
ولبس العلمانيون ثوب التدين والإيمان في المناسبات الدينيّة وشاركوا المؤمنين في أعيادهم، ليس حباً بالدين وأهله، ولكن تقرباً من العامّة وخداعهم.
واتخذت الأنظمة العلمانيّة علماء سوء يتقنون فن القول ويحسنون الخطابة في كل مناسبة بطلاقة لترويج سياساتهم والدفاع عن مواقفهم.
وانبرت العلمانيّة المعادية لأي توجّه إسلامي للافتراء على المتدينين والسخريّة منهم واتهامهم بالخيانة تارة والعمالة تارة أخرى، متخذة من وسائل الإعلام الرسمي والموالي منابر للدعاية.
وألصقت الأنظمة تهمة الإرهاب بالمتدينين من أبناء جلدتهم، فشوّهوا صورة العربي إرضاءً للولايات المتحدة التي اتخذت من الإسلاميين موقفاً معادياً، بعد الحادي عشر من سبتمبر، وهم المبرّأون من العنف ومن استهداف برجي التجارة العالمية في منهاتن، ومقر وزارة الدفاع الأمريكيّة (البنتاغون).
ونشأت في غياب الإسلام السياسي حركات إقصائيّة شموليّة، أنتجت دولة برجوازيّة بيروقراطيّة، وجهاز بوليسي، ومؤسّسة عسكريّة مترهّلة، ونظام استبدادي فاسد، يقتات على مائدة أمريكا، ويستجدي مساعداتها، بينما كان العالم الحر يرتع في بحبوحة العيش، ويرفل في ثوب الرفاه والعافية.
وظنّ تحالف العسكر الانقلابي والعلمانيون أنّهم غالبون، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".