آمال عوّاد رضوان قامةٌ أدبيّةٌ باسقة
نزيه حسون
في مِحرابها الشّعريّ، لا تستطيعُ إلّا أن تُصلّي بخشوعٍ.. وفي رحاب كلماتِها المُجنّحة، لا يمكنك إلّا أن تضيءَ شمعةً، وتَخرجَ بخطى وئيدةً، كي لا تخدُشَ الجَمالَ، أو تمَسَّ ملائكيّةَ الصُّور..
هذا العالمُ الشّاعريُّ المُتوهّجُ يَسرقُكَ، منذ اللّحظةِ الأولى الّتي تقتربُ فيها نحوَهُ.. ويجعلُكَ تتداخلُ فيهِ تداخُلًا عضويًّا، كأنّكَ جزءٌ مِن هذا العالم الشّعريّ الشفيف، الذي تَسكبُهُ آمال عوّاد رضوان بحروفِها النديّة على أديم الورق، ليتسرّبَ بسرعةِ العطرِ المتطايرِ إلى قلب المتلقّي، لا سيّما إذا كان المتلقّي شاعرًا، يثملُ مِن خمرِ الكلمةِ ونبيذِ الفِكرة.
هذا هو الشعور الّذي انتابَني بعدَ قراءةِ ديوانِها الأخير، وقد تأتي شهادتنا في شِعر آمال مجروحةً، لاسيّما أنّها صديقةٌ عزيزةٌ، وجذوةٌ إنسانيّةٌ تتوهّجُ بالنُّبل والعطاء، ولكن للحقيقةِ الجافّة والموضوعيّةِ المُطلقة، فإنّ حُكمَنا هذا هو على ما تكتبُ وما تُبدعُ آمال عوّاد رضوان، ولعلّ نزعةَ العطاءِ ونزعةَ الإنسانيّةِ الّتي تتميّزُ بها آمال عوّاد رضوان، قد تكونُ المُكمّلُ الطبعيّ لشِعرِها الإنسانيّ الرقيق الشفيفِ.
الشاعرُ الحقيقيُّ إنّما تكونُ أشعارُهُ مرآةً لخبايا نفسِهِ.. وهُويّةً صادقةً لمكنوناتِ روحِهِ.. وهذا الأمرُ إنّما ينطبقُ عميقًا على شخصيّةِ الشاعرة آمال عوّاد رضوان، وعلى حيثيّاتِ روحِها السامية، وليسَ هنالكَ أجملُ مِنَ الشاعر الصّادق....
وعندما سُئلتْ في إحدى اللقاءاتِ الّتي أُجريتْ معها، كيف يبتدئُ اليومُ طريقَه إلى الشّعر عند الشاعرة آمال عوّاد رضوان؟ كان جوابها ما يلي: بالحُبّ يبتدئُ طريقي إلى الشعر، ولمّا أزلْ أتدرّجُ على سُلّمِ مَجدِهِ السّماويّ، فالشّعرُ هو امتدادُ روحي المُتّقدةِ باليقظةِ، المُفعمةِ بالحُلم! الشعرُ هو عشقي المُمجِّدِ لحياةٍ أنا جديرة بها، وهي جديرةٌ بي وباستحقاق، بشتّى طعومِها الحلوةِ والمُرّةِ والمُغايرةِ بمَذاقاتِها، في ظِلِّ الصعوباتِ الكثيفةِ والمُتناقضات العنيفةِ.
الشعرُ هو برفير يُسربلُني الحياةَ، ويَطأ الموتَ والآلامَ والأحزانَ بلغةِ انعتاقِهِ مِنَ الجُمودِ، حينَ يتوشّحُ صلاةً تتناهى إليها كلُّ الحروفِ الشّفّافةِ، وشتّى الكلماتِ مُتراميةِ الهندسةِ والإتقان. الشعرُ هو الحُبُّ الّذي يتفتّقُ نورًا يَرِقُّ بتصويرِهِ، ويَشِفُّ ببلاغتِهِ، فتسمو النفوسُ إليهِ وتحنو بهِ، الشعر هو أسمى النِّعَمِ الربّانيّةِ، وأقدسُ أسرارِها التي تُعزّزُ اتّحادَ الإنسانِ بالحياةِ الكريمةِ، والإنسانِ بالإنسانِ وبالوجودِ، وفقط بالحبِّ نتمكّنُ مِنَ المعرفةِ والتمييزِ والتكهُّنِ والاعترافِ، فالشعرُ اختراقٌ للنواميسِ المألوفةِ، والأعباءِ الثقيلة، والكوابيسِ المُلازِمة.
ولعلَّ الجوابَ هذا هو خيرُ ترجَمةٍ لحقيقةِ وإنسانيّةِ شاعرتنا آمال عوّاد رضوان، فلا انفصالَ بينَ كيانِها وشخصيّتِها، وبين ما يَسكبُهُ قلمُها.
وكما قالت آمال: "الشّعرُ هو امتدادُ روحي المُتّقدةِ باليقظةِ، المُفعمةِ بالحُلم"!
الحقيقة الّتي أعترفُ بها دائمًا، أنّني لستُ بناقدٍ لكي أخوضَ غمارَ أعمال آمال عوّاد رضوان، مُحَلِّلًا نصوصَها بشكلٍ نقديٍّ أكاديميّ، بل أترك ذلك الأمرَ للنّقّاد، ولكنّي كشاعرٍ يَملكُ ذائقةً شعريّةً وأدبيّة، أعترفُ أنّني كلّما قرأتُ مِن أشعار آمال عوّاد رضوان، كلّما ازددتُ جوعًا إليها، فهي تنقلُني وبسرعةِ البرق إلى عالمٍ شاعريٍّ حالِم، أدخلُهُ بشوقٍ جارحٍ.
وبالتالي، تبقى آمال عوّاد رضوان قامةً شعريّةً باسقةً، تُعرِّشُ يانعةً في سماءِ المَشهدِ الأدبيّ، ودائمًا نتمنّى لها المزيدَ مِنَ التوهّجِ والإبداع.