التعليم المسائي
جميل السلحوت
مشاكل التعليم في بلادنا متعدّدة متداخلة ومتشابكة لتوصلنا الى درجة المأساة، ومن هذه المشاكل التعليم المسائي المنتشر في قطاع غزّة الذّبيح، هذا القطاع البالغة مساحته 380 كم مربع يعيش فيه مليون وثمانماية وثلاثون ألف شخص، وهو محاصر برّا وبحرا وجوّا منذ حزيران 2006، ونظرا لاكتظاظ عدد السكان، وعدم وجود مدارس لاستيعاب الأعداد المتزايدة للطالبات والطلاب، فإنّ التعليم في العديد من مدارس القطاع يتمّ على "ورديتين" واحدة صباحية والثانية بعد الظهر وتمتد الى ساعات المساء، وأكثر ما أخشاه أن يصبح ثلاث دوريات، فمعروف أنّ أعداد السكان في الأراضي الفلسطينية تتضاعف كلّ أربعة عشر عاما، لكن لا يصاحب هذه الزيادة نموّ اقتصاديّ، ولا تطوّر في الخدمات الأساسية مثل التعليم والصّحة وغيرها.
ففي الدّول المتقدّمة يبنون المدارس والمستشفيات وغيرها من المؤسسات الضرورية لتستوعب المستفيدين منها لخمسين سنة قادمة، وهذا ما لا يحصل في بلاد العربان لغياب التخطيط العلميّ المدروس، أمّا نحن في فلسطين فإنّ الاحتلال قد أوقعنا في مشاكل ومصائب تنوء بحملها الجبال، وليس تدمير اقتصادنا الوطني ومنع أيّة بوادر ومحاولات لتحسينه بأقلّ هذه المشاكل، واذا ما قمنا بحلّ مشكلة النّقص في الغرف الصّفّيّة في مكان ما عندنا، فإنّ حلولنا تكون ترقيعيّة وآنيّة، لا نلبث أن نقع في أصعب منها في العام القادم، مثل استئجار غرف لسدّ النقص الحالي، أو بناء الغرف الناقصة في أحسن الأحوال، لكنّ هذا النّقص يتضاعف في العام القادم لازدياد عدد الطلاب نتيجة للتكاثر الطبيعي للسكان. وقد تقود الحاجة في السنوات القليلة القادمة الى التدريس على دوريتين في مدارس الضّفة الغربية المحتلة كما هو جار أيضا في قطاع غزّة، إن لم نستبق الأمر ببناء مدارس جديدة وبشكل سريع. والأوليّة طبعا يجب أن تكون لحلّ هذه القضيّة في قطاع غزة، لأنّ المشكلة موجودة فيه منذ الآن. ونقص الغرف الصفيّة في القدس العربية المحتلة يصل الآن الى 1800 صف دراسي، وهناك العديد من البنايات السكنيّة المستأجرة من قبل المدارس الرسميّة والأهليّة الخاصّة، وهي أبنية غير مؤهلة لتكون صفوفا دراسيّة، لأنّها لم تُبن أصلا لهذا الهدف، وإنّما بنيت لتكون بيوتا للسكن، ومعروف أنّ بلدية الاحتلال تضع قيودا تعجيزية على البناء العربي في المدينة المقدسة، إن لم تمنعه أصلا، وما يهمنا هو التعليم من خلال "ورديتين" واحدة صباحية والأخرى مسائية، فهل التعليم المسائي يؤتي ثماره المتوخّاة؟ وهل توجد الاستعدادات النفسيّة والجسديّة للطلاب ليبدأوا حصّتهم الأولى بعد الساعة الواحدة ظهرا؟ وهل تتوفر لهم أماكن لائقة ومؤهلة كي يقضوا نصف يومهم الأوّل فيها؟ وما هي استعدادات المعلمات والمعلمين النفسيّة والجسديّة أيضا لبدء عملهم بعد الظهيرة؟ وهل المدارس التي يتم التعليم الصباحيّ فيها تكون مؤهلة من ناحية النظافة والترتيب لاستقبال طلاب جدد بعد انصراف طلابها منها بدقائق؟ والاجابة على هذه الأسئلة هي النفي المؤكد. وهذا يعني فشل العملية التعليمية، ويعني أيضا أن الطلاب ومعلميهم ضحايا لأمور لا خيار لهم فيها، ولاعلاقة لهم بأسبابها. ومن هنا تنبع الضرورة الملحة والعاجلة لحلّ هذه المشاكل، وهي بالتأكيد بناء مدارس جديدة. واذا كنّا نردّد مقولة "للضّرورة أحكام" فعلينا أن ندرك أن ليس كلّ الأحكام عادلة.