دمشق أم الربيعين

د. محمد أحمد الزعبي

د. محمد أحمد الزعبي

تطلق صفة " أم الربيعين " على مدينة الموصل  ، وهو توصيف له علاقة بفصل الربيع المعروف طبيعياً ، أما

توصيفنا لدمشق بأنها هي أيضاً أم الربيعين ، فهذا من الناحية السياسية وليس الطبيعية . ذلك أنه قد أطلق ( بضم الهمزة ) على الحراك السياسي الديموقراطي الذي شهدته المدن السورية عامة ، ودمشق العاصمة خاصة ، بعد وفاة حافظ الأسد ( الأب ) عام 2000 م ، وأخذ شكل " منتديات سياسية ـ ثقافية " وصل عددها إلى الـ 70 منتدىً ، وسمّيت بـ " ربيع دمشق " وهو مايمثل بنظرنا ،ربيع دمشق الأول ، بينما تمثل ثورة آذار2011 ، ربيع دمشق الثاني ، وهوماسمح لنا أن نطلق على دمشق إسم " أم الربيعين".

 لقد شجع ماورد في خطاب القسم لـ " الوريث " بشار بتاريخ 17.07.2000 ، من أن " الفكر الديموقراطي يستند إلى أساس قبول الرأي ، وهو طريق ذو اتجاهين" ،عدداً من المثقفين والسياسيين السوريين ، على تشكيل وحضور هذه المنتديات ، التي شهد بعضها نقداً لاذعاً للطابع الأمني والعسكري لمرحلة حكم الأب ،والدعوة الصريحة للتحول إلى " الحكم المدني " وإطلاق الحريات العامة ، وبالتالي إلغاء القوانين والمحاكم الإستثنائية ، ولا سيما قانون الطوارئ . ومع نهاية شهر كانون الثاني من عام 2001 خرج علينا ، عدنان عمران ، وزيرالإعلام آنذاك ليقول بالفم الملآن ، ودونما وجل أو خجل ، أن " دعاة المجتمع المدني استعمار جديد "!!. ، ويعتبر هذا التصريح من عدنان عمران ، بمثابة بداية النهاية لمرحلة ربيع دمشق الأول ،والتي انتهت  بإغلاق كافة المنتديات الـ 70 ، وبزج أبرز مؤسسيها ومفعّليها ( رياض الترك ، ورياض سيف ، ومأمون الحمصي ، وعارف دليلة ، وحبيب عيس ، وميشيل كيلو ، فواز تللو ، وغيرهم ) في غياهب السجون ، تلك السجون التي سبقهم إليها أعضاء القيادتين القومية والقطرية لحركة 23 شباط 1966(مابات يعرف بجماعة صلاح جديد) ، مباشرة بعد حركة حافظ الأسد التي سماها بـ "التصحيحية ! " في 16 نوفمبر 1970 .

ومن المعروف ، أن المحاكم التي كان يحال إليها " المتهمون !" هي مؤسسات أمنية بامتياز ، وأن قضاتها المعيّنون من الأجهزة الأمنية ، كانوا يتلقون أوامرهم وتعليماتهم  في تحديد نوع التهم  ونوع الحكم  لكل متهم ، من القيادة القطرية لحزب السلطة ، والتي كانت بدورها ، كما يعرف الجميع ، مؤسسة أمنية بامتياز . 

أما ربيع دمشق الثاني ، فهو ذلك الفصل الذي افتتحه أطفال درعا ، عندما كتبوا على جدران إحدى المدارس ، متأثرين بالربيع العربي في تونس والقاهرة  ، اللذين أطاحا بابن علي ومبارك : " جاك الدور يادكتور " .

واقع الحال أن حادثة أطفال درعا لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير ، والتي فجرت المرجل الشعبي في سورية ، الذي زادت فترة صبره وصمته على نظام عائلة الأسد الإستبدادي والفاسد والمتواطئ عن الأربعة عقود ،

والذي كانت كلماته الحاسمة بعد أن شب عن الطوق وكسرجدارالصمت والخوف " الشعب يريد إسقاط النظام " .

لقد توهم بشارالأسد وأخوه وشبيحتهما الداخليين والخارجيين ، أنهما قادران على قمع وإنهاء ثورة  آذار 2011

وما علما ، أن إرادة الشعوب من إرادة الله ، وبالتالي فإن نيران طائراته وصواريخه وبراميله وأسلحته المحرمة دولياً ، والتي كان آخرها السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية ( في 21.08.2013 ) لن تزيده إلاّ تصميماً على الصبر وعلى التحمل وعلى التضحية وعلى الإستمرار بثورته المباركة حتى تحقيق أهدافها كاملة ، في إسقاط نظام عائلة الأسد بكل رموزه العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية ، وعلى المستويين الداخلي والخارجي معاً .

إن مايجب قوله هنا ، لكل من بشار الأسد وشبيحته ومرتزقته ، ( وبالإذن من المتنبي )  هو :

إذا نظرت نيوب الليث بارزة         فلا تظنن أن الليث يبتسم 

نعم إن التسامح ، والتعايش الأخوي ، هما أبرز صفات الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته ، ولكن هذا التسامح والتعايش الأخوي المشترك ، هما اللذان يقتضيان ، أن يلقى أعداء هذا التسامح ، وأعداء هذا التعايش الأخوي ، ( وهم هنا كل من تلطخت أيديهم ، من العسكريين والمدنيين بدم أطفال ونساء وشيوخ سورية الأبرياء ) ، عقابهم العادل ، إن عاجلاً أو آجلاً .    " وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين " ( الزخرف / 76 ) . 

ــــ انتهى ـــــ