الاستشهاد على طريق الدعوة

مصطفى مشهور

أخي على طريق الدعوة، يا من اخترت سبيل المؤمنين الصادقين الذين عاهدوا الله على العمل والجهاد لإعلاء كلمة الله وتمكين دين الله في الأرض، يا من تعرَّف على مكانة الجهاد في سبيل الله وعلى منزلة الشهداء فصرت تتشوق إلى نيل تلك المنزلة، وتهتف من أعماق قلبك: (الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا).. إنها أمنية سامية حقاً، ولكن لابد لنيلها من تهيؤ وإعدادٍ ودقة والتزام، فلا يتصور أحد أنه إذا أقدم على أي عمل في أي وقت بتقديره الخاص ثم تعرَّض فيه للقتل أنه بذلك نال الشهادة، ولكن هناك أموراً يلزم مراعاتها والالتزام بها، منها:

 أولاً: تعقد الصفقة الرابحة مع الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة (111).

 تكون على استعداد كامل لتقديم نفسِك ومالك وكلِّ ما تملك في سبيل الله عندما يستدعي الأمر ذلك.

 ثانياً: عليك أن تُلزِمَ نفسَك صفاتِ المؤمنين؛ لأن الله تعالى قال بعد الآية السابقة: (التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤمِنِينَ) التوبة (112).

 إن الإيمان القوي مطلوب على طريق الدعوة؛ لأنه يعين على الصبر والتحمل والثبات على الحق عند تعرُّضِ صاحبه للمَشاقِّ أو للإيذاء والتعذيب، كما لمسنا في موقف سمية وزوجها ياسر رضي الله عنهما، وكذا بلال وغيره، والإيمان كذلك يساعد صاحبه على الإقدام في القتال ومجالدة الأعداء والصبر والثبات عند الزحف.

 ثالثاً: إخلاص نيتك في الجهاد والاستشهاد، فتكون نيتك إعلاء كلمة الله في أرض الله، ولا يخالط هذه النية أي شائبة دنيوية، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح ذلك تمام الوضوح، فعن أبي موسى رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِياً جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: إِنَّ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَيُقَاتِلُ لِيُحْمَدَ وَيُقَاتِلُ لِيَغْنَمَ وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُه. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَاتَلَ حَتَّى تَكُونَ كَلِمَةُ الله هي أَعْلَى فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" متفق عليه.

 رابعاً: تسأل الله تعالى الشهادة بصدق، فلا يكون الأمر مجرد ترديد باللسان ولكن يُصَدِّقُه القلبُ والعزمُ الصادق وترقب الفرص، وبهذا تنال منزلة الشهداء وأجرها بإذن الله حتى لو مت على فراشك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سأل اللهَ تعالى الشهادة بصدق بَلَّغه اللهُ منازلَ الشهداء وإن مات على فراشه" رواه مسلم.

 خامساً: تكون مستجيباً في كل وقت للجهاد بالمال دون شُحٍّ أو بخل حتى لو لم تتهيأ الظروفُ للجهاد بالنفس، لأن الصفقة الرابحة شملت النفسَ والمال.

 سادساً: تكون متهيئاً لإجابة نداء الجهاد في أي وقتٍ تُدعى إليه، وفي أي بقعة من العالم الإسلامي، فإسلامنا عالمي وليس إقليمياً، وبلاد المسلمين وطن واحد، وعليك أن تتخفف من جواذب الأرض التي تُثاقل بصاحبها إلى الأرض فيتعرض إلى عذاب الله كما في الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) التوبة (38).

 وفي معنى قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً) أي اخرجوا للقتال يا معشر المؤمنين شِيباً وشباناً، مُشاةً وركباناً، في جميع الظروف والأحوال، في العُسر واليُسر والمَنْشَطِ والمَكْرَه.

 سابعاً: ما دمت جندياً في صف، فعليك أن تلتزم بما يُطلب منك في مجال الجهاد وما يُحدد لك فيه وقتاً ومكاناً، ولا تلجأ للتصرفات الفردية أو الاجتهادات الشخصية، وذلك وفاءً لبيعتك وتوحيداً للجهود، وحماية للعمل من سلبيات التصرفات الفردية غير المنضبطة، فكثيراً ما يَدفع الحماسُ بعضَ الشباب إلى تصرفاتٍ فردية هوجاء تضر بالعمل العام، وتورط في مواقف معنتة لم يتم الاستعداد لمواجهتها.

 ثامناً: لابد من دراسة آداب القتال في الإسلام والالتزام بها، كي يكون جهادك صحيحاً مقبولاً ليس فيه ما يشوبه، فالمسلمون حينما يقاتلون لا يعتدون ولا يَفجُرُون ولا يُمثّلون ولا يَسرقون ولا ينتهبون الأموال ولا يَغلُّون، ولا ينتهكون الحُرمات، هم في حربهم خيرُ محاربين، كما أنهم في سِلمِهم أفضلُ مسالمين.

 ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمَّر الأمير على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: "اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً". رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قاتل أحدُكم فليجتنب الوَجْه". أخرجه الشيخان.

 كما ورد النهي عن قتل النساء والشيوخ والإجهاز على الجرحى وإهاجة الرهبان والمنعزلين ومن لا يقاتل من الآمنين.

 تاسعاً: لابد من الأخذ بأسباب الإعداد ما تيسر لك ذلك، دون إعنات أو مشقة ودون تعريض للأضرار وعلى ضوء التوجيه والظروف، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الأنفال (60).

 عاشراً: لابد من أن ترعى بيتك وأهلك بالتوعية الإسلامية وأن تهيئهم لجو الجهاد والاستشهاد، فلا يكونون مثبطين، بل يعينون ويشجعون على الجهاد، ويستقبلون نبأ استشهادك إذا أذن الله بالرضا والاحتساب والاستبشار وليس بالجزع والانتحاب، ولتضرب لهم الأمثلة من السيرة العطرة للمسلمين الأوائل واستقبال ذويهم لنبأ استشهادهم.

 أحد عشر: أن تحرص على ألا يكون عليك دَيْن، أو توصي بسداده إن لم يتوفر لك سداده في حياتك. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغفر الله للشهيد كلَّ شيء إلا الدَّيْن" رواه مسلم.

 ونختم هذه الرسالة بكلام للإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، حيث قال: "أيها الإخوان.. إن الأمة التي تُحْسِنُ صِناعةَ الموت وتعرف كيف تموت الميتة الشريفة، يهب الله لها الحياةَ العزيزة في الدنيا والنعيمَ الخالدَ في الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا إلا حُبُّ الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا أنفسَكم لعمل عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، واعلموا أن الموت لا بد منه وأنه لا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة، وما يصيبكم إلا ما كتب الله لكم.. رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد في سبيله".