فلك الدّين كاكائي شهيد النّضال والثّقافة الكرديّة
فلك الدّين كاكائي شهيد النّضال والثّقافة الكرديّة
نارين عمر
الشّهادة عند جميع الكائناتِ وخاصة البشر قيمة لا تسمو عليها قيمة, وواجبٌ لا منافس له في الأداء لذلك يسعى معظمهم إليها كلّ بحسبِ طاقته ونمطِ تفكيره وعلى امتدادِ رغباته ومتطلّباته.
الشّهيد ليس مَنْ يقضي في المعاركِ أو ساحاتِ القتالِ فقط, بل مَنْ يفني عمره ويهب حياته لخدمةِ وطنه وشعبه في أيّ مجال من مجالات الحياةِ الواسعة المتشعّبةالمتباينة يُعتبَرُ شهيداً حتّى وإن لم يقضِ شهيد قتال وحروب.
ولكنّ السّؤال: كم من البشر تنطبقُ عليهم هذه الصّفات؟ كم من البشر يستحقون وسامَ الشّهادة بعد رحيلهم؟ بكلّ تأكيد هم قلّة قليلة, وفي كلّ زمنٍ يعدّون على عدد أصابع اليدِ, وإذا أردنا أن نختارَ واحداً من هؤلاء الذين عاصرناهم, وسمعنا عنهم, وقرأنا لهم سيكون "فلك الدّين كاكائي" أحد هؤلاء الذين عاشوا حياة النّضال والبطولة على مختلف الأصعدة والمجالات. فلم يكن مناضلاً بسلاحه فحسب, بل كان مناضل الكلمة أيضاً, كان يحمل السّلاح بيدٍ والقلم باليدِ الأخرى. كان يواجه الآخر الذي يعاديه بشرارة الرّعب من جهة وبكلمة السّلام والأخوّة من جهةٍ أخرى.
عاش حياة الـ" ﭙيشمركه" بشقيها السّياسيّ والعسكريّ. كان مقاتلاً صلباً في ساحاتِ القتال, ومقاتلاً مسالماً في ميدان السّلم والمصالحة, بالإضافةِ إلى كلّ هذا كان مثقفاً وكاتباً ومن المفكّرين الكرد القلائل جدّاً جدّاً, وهو الذي شغل منصب وزارة الثّقافة في حكومةِ "اقليم كردستان" لدورتين.
وفوقَ كلّ ذلك كان فارس السّلام والحرّيّةِ والعيشِ الهادئ حين جعل من نفسه " ملاك السّلام" بين الحزبين الكرديّين الرّئيسيّين المتقاتلين في بدايةِ تسعينيات القرن العشرين, وبالفعل صار ملاكاً حقيقيّاً ولكن على الأرض, ولكنّه بكلّ تأكيد أصبح الآن "ملاكاً سماويّاً" أيضاً بعد أن ترك لنا جسده الصّلب على الرّغم من فراق الرّوحِ لها, ودعا روحه تطير في فضاءِ الكردِ أينما كانوا, تنثرُ السّلام والمحبّة والطّمأنينة.