أسوأ كارثة إنسانية
د. محمود نديم نحاس
قرأت مقالاً لكاتبة فاضلة بعنوان "عفواً لم أعد أثق بأحد" تحدثت فيه عن الناس الطيبين الذين ساعدوا إخوانهم السوريين المتضررين، لكنهم مازالوا يسمعون بالوضع المزري للسوريين سواء في البلدان التي نزحوا إليها أو الذين نزحوا في الداخل السوري إلى المناطق التي يظنونها أكثر أمناً. وتتساءل أين تذهب تلك الأموال، وتستنتج أنها لم تعد تثق بأحد من الذين يجمعون المساعدات.
ربما معها حق، بأن بعض من يجمع المساعدات يجدون جيوبهم أقرب. لكن من يعمل في الرياضيات مثلي ربما لا يستنتج أي نتيجة قبل أن يقوم ببعض الحسابات. وقبل حساب ما يحتاجه النازحون أذكر المسألة الحسابية للقصة المشهورة، والتي تقول بأن الإمبراطور أراد أن يكافئ مخترع الشطرنج بهدية يختارها بنفسه. فقال المخترع: أريد قمحاً! ضع لي في أول مربع من لوحة الشطرنج حبة قمح واحدة، ثم في المربع الثاني حبتين، وفي الثالث ضعف الثاني، وهكذا ضع لي في كل مربع ضعف ما تضع في سابقه حتى تمتلئ المربعات كلها (وعددها أربع وستون). فأمر له الإمبراطور بذلك. فلما ذهب به الوزير ليعطيه القمح اكتشف أنها خدعة كبيرة وأنه لا يمكن تلبية طلبه! لكن لماذا؟
عندما نعطي هذه المسألة لطلابنا يحاول بعضهم حسابها ذهنياً، ثم يمسكون بالورقة والقلم، ثم يحاولون بالآلة الحاسبة، ثم نرشدهم بأن الآلة الحاسبة لن تستوعب الأعداد الكبيرة بل لابد من الحاسوب! وعندها يكتشفون أن عدد الحبات يبلغ قريبا من اثنين وأمامه تسعة عشر صفراً، ومعروف أن وزن الألف حبة يتراوح بين 20-40 جراماً، أي 30 جراماً في المتوسط، فيكون وزن القمح المطلوب يعادل إنتاج العالم من القمح لمدة 790 سنة وذلك حسب الإنتاج العالمي لسنة 2011 والبالغ 700 مليون طن. ربما لا أحد يصدق هذا الرقم غير المعقول لمسألة حسابية بسيطة، لكن جربوا وستصلون إليه.
ونعود إلى حاجات النازحين، حيث يقول تقرير صدر عن الأمم المتحدة في اليوم العالمي للاجئين في 20 يونيو/حزيران 2013م بأن هناك مهجّر كل أربع ثوانٍ على مستوى العالم، وأن الأزمة السورية أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب الباردة، حيث نصف سكان سوريا مهددون بالتهجير مع نهاية العام الحالي لأسباب أهمها الدمار الواسع والقصف اليومي والانتهاكات الجنسية. علماً بأن نصف اللاجئين هم من الأطفال الذين أصبحوا بعيدين عن مقاعد الدراسة منذ عامين.
وإذا كان التقرير يتحدث عن نصف السكان في نهاية العام الحالي فإن اللاجئين اليوم أكثر من خمسة ملايين، مليونان في الخارج وثلاثة ملايين في الداخل. وإذا افترضنا أن كل واحد من هؤلاء يحتاج فقط لعشرة ريالات يومياً، فهذا يعني خمسين مليون ريال في اليوم، أي مليار ونصف في الشهر، أي ثمانية عشر ملياراً في السنة.
إنه رقم مذهل حقاً! فأي منظمة إغاثية تستطيع جمعَه؟ وأي دولة من الدول المستضيفة تستطيع أن تتحمل نفقاتهم؟ بإمكاننا أن نبحث في الإنترنت لنرى ميزانيات الدول المستضيفة ونستنتج إن كانت تستطيع الإنفاق عليهم أم لا. وعندها ستتم الإجابة على سؤال الكاتبة المذكور في بداية المقال: لماذا مازال وضع اللاجئين مزرياً. هذا كله دون الحديث عن تكاليف إقامة المخيمات والرعاية الصحية وإنشاء المدارس والإنفاق عليها.
نحن في شهر رمضان الذي تجود به النفوس أضعاف ما تجود في غيره، إنه شهر الخير، والناس يحبون لإخوانهم ما يحبونه لأنفسهم. وإنه مطلوب من الإنسان أن يضع ما يدفعه في أيد أمينة، وليتحقق قدر استطاعته، فإن حصل خلاف ذلك فليعلم أنه مأجور على نيته. وقد ورد في الحديث النبوي قصة رجل خرج بصدقته ليلاً بعيداً عن أعين الناس، فوضعها في يد زانية، وهو لا يدري أنها زانية، فأصبح الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على زانية! فخرج في الليلة التالية بصدقته، فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصدق الليلة على غني! فخرج في الليلة التالية بصدقته فوضعها في يد سارق. فأصبحوا يتحدثون: تُصدق الليلة على سارق! فقال: اللهم لك الحمد، على زانية، وعلى غني، وعلى سارق؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأُتِيَ فقيل له: أما صدقتُك فقد قُبِلَتْ. أما الزانيةُ فلعلها تستَعِفُّ بها عن زناها. ولعل الغنىَّ يعتبر فينفق مما أعطاه اللهُ. ولعل السارقَ يستعفُّ بها عن سرقتِه).