أصل حكاية ثورة مصر
سيد أمين
مشكلتنا اننا حلمنا بأن هناك عصرا جديدا توزع فيه ثروة بلادنا بشكل عادل علينا بدأ.. ويعتلى المصريون الوظائف في بلدهم بشكل ديمقراطى ومنصف .. مشكلتنا اننا حلمنا باختفاء زوار الفجر والمتنصتين والمتجسسين .. وحملما بان يكتب كل منا ما شاء دون خوف من رقيب او حسيب الا فى حدود القانون .. حلمنا بدولة قوية ومستقلة لا تتبع احد ومتقدمة نتباهى بها .. وعشنا في هذا الحلم شهورا طويلة .. حتى صدقنا احلامنا وتجذرت فينا .. وفجأة اكتشفنا اننا نعود لابشع مما كنا علينا .. واكثر ظلما وجورا مما كان.
وكأن ما حدث فى 25 يناير 2011 ثورة شعبية خالصة ..وكأن الجيش والمخابرات والشرطة وأمن الدولة ورجال اعمال و اعلام مبارك انصاعوا لإرادة الشعب واحترموها..وكأن امريكا احترمت رغبة شعبنا فى التحرر من قيودها .. لكن الاحداث تؤكد انهم ما انصاعوا لارادة الشعب بل جعلوا الشعب ينصاع لارادتهم ويصير جزءا من لعبتهم فى ترميم نظام مبارك وليس اسقاطه.. حينما لعبوا على امنياته فى التحرر من الاستبداد ورموزه واعوانه وادواته.. فراح الشعب يهدر ويحطم قيود استبداد مبارك وعصابته .. وهو لا يدري انه جزء من مخطط كبير اطرافه تتوزع بين المخابرات الغربية والمصرية وقيادات فى الجيش والشرطة واعلاميون لترميم نظام مبارك عبر اقتلاع الرأس واستبدالها باخري مع الحفاظ على الجسد كاملا وذلك استباقا لثورة شعبية عارمة غير محسوبة تطيح بالجميع وتؤسس لمصر القوية الحرة المستقلة .. الا ان رغبة امريكا في اظهار الجانب الديمقراطى لهذا التحول جعلها تقبل باجراء انتخابات حرة في مصر رغم علمها بأن اى لجؤ للصندوق في مصر سيجلب الاسلاميين للسلطة .. ولما جاء الاسلاميون للسلطة ونجحوا عبر اربعة انتخابات متتالية .. اتبعت نفس الاسلوب الذى مارسته للاطاحة بنظام مبارك ابان ايام الثورة الثمانية عشر .. طوال عام كامل هى عهد الدكتور محمد مرسي حتى تخلعه في 30 يونيو بما يبدو للوهلة الاولى وكأنه ثورة شعبية ومع التعمق نكتشف انها مرفوضة شعبيا نظرا لكونها ثورة فوتوشوب صنعتها وسائل الاعلام وعناصر اجهزة الامن والجيش والمخابرات التى اسست حركة "تمرد" الهلامية .
وعموما وعام بعد عام وشهر بعد شهر ويوم بعد يوم يثبت التاريخ ان:
"قفا" عدد كبير من نخب أمن الدولة بمصر يزداد عرضا .. واخلاقهم تزداد حقارة .
ويثبت التاريخ أن شعب مصر هو الوحيد فى الكون التى "ثار" قديما على "الوالى العثمانى" فاستبدله بـ"الوالى الالبانى".. وان مؤسس جيش مصر العظيم ..هو أحد الضباط الفرنسيين تعرف عليه والى الاسكندرية صدفة اثناء ذهابه للتطوع فى الجيش الايرانى فقدمه لمحمد على.
ورغم ان الحملة الفرنسية قصفت البيوت بالقنابر واقتحمت الازهر بالخيول وحرقت المصاحف وهتكت اعراض الناس وسلبت اموالهم وابادت 70 ألف مسلم فى عكا وابتدعت اسلوب القتل على الخازوق ..الا ان نخب المصريين تناسوا ذلك ولم يعلق في ذهنهم سوى المطبعة وراحوا يحتفلون بالاحتلال الفرنسي مع ان المطبعة كانت ستدخل مصر عن طريق الدولة العثمانية .
ويثبت التاريخ أن "احمد عرابي" البطل المصري الأول الذى قاوم الاحتلال البريطانى لمصر ومع ذلك ظل المصريون لردح طويل من الزمن يعتبرونه هو سبب احتلال مصر وكان حاكم الزقازيق يتجه فى كل صباح لبيت احمد عرابي ليبصق على وجهه.
ورغم ان غالى باشا "والد بطرس غالى" رئيس وزراء مصر في العهد الملكى وافق على قانون "دانلوب" لتغريب مصر ومسح هويتها العربية والاسلامية الا انه بعد ثورة 1952 لم يتم الوقوف ضد تمدد اسرته بل ورث ابناؤه الوزارات المتعاقبة في مصر كابر عن كابر.
ورغم ان تاريخ الشعب المصري يأسف بشدة لمحاكمة دنشواى الشهيرة واتخذوها كدليل على وحشية الاحتلال البريطانى لمصر .. الا ان من يجب ان يدان هم القضاة المصريين الذين قضوا باعدام الفلاحين الابرياء وللأسف ترأس القضاة بطرس غالي وأحمد فتحي زغلول باشا، الأخ الأكبر للزعيم سعد زغلول!! هل بعد ذلك كلام.
وفي صباح يوم 4 فبراير 1942 ورغبة من بريطانيا في حماية ظهر وجودها فى مصر اثناء مجابهة الجنرال الالمانى روميل القادم لمحاربتها من بلدان المغرب العربي وجه المندوب السامي البريطاني سير مايلز لامبسون انذارا للملك من ” إما القبول بتشكيل النحاس للوزارة أو التنازل عن العرش” مع ان حزب الوفد الذى كان يتزعمه النحاس لم يحصل على الاغلبية التى تجعله يشكل الحكومة وكان خطابه الاعلامى للداخل يصدر نفسه وكأنه بطل تحرر وطنى.
وتعالوا نقرأ المشهد المصري الان قراءة جيدة وعميقة ومحايدة .. ورغم أن اليسار والمفروض انه يدافع عن المساواة بين الناس ورفض الاقطاع والتفاوت الطبقي .. الا ان يسار مصر ابتدع امرا جديدا فهو تحالف مع الاقطاع وتناسي امر التفاوت الطبقي ..بل سارع رموزه ليقتسموا مع الفاسدين الغنائم .
ورغم ان الليبرالية تتباهى باحترامها لكل دعائم الحرية بكل اصنافها وانواعها .. الا اننا نجد زعيم الليبراليين المصريين محمد البرادعى يتولى منصبه كنائب لرئيس انقلب على الشرعية ونجده وكل الليبراليين المصريين ليس يصمتون على تكميم الافواه واغلاق الفضائيات والصحف وقتل الصحفيين وحبسهم ومراقبة الحسابات الاليكترونية للمعارضين.. وسحلهم واعتقالهم وتلفيق التهم لهم وقتلهم ..بل هم يبررون لها ..ومنهم من زاد وطالب بالتوسع فيها.
أما السادة الذين دنسوا ثوب عبد الناصر بانتمائهم اليه وهو منهم برئ نظرا لكونهم شلة من الافاقين ولارزقية والامنجية بل والعملاء لاعداء عبد الناصر .. فمن المفروض انهم يؤمنون بالوحدة العربية .. وبالقضية الفلسطينية .. ومع ذلك تحالفوا مع من يعتبر القومية العربية هراء فاشى يجب مقاومته .. مثل البرادعى الذى دمر العراق وعمرو موسي الذى دمر ليبيا .. وتحالفوا مع اعداء عبد الناصر ومشروعه مثل السعودية والكويت والامارات.
نعم فالمشاهد كلها هزلية في مصر ..وبطولاتنا فى اغلبها دون كيشوتية والنماذج لا تعد ولا تحصي.
اننى اخلص الى طرح سؤال توجهه لى زوجتى كل يوم وصرت افكر فيه جديا : هل يستحق هذا الشعب النضال من أجله؟ وهل صحيح أن من يتغطى بالشعب عريان؟
اقول لكهنة وعباد انقلاب 30 يونيو "الفاشل باذن الله":
هل سمعتم عن ثورة تستمر خمسة ساعات فقط ؟.. وهل سمعتم عن ثورة لم يخدش فيها شخص واحد ؟..وهل سمعتم عن ثورة خططت لها كل اجهزة الدولة وليس الثوار ؟ هل سمعتم عن ثورة تقوم بها الشرطة وأمن الدولة؟ هل سمعتم عن "ثورة" يغتصب فيها "الثوار" نحو 180 "ثائرة" فى يوم واحد فى ميدان"الثورة" ؟ هل سمعتم عن ثورة مدفوعة الاجر ؟ هل سمعتم عن ثورة "شعبية" تعزل رئيس منتخب لتأتى برئيس معين ؟ وتلغى دستور مقر به شعبيا وتستبدله بدستور كتبه اشخاص ؟ هل مات العقل والعقلاء؟