تقرير مهم عن القيلولة
معلومات تُفيد من يُزاول القيلولة أو من لم يُزاولها
غفوة قصيرة... أفضل علاج للشعور بالنعاس
الغفوة النهارية تُقلل من ضغط الدم عند التعرض للتوتر والإجهاد
القيلولة عادة قديمة عند كثير من شعوب العالم. وبالنظر إلى خصائص المناطق التي تنتشر فيها القيلولة، نجد أنها تنتشر في المناطق الحارة المشمسة. فهي تنتشر في منطقتنا العربية وحوض البحر الأبيض المتوسط والهند وأمريكا الجنوبية. في حين أن الشعوب في المناطق الباردة مثل شمال أمريكا وشمال أوروبا يُقللون من أهمية هذه العادة ويعتبرونها دليلاً على نقص الفعالية والكسل. ويرى الباحثون أن انتشار القيلولة بين شعوب المناطق الحارة قد يكون آلية لحماية الجسم من الحرارة والشمس الساطعة خلال وقت الظهيرة للمحافظة على حيوية الجسم وهذا تفسير منطقي.
وتتأصل القيلولة في ثقافتنا وموروثنا في العالم الإسلامي. وينبع ذلك من سُنة نبينا محمد ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ. فقد مارس الحبيب المصطفى ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ القيلولة وأوصى بها؛ فقد روى أنس رضي الله عنه، أن النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ قال: "قيلوا فإن الشيطان لا يقيل".(حسّنه الألباني). وقد ورد ذكر القيلولة في القرآن، قال عز وجل: (((وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون))) (الأعراف آية 4).
وتمتلئ (الإنترنت) بالكثير من المقالات التي تعرضت للقيلولة وفوائدها ولكن الكثير من المعلومات المذكورة غير موثقة علمياً، ولا توجد أبحاث تدعمها ولم تتعرض للقيلولة من الناحية الطبية. لذلك سنُحاول في هذا المقال أن نستقصي الأبحاث الموثقة والتي درست موضوع القيلولة ونُشرت في مجلات علمية محكمة، وسنتجنب الفوائد النظرية التي لا يوجد لها دليل علمي حتى الآن، ونحن سننظر في هذا المقال للقيلولة من ناحية طبية بحتة.
أنواع القيلولة:
يقسم الباحثون القيلولة إلى ثلاثة أقسام:
1 ـــــ قيلولة التعويض: ويقوم بها الأشخاص الذين يُعانون من نقص النوم بسبب السهر، حيث يُحاولون تعويض ما فاتهم من نوم الليل بالقيلولة وهي النوع الشائع في المملكة.
2 ـــــ قيلولة الوقاية: وهي القيلولة التي يحصل عليها الشخص لعلمه أن عليه الاستيقاظ لفترة طويلة بعد ذلك؛ كأن يكون مناوباً أو مسافراً بالليل وهكذا...
3 ـــــ قيلولة العادة: حيث يستمتع البعض بالحصول على قيلولة قصيرة وسط اليوم ويُمارسونها بصورة منتظمة.
فوائد القيلولة:
وقبل الحديث عن فوائد القيلولة نود أن نذكر أن فوائد القيلولة تتأثر بعدة عوامل منها حاجة الجسم إلى النوم، الإيقاع اليومي للجسم، وساعة الجسم البيولوجية، طول الغفوة، وقت الغفوة، وظهور أعراض كسل النوم بعد الغفوة (سنتحدث عنها لاحقاً) وعوامل أخرى مثل العمر والجنس.
وقد أظهرت الأبحاث الحديثة فوائد عديدة للقيلولة حيث تُحسن القيلولة من مزاج القائل، وتُقلل الشعور بالنعاس والتعب، وتُنشط القدرات العقلية مثل التحليل المنطقي والحساب وردة الفعل. وأظهرت الأبحاث كذلك أن أفضل علاج للشعور بالنعاس هو الحصول على غفوة قصيرة، حيث إن تأثير الغفوة يفوق تأثير المنبهات مثل القهوة أو الأدوية المنبهة، كما أن الغفوة حسّنت من الأداء العقلي مقارنة بالأدوية المنبهة. وقد تبنت بعض الشركات نظام القيلولة للموظفين وخاصة الذين يعملون ليلاً أو لساعات طويلة لزيادة تركيزهم بعد الغفوة قيلولة النشاط (Power nap.)
تأثير القيلولة على الجهاز الدوري:
أظهرت أبحاث سابقة أن القيلولة أو غفوة النهار قد يكون لها آثار مفيدة على الجسم وعلى القلب، خصوصا وأن الناس في زمننا الحالي يُعانون من نقص مزمن في النوم بسبب المدنية الحديثة التي تدفع الناس إلى السهر ليلاً والاستيقاظ مبكراً. وتُظهر الأبحاث أن الناس ينامون حالياً أقل بساعتين يومياً مقارنة بأسلافهم من أكثر من 50 سنة. وقد أظهرت دراسة نُشرت عام 2007 في أرشيفات الطب الباطني على 23681 متطوعاً في اليونان من كبار السن وتم متابعتهم لأكثر من ست سنوات، أظهرت الدراسة أن الذين يقيلون من الرجال كانوا أقل إصابة بتصلب شرايين القلب والوفاة. وقد أظهرت أبحاث سابقة أخرى أن أمراض القلب وضغط الدم أكثر شيوعاً عند الذين يحرمون أنفسهم من النوم أو بمعنى آخر الذين ينامون ساعات أقل.
وقد أظهرت دراسة جديدة نُشرت في مجلة (Journal of Behavioral Medicine) أن الغفوة النهارية تُقلل من ضغط الدم عند التعرض للتوتر والإجهاد. حيث درس الباحثون 85 متطوعاً من الشباب الأصحاء وقسموهم إلى مجموعتين، سمحوا لمجموعة منهم بالغفوة نهاراً لحوالي 45 دقيقة ولم يسمحوا للعينة الأخرى بالغفوة. وبعد ذلك تم تعريض المجموعتين لبعض الاختبارات الرياضية التي تُسبب نوعاً من التوتر. وقد وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم كان أقل بعد التعرض للضغط النفسي عند العينة التي حصلت على غفوة نهارية.
ذكرتني هذه النتائج بالآية الكريمة التي تقول (((إذ يغشيكم النعاس أمنة منه))) (سورة الأنفال آية رقم 11). ونحن نعلم من التفسير أن هذا النُعاس كان قبل القتال مع الكفار في بدر، أي قبل التعرض لضغط نفسي وجسدي. وقد كان النوم أمراً عجيباً ونعمة من الله مع ما كان بين أيديهم من الأمر المهم. وهذا يوضح أهمية النوم لراحة الجسم قبل التعرض إلى ضغوط خارجية. ومن قراءتي لما كتبه المختصون والباحثون وفهمي للآية فإن النُعاس في هذه الآية يتضمن النوم القصير وليس الطويل، أي أنه قد يُعادل الغفوة. أي أن الغفوة سببت أمناً وراحة قبل الحرب. وعند بحثي في هذا الموضوع بشكل موسع، وجدت دراستين علميتين نُشرتا عام 2007 في مجلة Arch Intern Med ومجلة J Appl Physiol وأظهرتا أن النوم لفترة بسيطة كالغفوة القصيرة يُقللان من ضغط الدم ومن التوتر خلال النهار وأن انخفاض ضغط الدم يبدأ مع بداية النوم؛ أي أن الضغط يتحسن حتى لو كانت الغفوة قصيرة جداً.
توقيت القيلولة:
يعتمد توقيت القيلولة على مواعيد نوم واستيقاظ القائل، حيث إن أفضل وقت لقيلولة شخص يستيقظ لصلاة الفجر وينام بعد صلاة العشاء يختلف عن شخص آخر يستيقظ متأخراً وينام متأخراً، وهذا يعود لتأثير الساعة البيولوجية في الجسم؛ حيث إن الإنسان يشعر بالنُعاس وتنخفض درجة حرارته في وقتين في اليوم والليلة: وقت النوم بالليل ووقت الظهيرة الذي يمتد من الساعة 12 ظهراً إلى الخامسة عصراً حسب مواعيد نوم واستيقاظ كل شخص. ويُعرف الوقت الذي يسبق نوم الليل بساعتين إلى أربع ساعات بالمنطقة المحرمة التي يصعب فيها النوم ولا يكون مريحاً؛ لذلك يصعب تحديد وقت للقيلولة لعامة الناس لأن ذلك يعتمد عل مواعيد نومهم واستيقاظهم، الساعة البيولوجية، وجودة النوم الذي حصلوا عليه في الليلة السابقة.
طول القيلولة:
طول القيلولة يعتمد على الهدف من القيلولة. فإذا كان الإنسان يريد النوم لأن وراءه سفراً طويلاً أو مناوبة مجهدة فقد ينام لساعات أطول. أما في الروتين اليومي للحياة فإن الأبحاث أظهرت أن 10 إلى 20 دقيقـة هو أفضل مدة للقيلولـة لأن هذه المدة تُحقق الفوائد المرجوة بعد الاسـتيقاظ مباشـرة. ففي الأبحاث المنشورة، أعطت هذه المدة أفضل النتائج من ناحية مقاومة النُعاس وتنشيط القدرات العقلية وتحسين الذاكرة. ولكن هل النوم الأطول يعني نتائج أفضل؟ هذه الفرضية غير صحيحة في القيلولة لأن الغفوة الأطول قد تؤدي إلى حدوث كسل أو قصور النوم. وسبب ذلك أن النائم يصل إلى النوم العميق بعد نحو 30-40 دقيقة من النوم، وإذا استيقظ من النوم العميق قبل حصوله على كفايته منه فإنه قد تظهر لديه أعراض كسل النوم. وكسـل النوم مرحلـة فيزيولوجيـة طبيعيـة يمر بها المسـتيقظ من النوم بعد الاسـتيقاظ المفاجئ ويشـعر خلالها بالدوخـة ويكون هناك نقص في التركيز والمهارات العقليـة، وقد يُصاحبها بعض الاختلاط الذهني. وتسـتمر هذه الحالـة من ثوانٍ إلى 30 دقيقـة. وهناك عدة عوامل قد تؤثر في ظهور هذه الحالة. فالاستيقاظ المباشر من النوم العميق (المرحلة الثالثة من النوم) قبل أن يحصل المخ على كفايته من هذه المرحلة قد يؤدي إلى هذه الحالة، كما أن القيلولة المتأخرة ـــــ أي آخر العصر أو وقت المغرب ـــــ قد تُسببها. والمخ كما ذكرنا آنفًا يدخل مرحلة النوم العميق بعد نحو 40-30 دقيقة من النوم، لذلك يُفضل ألا تزيد القيلولة عن 30 دقيقة حتى لا يُصاب المستيقظ بقصور النوم. وأظهرت دراسة نُشرت (2006) في مجلة إتحاد الأطباء الأمريكيين (JAMA) على مجموعة من المتطوعين أن القدرة على الفهم والاستيعاب والذاكرة قصيرة الأجل تكون أسوأ بعد الاستيقاظ من النوم العميق.
علاقة القيلولة بالعمر:
تُعتبر الغفوات أمراً طبيعياً لدى حديثي الولادة والرُضع والأطفال الصغار وتختفي بعد ذلك عند الأطفال في سن المدارس، ولكن عند البالغين تعود للظهور عند البعض، وتعود بشكل واضح عند كبار السن (أكثر من 65 سنة). وقد أظهرت الدراسات التي نُشرت من دول مختلفة أن القيلولة مرة أسبوعياً تتراوح من 36 في المئة إلى 80 في المئة عند البالغين. وفي المملكة أظهرت بعض الأبحاث أن القيلولة تصل عند البالغين إلى 80 في المئة وتكون منتظمة عند 20 إلى 40 في المئة من الأشخاص. كما وجدنا أن 40 في المئة من أطفال المدارس الإبتدائية يقيلون بعد عودتهم من مدارسهم في بحث سابق أجريناه في مدينة الرياض. ومن المعلوم أن أطفال المدارس الإبتدائية لا يحتاجون إلى القيلولة في هذه السن، ولكن سبب القيلولة هو نقص النوم أثناء الليل ومحاولة تعويض نقص النوم.
القيلولة عند كبار السن:
من المعلوم أن كبار السن (من تعدوا سن 65 سنة) يقيلون بصورة متكررة خلال النهار، وقد يكون هذا الأمر آلية لتعويض نوم الليل؛ حيث إن جودة النوم عند كبار السـن تسـوء مع تقدم العمر. والأبحاث التي أُجريت على فوائد القيلولة عند كبار السن قليلة ومتناقضة النتائج. ففي حين أظهرت الدراسة التي أُجريت في اليونان وذكرناها أعلاه تحسناً في نسبة الإصابة بتصلب شرايين القلب والوفاة عند من يقيلون، أظهرت دراسات أخرى نتائج معاكسة. ففي بحث جديد نُشر هذا الشهر (يناير 2013) في مجلة طب النوم وأُجري على مجموعة من كبار السن في الولايات المتحدة أن الذين يقيلون كانوا أكثر إصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب. وأظهرت دراسة سابقة نُشرت عام 2002 في مجلة النوم، أُجريت على اليهود المستوطنين في فلسطين نتائج مشابهة. وفي كلا الدراستين اللتين أظهرتا نتائج سلبية للقيلولة، كانت مدة القيلولة طويلة وليس أقل من 30 دقيقة كما توصي أبحاث كثيرة. وهذا قد يدل على أن كبار السن في الدراستين الأخيرتين يُعانون من اضطرابات في النوم الليلي يمنعهم من الحصول على نومٍ كافٍ بالليل وبالتالي محاولة التعويض في النهار. وقد تكون زيادة الإصابة بتصلب الشرايين نتيجة لاضطراب النوم الليلي وليس للقيلولة.
وأود أن أُضيف هنا أن القيلولة ليست بالأمر الأساسي، فبعض الأشخاص يشعر بالراحة والأريحية عند الحصول على قيلولته المعتادة، في حين أن أشخاصاً آخرين لا يُفضلون القيلولة ويشعرون بالتوتر والقلق إذا قالوا. وهذا موضع بعض الأبحاث حالياً، ويُعتقد أن الذين لا يفضلون القيلولة يدخلون في النوم العميق عند الغفوة بصورة أسرع. كما أود التنبيه هنا إلى أن النوم لمدة ساعتين أو ثلاث كما يفعل البعض لا يدخل ضمن القيلولة بل يُعتبر نوماً طويلاً ويؤثر في راحة وعمق النوم بالليل.