أيوب صديق
وجوه وقصص : مبدعى الزمن الجميل(1)
سليمان عبد الله حمد
نجوم تتألق فى سماء الإبداع الإذاعى فهم علماء ومثقفين أقسموا أن لا يكون لهم ظل إلا من خلال إ ذاعة البي بي سي البريطانية فهم كثر فنحن نحاول سرد بعض سيرهم لعشاق الميكرفون الإذاعي من جيل شباب اليوم حتى يستفدون من التجربة والنهل من معينها الذى لا ينضب طوال تلك السنوات 00 فنحن منذ ذاك الزمن البعيد كنا لا نسمع من الراديو إلا الإذاعة اللندنية (هنا إذاعة البي بي سي ) وإذاعة إم درمان !!!
«الاقتصادية» من لندن
''أقولك شنو'' بهاتين الكلمتين من العامية السودانية فتح أيوب صديق لـ ''الاقتصادية'' خزائن ذكرياته الإذاعية منذ منتصف ستينيات القرن الماضي تقريبا. فالرجل أحد أشهر الأصوات الإذاعية وأكثرها تميزا في تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية ''بي بي سي''، فلصوته نبرة مميزة لا تخطئها الأذن ولا تشبهها أخرى.
ويقول أيوب أعشق السودان عشقا جما، وكاد هذا العشق أن يكلفني يوما ما عملي، واصل الحكاية بأنه في أثناء تقديمي لأحد البرامج في ''بي بي سي'' وبدلا من أقول الجملة الشهيرة ''هنا لندن'' أخذني الحنين إلى السودان فقلت ''هنا أم درمان'' فهناك كانت بداياتي الإذاعية عام 1966، لثوان خيم الصمت على صوت الميكرفون، وعقدت الدهشة ألسن الزملاء في القسم العربي، لم يكن أمامي غير أن أعتذر للمستمعين شارحا لهم أن حنيني ''لأم درمان'' هو ما أنساني ''هنا لندن'' لكني اعتذرت شعرا وارتجلت بيت أمير الشعراء شوقي قائلا:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
وأكملت ''هنا لندن''.
ويعود أيوب بذاكرته نحو نصف قرن للوراء عندما تنافس مع 148 متنافسا لينال وظيفة مذيع في إذاعة أم درمان، حيث كان المطلوب خمسة مذيعين فقط، اللغة العربية السليمة والصوت المميز كانا بطاقة توظيفه. يحدثنا أيوب عن برنامجه الإذاعي الشهير ''من أرشيف الإذاعة'' قبل خمسة عقود تقريبا، ويوضح الفكرة تعود للأديب السوداني العالمي الطيب صالح ـــ رحمة الله عليه ـــ فقد انتدب لتطوير الإذاعة وكانت الفكرة بسيطة ولكن شائقة، أن تختار شريطا من أرشيف الإذاعة وتعلق عليه وعلى تاريخ تسجيله والملابسات المحيطة به سنوات، وكان أيوب ينتقل للعمل مذيعا في التلفزيون الرسمي عام 1973 وإبان عمله في التلفزيون عمل أيضا مراسلا من الخرطوم للقسم العربي في إذاعة صوت أمريكا، ثم القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية في لندن. وكانت سنوات مفعمة بالحيوية والنشاط، وكانت إذاعة بي بي سي هي طموح وأمل كل مذيع، امتحان الالتحاق بها كان صعبا للغاية سواء في القراءة أو الترجمة، ورغم ذلك وفقت وانتدبت للعمل في القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية في لندن عام 1978 وبقيتُ هناك حتى عام 1980.
وفي عام 1981 التحقتُ رسميا بالقسم للعمل فيه حيث تركز عملي على مجال الأخبار قراءة وتحريرا وترجمة، وإن كان جل عملي قارئاً للأخبار. وكنتُ أول مذيع يقرأ على العالم نبأ كارثة احتلال المدعو ''جهيمان'' للحرم المكي الشريف في عام 1979. كانت كارثة اهتز لها العالم الإسلامي بأكمله، كما كنتُ أول مذيع يقرأ على العالم نبأ اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981م. ويسترجع أيوب الذاكرة للعديد من الحوارات المهمة خلال فترة عمله من بينها حوار مع الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري وآخر مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات وكذلك مقابلة مع اللورد كارادون المندوب البريطاني في مجلس الأمن الذي صاغ قرار الأمم المتحدة الشهير رقم 242 الخاص في الشرق الأوسط. وبعيدا عن عشقه للميكرفون والإذاعة فلأيوب غرام خاص مع عالم الأدب شعر ونثرا، ويقول على الرغم من دراستي للهندسة إلى أن غرامي ينصب على الأدبين العربي والإنجليزي، ويبتسم قائلا لأمير الشعراء أحمد شوقي مكانة خاصة لدي، وكان ديوانه صاحبي في العطلات الدراسية، لكن إن أفصحت لك عن مذهبي الشعري فلربما يغضب علي الكثير من شباب هذه الأيام، ويضحك قائلا لستُ من أنصار الشعر المرسل ولا شعر التفعيلة كما يسمونه، بل سيئ الرأي فيه جداً. ويستطرد أيوب قائلا الشعر وعالم الأدب يصقلان مهاراتك اللغوية وهي عامل أساسي بالنسبة لأي صحافي وتحديدا المذيع، ومع الأسف الشديد فإن هناك حالة من التراجع اللغوي في وسائل الإعلام العربي عامة، وهنا لا أتحدث عن قواعد اللغة بل عن انضباط الكلمة ودقتها ووضعها في موضعها الصحيح، ولهذا فأنا سعيد بعملي الحالي، قد أشتاق أحيانا لميكروفون الإذاعة، وذكرياته معي، لكني الآن أنقل خبرتي لجيل جديد من الصحافيين والمذيعين والمذيعات بعملي في مجال الإشراف اللغوي في قناة ''سكاي للأخبار'' في أبوظبي، ويضيف من خلال لغة عربية سليمة وجزلة لن نضمن فقط أن يكون لدينا إعلام مميز، بل سنضمن الحفاظ على جزء أصيل من هويتنا الثقافية المميزة والمتميزة.
لنا عودة مع مبدع من مبدعى الزمن الجميل !!!
تنوية هام : هذه المقالات القصد من نشرها فقط المقارنه بين جيل الأمس واليوم هذه إيام إنطوت عجلى من غير رجعه ولكنها تبقى ذكرها محفوره على كف الزمان السوداني لينهل منها جيل اليوم المثقف من خريجي الجامعات والمعاهد العليا لأنها إندثرت ولم تبقي منها سوى حكايات تروى عبر الزمان !!! ليتنا نعيد تلك الذكريات المضية ليصل شعاعها إلى الحاضر المظلم !!!