أنت لست إلهاً ولكن ..
أنت لست إلهاً ولكن ..
أحلام النصر
أنا وأنتم وكل إنسان في هذه الدنيا : نمر بظروف متنوعة مختلفة ، ونصطدم بعقبات ، ونتعامل مع أشخاص مختلفين ، ونشهد الصراعات المتباينة والأزمات المتداخلة والمصاعب الكبيرة .
يضع الواحد منا خطة لمستقبله وحياته ، فيُفاجَأ برياح الظروف تطيح بشراع سفنه ذات اليمين وذات الشمال دونما إنذار !! ..
يقابل أشخاصاً ويتعامل معهم تحت مسميات شتى ولغايات نبيلة ، لكنه قد يصطدم بحقيقتهم ولو بعد فترة ، أو يرى منهم ما لا يتوقع من خلق أو بعد عن الغاية التي جمعتهم .
يضع آماله في أمر معين فتخيب ، يظن أن الآخرين سيساعدونه فإذا بهم أول المتخاذلين ، ويشهد حال الأوطان المؤسفة – لا سيما في عصرنا – فيزداد ألماً وحزناً ، وقد تُسْلِمُهُ الخواطر والهواجس إلى اليأس والقنوط والأفكار السوداوية .
وإن تطور الأمر أكثر فقد يخطئ ويسيء الأدب مع الله عز وجل ، ويعترض على القدر ويلوم القضاء ، فتلقاه في هذه الحال : يصبح حتى هو على نفسه – بدل أن يكون معها - مع قسوة الظروف وتنكّر القريب وشماتة الصديق وتغوّل العدو ! ..
*******
يا أخي المسلم ... نعم في الدنيا بلاء كبير وآلام شتى وسيادة شيطانية ، هناك الكثير من المجرمين الذين يستحقون الشنق ، وهناك العديد من المآسي الجديرة بالحل ، ولكن أيضاً .... (هناك الكثير لكي تعمله أنت ! ) .. لذلك عليك ألا تيأس ! ..
أنت لستَ إلهاً لتستطيع تغيير كل شيء في لحظة ، أو لجعل كل الناس مهتدين .
ولكنك خليفة الله في الأرض ، عليك ألا تستصغر شأنك وألا تنظر إليها بدونية ؛ فالله تعالى لا يخلق شيئاً ليس له فائدة ، ولو كنتَ غير ذي فائدة : لخلقك اللهُ عز وجل شجرة تنظف الهواء وتطرح الأكسجين ! .. ما دمتَ إنساناً : فأنت ذو نفع ولكنك لا تنتبه إلى نفسك ! ..
إن نظرتك الدونية لنفسك تنافي التكريم الإلهي الذي بمقتضاه أمر اللهُ الملائكةَ بالسجود لأبيك ، عدا عن أن هذه النظرة تحمل في طياتها معاني سوء الأدب مع الله تعالى ، وكأنك تشك في قدرته على هدايتك ، أو في دعمه وتوفيقه لك ! ..
********
أنتَ لستَ إلهاً لتمتلك النتائج فتهب المسلمين النصر وتجعل الظالمين يتجرعون الهزيمة ، ولكن في وسعك أن تقوم بواجباتك قدر استطاعتك ومهما كانت الظروف ، ومهما كان عدد المتخاذلين ، وحتى لو تقاعس الأخرون .. فالله تعالى لن يحاسبك إن لم تتحرر بلدك ، الله تعالى لن يحاسبك إن لم يعمل فلان وعلان ، الله تعالى سيحاسبك أنت أنت إن قصرتَ أو تهاونت ! .. {وكلهم آتيه يوم القيامة (فرداً) } ..
ألا ترى كيف يستميت أهل الباطل في سبيل باطلهم ؟؟ فكيف ينبغي أن تكون عليه استماتتُك أنت في سبيل الحق ؟ ألا ترى إلى إخلاصهم في الشر ؟ فلمَ لا تخلص أنت للخير ؟ هل ستيأس إن لم يستجب لك فلان أو ينصلح بكلامك علان ؟ لماذا ؟ وهل أنت تعمل من أجلهم أم من أجل أن الله أوجب عليك العمل ولم يحاسبك على النتيجة ؟
*********
أنت لست إلهاً حتى تبقى حيّاً لا تموت ، ولكن بإمكانك أن تضع بصماتك الرائعة المفيدة في الحياة قبل أن تفنى ، فرق كبير بين من يموت وقد خلّف وراءه سيرة عطرة وحياة حافلة بالكفاح والعطاء والتضحية ، وبين آخر عاش فاسداً مفسداً يعصي الله تعالى ويؤذي الناس ويخدم الشيطان .. الشيطان الذي يسخر منه ومن غبائه ويسعد بأنه سيشاركه الإقامة غداً في جهنم !!!! ..
نعم .. قد لا يكون الناس مستحقين للتضحية والإخاء ، قد لا تُحل الأزمات ولا في عشر سنوات ، قد لا تعود السيادة للإسلام إلا بعد عهود ، ولكن أنت .. ما لك ولهذا كله ؟؟ أنت عليك أن تقوم بواجبك لأن الله تعالى أمرك بذلك ، وكفى بهذا سبباً ! .. لستَ مسؤولاً عن النتائج ، بل ستكون أوان المصاعب وجفوة الناس وسواد الظروف : أكثر ثواباً إن شاء الله ؛ لأنك أخلصتَ لهذه المبادئ وربطتَ أعمالك برضا الله تعالى وحده دون أن تتأمل بالنتائج ، (( لا تدع مخلوقاً يدفعك إلى معصية الله تعالى ؛ فعندها لن يفيدك أي شيء !! )) .
ستكون قد بذرتَ بذرة خير في نفس إنسان .. ولو كابر وأظهر لك خلاف ذلك ؛ فهو لا يصنع هذا إلا ليقنع نفسه قبل أن يقنعك أنت : بألا فائدة تُرجى منه ، بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً ، والله تعالى قادر على كل شيء .. وحسبنا في هذا أن بعض الصحابة كان أيام الجاهلية يشرب الخمر ويرتكب الفواحش ويفعل ويفعل ، فإذا به بعد الإسلام : يكون مثال الطهر والفضيلة والخلق والمكارم والنخوة ! ، ويصبح هو في حد ذاته : مبادئ تمشي على قدمين ! ..
ستكون قد قربتَ المسافة واختصرتَ شيئاً من الطريق على الأجيال القادمة ؛ فيكملوا من حيث انتهيتَ أنت ، بدلاً من أن يستسلموا هم أيضاً للذل ويلقوا بتبعة العمل على غيرهم فتبقى الأمة جمعاء في مكانها لا تتحرك منه إلا إلى الوراء !!! .
هذا ولا تنسَ أن الله تعالى يغيّر من حال إلى حال ، وأنك إن أرضيتَ الله تعالى فسيدهشك بعطائه ! .. إنه قادر قادر قادر !!! ؛ لقد أنقذ عباده على مر السنين ، وبشكل لم يتوقعوه حتى هم أنفسهم ! .. تذكر قصص الأنبياء وأصحاب الكهف وفتى أصحاب الأخدود والغزوات ، تذكر أنه حتى في عصرنا نصر المجاهدين وأخزى أمم الكفر وجعلها مفلسة ضعيفة وكشفها على حقيقتها أمام العالم كله ، تذكر أننا رغم كل ما نعيشه : ما زلنا نؤمن بالله تعالى ونتمسك بالإسلام ونطلب الحق ونجاهد من أجله ! ، وهذا في حد ذاته نصر كبير ! .. هذا كله يقول لك : الله تعالى موجود فلا تبتئس ، والله تعالى قادر فلا تيأس ! ..
*******
أنتَ لستَ إلهاً .. ولكن في وسعك أن تكون عبداً صالحاً ! ..