"إسرائيل" تدعم النظام السوري رسمياً!!!

"إسرائيل" تدعم النظام السوري رسمياً!!!

م. عبد الله زيزان

باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

جاءت التفجيرات التي استهدفت مقرات عسكرية تابعة للنظام السوري والناجمة عن هجمات منسقة من العدو الإسرائيلي في وقت تشهد فيه الساحة الداخلية السورية تطورات ميدانية غير اعتيادية، مما يجعل اختيار هذا التوقيت مثار اهتمام وتمحيص!

فالمجازر التي ترتكبها ميليشيات الأسد الطائفية على الساحل السوري لم يسبق لها مثيل منذ اندلاع الثورة السورية، فالشهداء بالمئات والمشردون أضعافهم، في أبشع صور التطهير الطائفي في القرن الحديث، ووسط تنديد دولي معيب لا يرقى لمستوى الفظائع التي ترتكب على مرأى من العالم ومسمع، حيث امتدت عمليات القتل الممنهج لأيام عدة كان بوسع العالم "المتحضر" أن يتخذ إجراء ما تجاه ما يحدث هناك إلا أنّه آثر السكوت في مظهر يدل على عمق الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها هذا العالم، حيث أن مئات الشهداء المنحورين بالأسلحة البيضاء كانت كافية لوضع خط أحمر جديد أشد "حمرة" من ذاك الذي وضعوه لاستخدام السلاح الكيماوي...

جاءت الهجمات "الإسرائيلية" في ظل هذه الأزمة الأخلاقية لتسرق الأضواء ولتتجه البوصلة الإعلامية لهذا "الاعتداء" على نظام "المقاومة والممانعة"، الذي فشل في تسويق أكذوبة المؤامرة الكونية عليه منذ بداية الثورة، لتأتي هذه الهجمات كطوق نجاة له ولأعوانه من حزب "الله" وإيران، لإثبات أن ما يواجهونه إنما هي مؤامرة صهيونية أمريكية تستهدف مواقفهم "الممانعة" على مدى عقود مضت، وقد استفاد الإعلام الرسمي السوري وأبواق النظام من هذه الهجمات لتكريس نظريتهم وتوزيع الاتهامات على معارضي النظام بالارتباط بالإسرائيليين..

إلا أنّ الدعم الصهيوني لموقف النظام السوري فضحته صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي أكدت في السادس من أيار الحالي بأن إسرائيل نقلت رسالة سرية إلى الأسد عبر قنوات دبلوماسية، أوضحت من خلالها أنها لا تنوي التدخل في "الحرب الأهلية" الدائرة في سورية، وأن أهداف الغارات الأخيرة ليس النظام وإنما "حسب زعمهم" قواعد لـ"حزب الله" داخل سورية كانت فيها صواريخ إيرانية... أما صحيفة هآرتس فكانت أشد صراحة حين أكدت أن القرار الرئيسي الذي اتخذه المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلي في جلسته مساء الخامس من أيار هو نقل رسائل تطمينية إلى الأسد لمنع استمرار التصعيد على الجبهة الشمالية، ولعلّ في رسائل التطمين تلك إشارة واضحة للأسد بأنّ الغطاء الإسرائيلي الغربي للنظام ما زال قائماً، ذلك الغطاء الذي جعل النظام يصمد كل تلك الفترة السابقة أمام الحراك الشعبي المناهض له.

وفي السياق ذاته قدّم حسن نصر الله خدمة مجانية للدولة العبرية بتعزيز راويتهم تلك، حين قال في خطابه الأخير في التاسع من أيار الحالي أنّ النظام السوري ينوي بالفعل تزويد حزب "الله" بأسلحة نوعية لم يحصل عليها من قبل، والمعروف أنّ من يريد أن يدعم لا يتكلم، لكنّه صرّح بهذا لا لتعزيز الرواية الإسرائيلية فحسب بل لتعزيز موقف النظام السوري ومحاولة لاستعادة بعض من شعبيته المنهارة في الشارع العربي، وما يؤكد كذب حسن نصر الله ومعه الصحافة الإسرائيلية هو أنّ الأسلحة التي دمرها اليهود غير قابلة للنقل أصلاً وهي تطلق من منصات ثابتة مبنية مسبقاً في تلك المنطقة...

وحتى لا يرهق المحللون أنفسهم في البحث عن أسباب الضربات الإسرائيلية الأخيرة بعيداً عن أكذوبة قطع الإمدادات عن حزب الله التي روجت لها الصحف الإسرائيلية، نشر موقع "ديبكا" (الاستخباراتي الإسرائيلي) أن الهدف الرئيس من الهجمات على ريف دمشق هو حرمان الجيش الحر من الحصول على صواريخ نوعية في تلك المنطقة، خاصة مع إحراز الجيش الحر لانتصارات مهمة في هذه الجبهات، وقد أكد الموقع عن ضابط إسرائيلي رفيع قوله: "لتحترق هذه الصواريخ، لا نريدها أن تبقى بيد النظام أو أن تصل إلى المعارضة"..

وإذا ما كانت هذه الضربة جاءت لصالح النظام السوري من تدعيم لموقفه الإعلامي من جهة، ومن جهة أخرى لمنع سيطرة المعارضة على الصواريخ النوعية، فإن توقيت هذه الضربة كان مدروساً بعناية أيضاً، حيث جاءت في غمرة حملة التطهير الطائفي الذي تمارسه ميليشيات الأسد في الساحل السوري بمساندة الطائفيين اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين فضلاً عن الطائفيين الأتراك، ما أبعد وسائل الإعلام تماماً عن هذه الجريمة النكراء وسلّط الأضواء على الضربة الإسرائيلية، مما أوجد مهرباً معقولاً للمجتمع الدولي العاجز عن الدفاع عن حقوق مدنيين عزل في مواجهة وحوش بشرية، وهذا سهّل على النظام إكمال جريمته وبهدوء شديد، فلم نجد حتى اللحظة ردوداً عربية أو دولية على ما جرى في بانياس وأخواتها..

إنّ توقيت الهجمات الإسرائيلية والأهداف التي اختارتها، وخطاب نصر الله الذي تلاها، كلها أدلة على الارتباط الوثيق بين النظام السوري وكل أعوانه في المنطقة مع هذا العدو الإسرائيلي الذي لم يشعر بالخطر طيلة العقود الأربعة الماضية إلا حين اهتز القصر الرئاسي في دمشق، وبدأت سورية تتحرر شبراً شبراً من براثن المغتصب الأسدي على يد وطنيين شرفاء يخشاهم اليهود كما يخشاهم الغرب بأجمعه...