سوريا المنكوبة والعروبة المفقودة
سوريا المنكوبة والعروبة المفقودة
خليل الجبالي
المتطلع إلي تحسن الأحوال في سوريا المنكونة دون تدخل العرب والمسلمين لن يجد ما يسره ، فكيف يعمل شعب أعزل لا يملك الدفاع عن نفسه أو التخفي بين جدران خاوية، إذا لم تقابل القوة بقوة مثلها.
فكل يوم نجد قتلي وجرحي ، ونسمع عن قصص ومأسي بين الأطفال والنساء، فشبيحة بشار يأتون علي الأخضر واليابس بعد أن تلقوا أوامراً واضحة بهدم وتدمير كل شيئ علي من فيه.
تجد دولاً غير قليلة تقف مع بشار موقف المعاون له بوسائل مختلفة ومؤثرة، فتجد دولة الإمارات تمده بالمال أحياناً لشراء الذمم الخربة في سوريا ليكونوا أعيناً لبشار ورجاله علي السوريين المجاهدين الأحرار، ثم هي تضيق علي السوريين ليذهبوا إلي جحيم بشار حتي إذا إنكشف تعاونها له تكون في مأمن من رد فعل السوريين داخل وطنها.
وهناك دول تمد بشار بالسلاح والعتاد مثل روسيا التي تنقل له ليلاً ونهاراً صواريخاً متنوعة المدي والحجم ، وأجهزة الرصد ، والقنابل العنقودية والكيمياية.
فروسيا منذ زمن بعيد كانت ترغب في الوصول منطقة الشرق الأوسط بسبب عوامل دينية واقتصادية وجغرافية، وقد نص (بطرس الأكبر) (1627-1725م) في وصيته للروس (في الفقرات التاسعة والحادية عشرة والثالثة عشرة) على ضرروة الصراع الحضاري ضد العثمانيين ، إلى أن تنتهي الدولة العثمانية من الوجود.
ولذا فقد حاولت روسيا أن تقوض عرش السلطان عبدالحميد الثاني آخر سلاطين الدولة العثمانية فتعاونت مع ألمانيا وإيطاليا في دعم الثورات علي الدولة العثمانية في أوربا ، وتعاونت مع فرنسا لإنشاء صراع في المغرب العربي في إفريقيا، وتعاونت مع إنجلترا التي كانت مسيطرة علي معظم دول الشرق الأوسط في ذلك الوقت ونجحت في إسقاط الخلافة العثمانية سنة 1924 م، فالصراع الروسي العربي قديم، حديث، لمحاولة فرض سيطرتها علي تلك البقعة من العالم.
وهناك دول مثل إيران تمد بشار بالعتاد والجنود من خلال العراق وحزب الله ، فكم من الجنود الإيرانيين ألقي الجيش الحر القبض عليهم في سوريا!.
فإيران تحاول أن تبسط مشروعها الصفوي الشيعي علي منطقة الشرق الأوسط من خلال الهيمنة علي العالم الإسلامي ،وإعادة الإمبراطورية الفارسية في شكلها القومي بغطاء ديني، وذلك بإنشاء قوة تمركز دولية تتكون من إيران والعراق وسوريا والبحرين ولبنان الممثلة في حزب الله بقيادة المخربة ذمته ، والميت ضميره، والفاقد لدينه نصر الله.
دفعت إيران حزب الله بالوقوف مع بشار بكل ما أوتيت من أسلحة ورجال وخبرات إستراتيجية وعسكرية وجغرافية، فتجد جنود حزب الله يقاتلون السوريين جنباً إلي جنب شبيحة بشار ، فيقذفون مناطق الجيش الحر ، ويرعبون السوريين الآجئين علي الحدود السورية ، ويمدون بشار ورجاله بالمعلومات وما تحتاجه أليات الحروب.
وتطمع أمريكا كعادتها في منطقة الشرق الأوسط للسيطرة علي مواردها الطبيعية، وثرواتها المختلفة مثل البترول، وموقعها المتميز في قلب العالم ، وجودة مناخها الطبيعي.
فبعد محاولة أمريكا تفتيت العالم الإسلامي، وإضعاف قوته العسكرية والجغرافية، وزرع إسرائيل به، مع تحيزها الكامل لها في الصراع العربي الفلسطيني، وبعد سيطرتها علي العراق ومقدراته ، تجد أمريكا توقف منذ الوهلة الأولي من ثورات الربيع العربي موقف المدافع عن النظم القائمة التي كانت تدين لها بالولاء والطاعة ، ثم أظهرت أمريكا حياديتها الوهمية من ثورات الشعوب، وإن كانت تعمل علي تفتيت قوة الثوار بالتدخل المباشر تارة ، أو الدعم المادي تارة ، أو الدعم النفسي تارة أخري ،أوالوقوف موقف المتفرج.
أظهرت أمريكا أنها لن تتدخل في حرية الشعوب في إختيار نظمها كما حدث مع النظام السوري، ولكنها في الحقيقة كانت تعمل علي إضعاف القوتين المتصارعتين ) قوة بشار ورجاله ، وقوة السوريين المتمثلة في الجيش الحر(.
أجبرت أمريكا الأمم المتحدة ومجلس الأمن والإتحاد الأوربي أن يقفوا موقف المتفرج من القضية السورية حتي تصل إلي بغيتها وتحقيق أهدافها.
ضغطت أمريكا من خلال إسرائيل علي إيران بشن حرب عليها نتيجة إمتلاكها القنبلة النووية حتي لا تساند نظام بشار، أوتتدخل في حالة توغل أمريكا في سوريا من خلال إسرائيل بحجة عدم وجود نظام بها مما يهدد أمن إسرائيل القومي.
تحاول أمريكا إيجاد نظام بديل للجيش السوري الحر بعد دخولها سوريا بحجة فض المنازعات بين إسرائيل والسوريين وإرضاءً للدول العرب التي قد تعترض علي التدخل الإسرائيلي في سوريا.
في دمشق وحلب وحمص وحماة كل يوم تجد حالات موت جماعية ، وهتك للأعراض، وتدمير للبيوت ، وطرد للعزل ، وسقوط مساجد وكنائس لتصبح أنقاضاً خاوية ، والشعوب العربية لا تجد بديلاً لها إلا مصمصة الشفاة ، ووشوح الوجوه عن المناظر المؤلمة التي تشاهدها في الفضائيات دون أن تجد لها وسلية للذود عن سوريا المنكوبة.
تأمل الشعوب في نصرة السوريين من قبل رؤسائهم وملوكهم الذين يملكون المال والعدد والعدة ، فهم أصحاب النصرة إن أتت من قبلهم، وهم أصحاب الخزي والعار أن صمتوا علي قتل المسلمين والعرب في تلك الوطن الحبيب.
ينظر كثير من الملوك والأمراء والحكام نظرة المنتظر إشارات وهمية من الدول قاليادية لهم ، سواء أمريكا ، أوروسيا، أوالإتحاد الأوربي.
إن الدول العربية اليوم تنقسم إلي قسمين ، دول حدثت بها ثورات ، فهي منشغلة بإصلاحها الداخلي ، مجاهدة في صد حرب الليبراليين والعلمانيين والمواليين للنظم الخارجية ، ومحاولة الخروج من عثراتها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ، فيكفيها ما تقدمه من إعتراضات من النيل من حقوق الشعوب أوالجور علي أي دولة عربية إسلامية.
وشعوب تلك الدول يأملون أن تنال باقي الدول العربية حريتها ويتحقق لها كرامتها ، فيضغطون تارة علي النظم الجديدة المكبلة بما لديها ، أو يتظاهرون نصرة لأخوانهم في تلك الدول المنكوبة.
والقسم الثاني من الدول العربية متخوفة من أن تنالها ثورات الربيع العربي، فحريصة علي إلتزامها الصمت حرصاً علي دعم أمريكا والإتحاد الأوربي لها، وبالتبعية تقوم بكبت شعبها تارة ، ومحاولة إرضائه تارة أخري بعمل تغييرات شكلية في منظومتها الحكومية، أو هيكليتها الوظيفية ، أو موازناتها المالية.
وفي كلتا الحالتين فإن العروبة مفقودة، ليس لها معني وخاصة بعد التدخلات التي تحدث في الدول العربية المنكوبة من كل الإتجاهات سواء الروسية أوالإيرانية أوالأوربية أوالأمريكية.
إننا إن بكينا اليوم فلنبك علي عروبتنا التي ماتت في ضمائر الملوك والأمراء والحكام، وعلي العروبة المفقودة الناتجة عن أيدي الشعوب المكتوفة.