المكان المناسب

يسري الغول

[email protected]

قرأت ذات مرة أن الاتحاد السوفيتي وصلته معلومة مفادها أن أحد أعضاء مجلس النواب (الكرملين) يعمل جاسوساً لدى الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب الباردة بينهما، وقد تابع جهاز الاستخبارات السوفيتي (كي جي بي) ذلك النائب لمدة تزيد على الستة أشهر دون أن تكتشف الاستخبارات أي دليل مادي حول ارتباطه بالولايات المتحدة الأمريكية، وحين تم التحقيق معه واستجوابه اكتشفوا بأن مهمة ذلك المسئول هي فقط وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب. لما لذلك من تأثير على خلخلة بنيان المجتمع، وقيادته نحو الهاوية.

ولذلك، فإن من أهم استراتيجيات تنمية الموارد البشرية هي إستراتيجية "وضع الشخص المناسب في المكان المناسب"، فكلما كانت المؤسسة تولي اهتماماً أكبر باختيار أفرادها ومسئوليها كانت النتيجة أعظم وأنجح، لأنهم حينها سيكونون الأقدر على اتخاذ القرار المناسب في الوقت والمكان المناسبين، وإن من أهم أمثلة حُسن الاختيار كانت في رد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين قال له بأنها أمانها وأنها يوم القيامة خزي وندامة.

وإن اختيار القائد لا يتم عبر امتحانات ورقية أو مقابلات قصيرة، بل تتم عبر توصيات ومتابعات بشكل كامل مع إحاطة المزكي والمرشِح لجميع معايير اختيار الرجل المناسب، ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعثته لاختيار الأكفاء كي يقودوا الأمة نحو النور، ففي الحديث "من استعمل رجلا على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين "دليل واضح بأن اختيار الأشخاص أمانة عظمى لا يلتفت إليها كثيرون هذه الأيام للأسف، رغم وبالها على الأمة فيما بعد، وإن من أهم شروط اختيار القائد هي القوة والأمانة، واليوم يجب أن يتحلى أي مسئول في أي مكان بعدة أمور بها يكون الرجل المناسب للمكان المناسب، وهي التخصص والثقافة والقيادة (القوة والأمانة) والأخلاق، الذكاء والاتزان الانفعالي والطموح والصحة البدنية والنفسية وشروط أخرى، ومتى وُجدت تلك الشروط في الشخص كان العمل والمكان مناسباً لصاحبه. 

وفي الختام، فإن اختيار القيادات في المجتمع العربي بشكل عام لا تخضع لهذه الشروط وإنما بدافع المحاباة، أو العلاقات الشخصية، أو الانتماء الحزبي مما أودى بحياة الأمة فتهاوت سحيقة في خبال الأنظمة الغربية.