خطاب الأمثال اللائق بالأنذال
خطاب الأمثال اللائق بالأنذال
محمد شركي
الأمثال العربية حكم بليغة في شكل عبارات وجيزة تختزل الكلام الكثير. وتستعمل لنصح المنتصحين واعتبار المعتبرين ، وتستوقف الأكياس ، ويغفل عنها من بأهوائه يساس . وفيها ما يمدح أفعال الأخيار ويذم فعال الأشرار . ومن الأمثال الواصفة لنقائص الأنذال ، وفيها عبرة لأولي الألباب قولهم : " وعد بلا وفاء عداوة بلا سبب " فالمعروف عن النذل أو النذيل ، ويجمعان على أنذال ونذول ونذلاء ونذال ، وهو الخسيس الحقير ساقط الدين أو الحسب أو الخلق أنه يعد ولا يفي بوعد. وساقط الدين من لا وفاء له ، ومما جاء في الأثر " لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له" ويقال : " فم يسبح ويد تذبح " للنذل وهو يظهر بالقول خلاف ما يفعل . ويقال له :" فضل القول على الفعل دناءة " إذا تخلف قوله عن فعله أو خالفه . ويقال له : " عبد وسُوِم " إذا أطلقت يداه فتمادى في فعل السوء . ويقال له : " أطرق كرا إن النعامة في القرى " والكرا ترخيم كروان وهو طائر يشبه به الذليل في حين يشبه الجليل بالنعام ، ويراد به اعرف قدرك واجلس دونه إذا حضر من له فضل عليك وقدر . ويقال له : " يطين عيني الشمس " إذا حاول إخفاء الحق الجلي . ويقال له : " الظلم مرتعه وخيم " لأن الظلم أول من يجني ثمرته الظالم . ويقال له : " إذا طلع سهيل رفع كيل ووضع كيل " وسهيل نجم تنضج عند طلوعه الفواكه ، ويضرب لمن لا يحترم المبدأ ويغير حكما بآخر بناء على مصلحة . ويقال له : " عن ظهرها تحل وقرا " ويقصد به أن صاحب المصلحة شغله الشاغر مصلحته. ويقال له : " العديم من احتاج إلى لئيم " لأن اللئيم يعد ويخلف . ويقال له : " بئس الحكم قبل معرفة العذر " لأنه يصدر الحكم عن هوى و جهل أو بناء على وشاية وبهتان لا عن علم ودراية وتبين واستقصاء . ويقال له : " ليس من العدل سرعة العذل " لأنه يلوم عن جهل وهوى أو بوشاية واش ، وفي هذا قال الشاعر: تأن ولا تعجل بلومك صاحبا = لعل له عذر وأنت تلوم
ويقال له : " المعاذير مكاذب " حين يلجأ إلى الاعتذار الكاذب إذا أخلف الوعد ونقض العهد . ويقال له : " من طلب أخا بلا عيب بقي بلا أخ " لأنه لا يلتمس لأخ عذرا ، ولا يقدر ظرفا ولا يرعى له عهدا و لا إلا ولا ذمة، ويقال له أيضا : " عتاب الأخ خير من فقده " وفي العتاب ما يغني عن الفقد وهو خسارة لا تعوض . ويقال له : " طاعة الغضب ضياع الأدب " ذلك أن الغضبان قلما يلتزم الأدب والاتزان ولهذا قالوا : " لا يقضي القاضي وهو غضبان " . وقالوا له : " الصدق ينبىء عنك لا الوعيد " ذلك أن من يتوعد ولا يفعل عاجز وجبان . وقالوا له : " صحيفة المسن تحشذ ولا تقطع " حين يكون وسيلة للأذى ومصدرا للشر. ولو عرضنا الأنذال على غير هذه الأمثال لوجدنا فيها ما ينسحب على نذالتهم من شنيع الأوصاف وقبيح النعوت ، لهذا قال الله عز وجل : (( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )) كما قال : (( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون )) صدق الله العظيم .