الشجعان الجدد
الشجعان الجدد
أ.د. حلمي محمد القاعود
في التسعينيات من القرن الماضي تفضل أحد الأصدقاء بكتابة عرض مطول لأحد كتبي. لكن رئيس تحرير المجلة التي نشرت العرض فاجأ القراء بتنبيه غريب أسفل العرض يشير إلي أن الموضوع يحمل أفكار صاحب الكتاب وألفاظه.
والمجلة تفتح المجال للرد والتعقيب, الذعر الذي بدا في التنبيه تحول إلي عدم نشر أي رد أو تعقيب. والمفارقة أنني فوجئت بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي برئيس التحرير الفاضل يتحول إلي أسد هصور في انتقاده للرئيس وحدة لم تعرف عنه, فقد تخلي عن كتاباته الهادئة وطبيعته المسالمة ومعالجته الموضوعية الهادفة.
رئيس تحرير آخر كان يرأس جريدة معارضة, لم يعرف عنه أنه كتب مقالا عنيفا أو حتي هادئا ضد النظام السابق أو ضد رموزه, بل كانت مقالاته الباهتة قليلة بصفة عامة, وفجأة صارت له جريدة أسبوعية بعد الثورة تصدر بالألوان ولها ملحق, وتستكتب أنصار النظام السابق من المثقفين, وتحول الرجل إلي كاتب مقالات نارية صاخبة, وناشر أخبار معظمها ملفق أو مفبرك, ويوجه ضرباته تحت الحزام, إلي الرئيس وجماعته وحزبه والإسلاميين عموما!
كاتب كبير كان يهتم غالبا بالقضايا الاجتماعية المفيدة, وكان يتكلم عن الرئيس السابق بكل ود واحترام إلي درجة التأليه, تحول فجأة إلي ثائر غاضب يتناول الرئيس بما لا يليق, وينتقد صلاته وإيمانه, ويحمل علي الإسلاميين الذين يرتدون الجلابيب ويحرصون علي الزبيبة في جباههم, ويري أن الدين لا يقدم لنا خبزا ولا لحما, وأن صلاة الرئيس تضايق الناس وتكلف أموالا طائلة.
من حق الكتاب أن ينتقدوا الرئيس ومن يشاءون, ولكن الغرابة تكمن في الإهانة والرغبة المتأخرة في إظهار بطولات في غير أوانها. يوم كان الناس يريدون قراءة كلمة تواجه الفاشية البوليسية أو العسكرية لم يجدوها, ويوم كانوا يودون ألا يعبد الكتاب الفرعون/ الإله, خاب ظنهم, لأن الشجعان الجدد كانوا يبالغون في العبادة وتقديم القرابين إلي كهنة آمون كي يرضي عنهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.