لماذا لم يقم أصحاب القرار بدورهم ؟؟..

عقاب يحيى

تكثر الأسئلة هذه الأيام عن سرّ تماسك الطغمة، واسباب عدم انهيارها، أو عدم القيام بانقلاب من أصحاب الشأن يريحون البلاد من كمّ الجرائم، ويضمنون مستقبلهم.. وعن أي سرّ يجعل هؤلاء متماسكين رغم معرفتهم بمعركتهم الخاسرة ومصيرهم الأسود ..

****

نجح الطاغية الأكبر في تشكيل تكتل عسكري ـ أمني كانت الفئوية، وربط الناس من رقاب مصالحها وفضائحا ركيزتان رئيستان.

ـ الأول قام على مشاعر دفينة لا تظهر إلى العلن، ولكن يمكن تلمسها، والقبض عليها بالجرم الطائفي المشهود عند البحث في الخلفيات، وابعاد وخلفيات التصرفات التي لا تغشّ معرفتها أطنان الشعارات القومية، وعن الممانعة، والشعب الواحد، وشبه العلمانية، شبه الاستناد إلى البعث واجهة، وشبه السمة التقدمية، لأن المتبصر لمسار الطاغية منذ نشأته يعلم أن داخله بعبعاً طائفياً لم يتخلص منه، وبالوقت نفسه شكل له حبل وصول للسلطة، وسند ارتكاز وحماية، وانقلاب، وديمومة.. فلعب على أوتاره كثيرا، وعزف ألحاناً حاول التنويع فيها.. ظاهرها حرص على الوحدة الوطنية، وباطنها وحش موغل في التخلف، واستحضار" الأرواح" والمظلومية، والتخويف من آخر يمكن استحضاره عند اللزوم، ثم تنصيب نفسه ـ الطاغية ـ ممثلاً للطائفة، وحامي حماها. آخذين بالاعتبار حجم الامتيازات التي قدّمها لنخب متعلمة أرسل عشرات الالاف منها إلى الخارج لتحصيل شهادات علمية عالية في كافة الاختصاصات، بشكل متحيز، ولا يقوم على العدالة بين ابناء الشعب، وتعيين أعداد كبيرة منهم في جميع مؤسسات ومفاصل الدولة، خاصة العلمية والإعلامية والثقافية والفنية... وغيرها.. في حين أن الكلية العسكرية كانت تضمّ ثقلاً فاضحاً لأبناء الطائفة فيها، وفي إحصاء لأول دورة كلية عسكرية بعد قيام الطاغية بانقلابه عام 1970.. كانت دورة الكلية الحربية تضمّ 1150 منهم نحو ألف من الطائفة العلوية، ناهيك عن تعيين كثيرهم في فروع الأمن، والمواقع الحساسة، المفصلية في القطعات العسكرية، وتشكيل حالة تجعلهم أصحاب التأثير والقرار حتى بالنسبة لرتب عسكرية أعلى بكثير من الفئات الأخرى، وتجييش الآلاف المؤلفة من الذين لم ينهوا تعليمهم، وشبه الأميين كعناصر أمنية في الأجهزة الأخطبوطية كثيرة وكبيرة الفروع والعدد، عدا عن المخبرين..

ـ هذا وضع يجب رؤيته، ومعرفة أثره.. رغم الواقع المزري لعموم المناطق العلوية، ونسبة الفقر العالية التي تتشابه مع بقية المناطق المحرومة في البلد .

ـ وبالتوازي مع ذلك.. أطلق الطاغية الأكبر ، وبشكل منهّج، العنان لكل أنواع الفساد والنهب والإثراء غير المشروع، وتكونت طبقة جديدة مافيوزية عمادها الرئيس كبار الضباط والمسؤولين في الأجهزة الأمنية وغيرها.. الذين لم يعودوا يقبلون بالرشوة، ولا بالمحاصصة ـ وفقاً لتدرج مسيرتهم الفضائحية، بل تحول كثيرهم غلى صاحب قرار في التجارة والاستثمار تتبع له شبكات كبيرة..

ـ معظم هؤلاء كانت ملفاتهم محضّرة جيداً، بدءأ من أول رشوة قبضوها، إلى عهرهم واستفشارهم، إلى سرقاتهم وأموالهم المتلتلة وفضائحهم المستورة والمعروفة ضمن أضابير ضخمة تمسكهم من رقابهم فلا يقدروا على" التفلحص" ويركعون، ويبوسون أقدام ولي النعمة، القادر على شرشحتهم في الوقت المناسب..

****

مع ذلك، ورغم أنه يمكن الحديث المعمق عن البنية الطائفية وموقعها، والارتباطات المصلحية ودورها.. فإن الكثيرين لم يكنوا يتصورا أن يصل الإجرام بهؤلاء ـ أصحاب القرار ـ إلى درجة ارتكاب الجرائم الإبادية المنظمة، واستخدام الأسلحة الثقيلة والطيران ضد الشعب، والمضي، إيغالاً، في حرب شاملة.. لكنها الحرب الخاسرة بالنسبة لهم التي لم يحرزوا فيها سوى الدم والخراب ولعنات التاريخ.. فكيف يستمرون ؟..من أية طينة هم؟، وكيف يفكرون ؟..

ـ في بداية الأحداث كان الرهان على " عمل جراحي" سريع منطقياً ومشروعا، عبر القيام بانقلاب يريح البلد من مسلسل الدم والقتل والإفناء، ويضع هؤلاء في الموقع المسؤول عن مصير شعب وبلد، وطائفة..ولم يحدث الانقلاب الموعود.. رغم ما يقال عن محاولات جرت وأخفقت، وعن إعدامات وتصفيات .. لكن الزمرة ـ العصابة ـ الحاكمة ما زالت بثقلها الرئيس ـ المعروف ـ موجودة، وتمارس فعل القتل المنهج .. وتبدو متماسكة في المظهر العام..

ـ هنا تتبادر إلى الذهن أسئلة كبيرة : كيف يفكر هؤلاء؟.. وغلى أين يمضون؟. ألا يفكرون بمصيرهم ومصير ملياراتهم، وعوائلهم، وحتى الطائفة وموقعها القادم ؟.. ألا يدركون أنها معركة خاسرة، وأن التاريخ سيلعنهم ملايين المرات ويسجلهم في صفحاته السوداء كحالات نادرة فيه ؟..

ـ ألا يفكر بعضهم بالخلاص، وتحرير البلد من عصابة أدمنت الجريمة المنظمة ولا مستقبل لها غير قدرها المحتوم الذي يحفره شعب مصمم على التضحية حتى النصر الشامل ؟..

ـ هل الوريث المعتوه بما عرف عن شخصيته من اهتزاز وانفعال وصبيانية.. هو الحاكم الفعلي، صاحب القرار؟ أم تلك العصابة ؟...

ـ نعم مضى وقت طويل على أمل القيام بعمل داخلي حاسم.. ولا تبدو مؤشراته في أفق أصحاب القرار، وإن كانت الأمور تجري في سياقات النهاية.. وهي تفرض عليهم، رغماً عن كل عنجهيتهم، وحقدهم، أن يفكروا بوضعهم، وقادمهم القريبز. قبل الانهيار الشامل .