أسرار ما يجري الآن!
أسرار ما يجري الآن!
بدر محمد بدر
في كتابه الذي صدر قبل أيام "من أوراق ثورة 25 يناير"، فسر المؤرخ الكبير المستشار طارق البشري جانبا من المشهد الحزين، الذي يجرى تنفيذه في مصر الآن، عندما قال "إن الليبراليين الذين طرحوا فكرة "الدستور أولاً" كانوا يخشون ما تسفر عنه الانتخابات من أغلبيات كبيرة للإسلاميين، وهذه الخشية كانت ستتحقق، سواء جرت انتخابات حرة للجمعية التأسيسية لمواطنين عاديين أو جرت لمهنيين".
ويضيف المؤرخ الكبير "والحقيقة أن هذا الاتجاه الذي كان يطالب بالدستور أولاً كان يفتقد المنطق، ليس عن عدم معرفة، بقدر ما جاء بسبب التخوف من الديمقراطية، لأنهم ليسوا بذوي تأييد شعبي، وهم يخافون دائمًا من مسألة الرجوع إلى الشعب، لأنهم يعرفون مقدمًا أنهم ليسوا بذوي تأييد لديه"، فالمسألة إذن كانت تكمن في محاولة الأحزاب والتيارات الليبرالية فرض رؤيتها على الجميع، واختيار لجنة إعداد الدستور من التيارات العلمانية بعيدا عن مشاركة الإسلاميين!.
ويقول البشري في كتابه "إن هناك من يصر على أن يستبعد الشعب المصري من أي شأن يكون له صلة برسم مصير هذه الأمة ووضع نظمها السياسية، ويصر على استبعاد الإرادة الشعبية من أي أثر فعال يكون لها في تحديد مستقبل مصر، نلحظ ذلك واضحًا في هذا الصخب الشديد الذي تثيره الأقلام والألسن في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية"، وهذا هو لب الأزمة الحقيقي التي نعاني منها الآن: عدم احترام العلمانيين لإرادة الشعب المصري، والنزول على اختياره الحر النزيه.
حدث ذلك عندما رفضوا نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011، وعندما رفضوا نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وبذل ما في وسعهم من أجل عرقلتها وتأجيلها وتخويف الناس من إجرائها، وما أزمة شارع محمد محمود ثم حصار مقر مجلس الوزراء ببعيد، ثم حملتهم بعد ذلك على أول مجلس شعب بعد الثورة، وتشويه أدائه وتلطيخ سمعته وإهالة التراب على إنجازاته، ثم التواطؤ في حله بعد ذلك، والآن الاستماتة بهدف عرقلة إعداد الدستور الجديد!.
المسألة إذن في تقديري لا صلة لها بالمصلحة الوطنية العامة، ولا هدف لها يخص المواطن المصري تحديدا، ولا علاقة لها أبدا بقواعد العملية الديمقراطية، لكنها بكل وضوح وأمانة نرجسية بعض القوى والزعامات الكرتونية، التي تتصدر المشهد السياسي الآن، التي تعرف حجمها الطبيعي بين الشعب، وتفهم أن أي مسار ديمقراطي حقيقي في مصر سوف يطيح بآمالها وأحلامها وأوهامها في الزعامة، وتدرك أيضا وبوضوح تام أن الاستقرار السياسي يعمل ضد تطلعاتها.
لا توجد ديمقراطية في العالم كله تعطي الفاشلين سياسيا والمهزومين انتخابيا والمرضى بحب الزعامة الحق في هدم الشرعية، والانقلاب على الرئيس المنتخب من الشعب، ولا يقبل أي نظام سياسي إشاعة الفوضى في المجتمع والتحريض على العنف ونشر الأكاذيب بلا حساب، ولا توجد سلطة في العالم كله تتسامح في إهدار مقدرات الوطن وجر البلاد إلى حالة الانهيار، لابد من مواجهة هذه الفوضى في أسرع وقت، ووضع حد لهذا السلوك الشاذ الذي يضع الوطن في مهب الريح.
أدرك تماما بأنه عندما يتم إقرار الدستور الجديد في الاستفتاء الشعبي العام يوم السبت القادم بإذن الله، ويبدأ الاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية الجديدة، التي تعطي الحجم الحقيقي للقوي والتيارات السياسية، لن تسمعوا مرة أخرى عن هذه الزعامات الفاشلة التي تحتقر إرادة واختيار الشعب، وترفض القبول بنتائج الصندوق الانتخابي، هذه الزعامات سوف تتوارى عن الأنظار وتختفي إلى الأبد.
أيها السياسيون الفاشلون.. لا تحرقوا الوطن، وشعب مصر لن يترككم تفعلون ذلك أبدا!