الطبيعة وحشيّة لا ترحم الجشعين الأغبياء
د. سماح هدايا
ومازال المطر يهطل...لكنه أصبح في أواخره، خفيف الرذاذ، بعد أن عصفت به الريح بقوة. والعصافير بدأت تستعيد صوتها وتزقزق في توديع آخر المطر الخفيف... وقوس قزح يحتفل زاهيا بالماء والشمس في امتداد المسافة بين السماء والبحر. وبين السماء والسماء... يخرج من ماء البحر ويمتدّ إلى السماء. ولعله قد يكون يعكس ذلك من زاوية نظر أخرى . وفي نقطة محدّدة ببن السماء والأرض تراها العين النهمة بوضوح، يستحوذ اللون الأخضر على الضوء ويقوى على صفرة الألوان واحمرارها. وربما ترى عين أخرى ذابلة، أو قريبة من غيمة متبعثرة، امتداد اللون الورسي يقوى على كل لون آخر.
وعندما تلاشت بقايا الغيوم المتفرقة، وانقشع ما تبقى من ذرات الوجوم هنا وهناك. وعادت الشمس ناعمة تدثر بإشراقة عذبة شحوب الهواء والأغصان والشجر، عاد البحر أزرق، بعد أن كان مغموما بلون الفولاذ والرصاص. وفي بعض المساحات ظل متوشحا برمادية شفافة بحسب تجليات الغيم والشمس في الماء.
وتعلم جدا هذه الحياة التي تنتجها الطبيعة، وتتكاثر فيها الولادات، القلب الذي يريد أن يتعلّم. وأحاول بجهد أن أتعلم منها كيف أهجي لغة لإنجاب الأفكار بدل التكاسل والتسلي برتابة الاختباء. وأستغرب كثيرا كيف تيبّست قلوب الذين ملأ القحط دمهم، فأضاعوا قوة الحياة وأنثوية روح الخصب المنبثقة من شريان الطبيعة والأرض والسماء والزهرة والشمس والشجرة في تفاعلها مع قوة الغيث والماء وهما يثوران فؤاد الحياة. وسرعان ما تذكرت ألف شبيه ناكرٍ للحق وجاحد وجشع، مثل الذين فقدت عيونهم بصيرة الرؤية؛ فما أدركوا قوة الحياة والثورة في روح المرأة رحم الإنسان. المرأة التي حملت بهم وهنا على وهن، والتي أنجبتهم ورعتهم حباً رغم مشقة وألم، والتي علمتهم اللغة والكتابة والحساب في المهد وفي الرياض والمدارس، ثم التي اتحدّت بهم، بعقد طويل، حبا ووفاء وشاركتهم، الحياة بروحها وقلبها وعقلها وجسدها وأنجبت لهم الحياة مرة أخرى...وتلك التي ستنتحب عليهم يوم يضم الثرى أجسادهم. هؤلاء الذين أطاحوا بالمرأة من أي تمثيل سياسي واجتماعي ومجتمعي بحجة عدم الفوز بالانتخابات؛ لأنها لم ترتق إلى الخبرة وإلى الثورة والإنجاز السياسي. هؤلاء يحتاجون، إن لم يعودوا فورا إلى الحبل السري للحق، إلى عاصفة هوجاء تقلب عليهم عروشهم وتفتّت جذورهم ؛ فللطبيعة كلمتها القوية الفاعلة، ولو بعد حين. وفي لغتها تاء التأنيث ونون النسوة التي تهذب لغة الخطاب وتعيد تقويم اللسان...والني لا يسمعها كثير من الذين أتقنوا هواية اللغو والثرثرة وعدم الإنصات.