أخونة الأدب.. والغدة الدينية!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

توالت على مدى الشهرين الماضيين بيانات ومقالات وتصريحات كلها تدور حول نقطة واحدة وهي ضرورة نفي الإسلام من وجدان الشعب المصري ، وإبعاده عن الكلمة والصورة والفكرة ، والروح . وبدا ذلك جليا مع إعادة تعيين وزير الثقافة في الحكومة الحالية ، وخاصة بعد أن تردد أن من المرشحين للوزارة شخصا يصلي ، وآخر كان أبوه ينتمي للحركة الإسلامية .

السعار المحموم الذي عبرت عنه الجماعات الشيوعية واليسارية والليبرالية كان عجيبا وغريبا ممن يرفعون راية حرية الفكر والتعبير ، ووجه العجب والغرابة هو أنهم يريدون لأنفسهم أن يعبروا عن كل ما يريدون . أما من ينتمون إلى الإسلام فلا يحق لهم التعبير أو الإبداع أو دخول مملكة حرية الرأي ، وكي لا يكون كلامي مرسلا فسوف أذكر للقراء بعض ما جرى لحرمان المفكر المسلم والأديب المسلم والمثقف المسلم من التعبير ، بل من الوجود في المجتمع الثقافي . إنهم يريدون شطبه تماما ودفنه حيث لا يعلم به أحد حتى لا تكون هناك أخونة ولا أسلمة ولا تديين للكلمة أو الفن أو التعبير !

لقد أصدر ما يسمى تيار الثقافة الوطنية الذي يضم مجموعة من مثقفي الحظيرة معظمهم شيوعي بيانا ركيكا يعبر عن المستوى المتردي لأدباء الحظيرة الشيوعيين وأمثالهم ؛ دعوا فيه إلى تشكيل الثقافة المصرية وفقا لهويتها المتراكبة  التي لا يمكن اختزالها بحسب البعض(؟)  في تيار بعينه، أو فصيل سياسي ديني محدد يدعي وصلاً بالثقافة عبر اختياره وتحفيزه لشخصيات تنتمي إليه بحكم التاريخ والممارسة الثقافية(؟) ويضيف البيان الشيوعي الحظائري :" في هذا السياق يأتي ترشيح البعض من ممثلي الإسلام السياسي لـ ....... وزيراً للثقافة،   لتلك السياسات المخزية للاستبدادين السياسي والثقافي (؟) ، والتي تتوسل الآن باسم الدين، بعد أن كانت في عهد الطاغية مبارك تتوسل بالدولة البوليسية القمعية، لنصبح أمام إعادة إنتاج للثنائية التعيسة (امتدادات دولة مبارك وفلوله، أو مثقفو الإسلام السياسي الجُدد) وهذا ما يرفضه "تيار الثقافة الوطنية" الذي أعلن في بيانه التأسيسي أنه ضد الاستبداد بأشكاله المختلفة العسكرية والدينية، وضد التبعية لتجلياتها الفكرية والذهنية– أقول كأن الحظائريين لم يمارسوا في حظيرتهم الملعونة طوال ربع قرن أبشع ألوان الاستبداد الثقافي ، وخدمة البيادة العسكرية البوليسية ، ويظنون أن الكذب ينجيهم بينما أرشيفهم المخزي مليء بكتابات العار ، ومواقف الخدمة البائسة !-  ويرى الشيوعيون الحظائريون  أن اختيار الشخص الذي يؤرقهم وكان رفيقا لهم في الحظيرة ، وكان أحد أركان الحزب الوطني، كما يُعد والده أحد القادة التاريخيين للإخوان المسلمين في محافظة الشرقية، فضلاً عن كونه "بلديات" الدكتور محمد مرسي، ثم يعلن شيوعيو الحظيرة أنهم يرفضون بالقدر ذاته أيّا من ممثلي الإسلام السياسي (؟) ليصبح وزيراً للثقافة المصرية، التي لن تعرف أبداً السقوف أو المتاريس، مهما حاول البعض من أنصاف المثقفين أخونة الثقافة المصرية وأسلفتها. ويزعمون أنهم سيبقون دائماً في خندق الحرية والتقدم والحداثة !!

هكذا لا يخجل خدام الحظيرة والبوليس السياسي والنظام الاستبدادي من فرض إرادتهم الإجرامية على تسعين مليون مصري مسلم يرفضون الشيوعية والليبرالية وخدمة الاستبداد ، ويتجاهلون في وقاحة أنهم احتكروا لمدة ربع قرن كامل جميع وسائط الثقافة والتعبير ، ولم يسمحوا لغير الشيوعيين والليبراليين وخصوم الإسلام بالنشر أو التعبير أو المشاركة التي تفرضها الديمقراطية !

بل إننا نفاجأ بأنصارهم من أدباء شمال سيناء من الحظائريين يرفضون ما يسمونه "أخونة" الأدب والثقافة ويقول أحدهم : إن هناك نية مبيتة لاستخدام أصحاب الميول الدينية لبعض الأدباء لتمرير المخطط لتحويل كل ما هو تنويرى (؟) إلى ما هو ظلامي(؟) مستخدمين القبليّة كوسيلة للهيمنة على المشروع الثقافي التراثي التنويري على أرض المحافظة، فيما أكد أن الأدباء لن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه هذا الأمر الخطير(؟).

هل وصلت الوقاحة إلى الإعلان عن عدم الوقوف مكتوفي الأيدي لمحاربة الإسلام ؟ من أنتم أيها الشيوعيون الذين عبدوا الفرعون من دون الله نظير فتات تافه لا يسمن ولا يغني من جوع ؟ ثم من هو التنويري والظلامي ؟ هل التغريب تنوير والإسلام ظلامية ؟ خسئتم يا أشباه المثقفين ..!

 ويذكر شخص آخر حظائري أنه يرفض تحويل المسار الأدبي الثقافي إلى الاستخدام الحزبي أو الديني أو السياسي خاصة أن هناك عدة مشاريع مفروضة على أرض الواقع لتغيير الهوية الثقافية وإرجاعها إلى الخلف (؟) . كنت أتمنى يكون هؤلاء حقا منتمين إلى حقل الثقافة أو المعرفة .. إنه يتناسى ومثله بقية الحظائريين أن الماركسية التي يؤمنون بها تفرض عليهم أن يقيموا كتاباتهم على أساسها ، وقد صدعونا بتنظيراتهم الشيوعية حول الواقعية الاشتراكية على مدى عقود طويلة .

ويتحدث أحد الحظائريين اليساريين المعروفين فى تصريحات لإحدى الصحف أن نجوم الصفحات في الصحف الكبرى صاروا من أنصار الإخوان والسلفيين، مهما كانت آراؤهم ساذجة وتصوراتهم غريبة على المجتمع المصري ( أرأيت قبول الآخر والاستعلاء النكد ؟ )، وأصبحت الحساسية شديدة تجاه بقية المثقفين ممن لم يصابوا بداء البعد الواحد( الدين لدى صاحبنا داء البعد الواحد ؟) ، لأن الدين فى نهاية الأمر مكون جوهري  ثقافي، لكنه لا يكفى وحده على الإطلاق لكي يعيش به الإنسان، لابد إلى جواره من الفن والمعارف الإنسانية، والعلوم الطبيعية، والتراث الأدبي، ومجموع الثقافة الإنسانية بأكملها، والذين يتصورون أن بإمكانهم الاقتصار على المصادر الدينية لحياتهم يتشوه سلوكهم، ويصبح بعيدًا عن الدين نفسه، لأنه جزء من معادلة الحياة، مثل الملح إذا زاد فيها أفسده( ؟).

وأضاف المستنير الحظائري : إنه تلاحظ بعد فوز الدكتور محمد مرسى، بمنصب رئاسة الجمهورية، فى الإعلام المصري، وخاصة فى التليفزيون والصحف، ظاهرة  غريبة أطلق عليها "التضخم المفاجئ فى الغدة الدينية" لكل المحاورين والكتاب.

هل الإسلام غدة دينية ؟ وهل حرم الإسلام الفنون والآداب التي أنتجتها الحضارة الإسلامية على مدى أربعة عشر قرنا ؟ ولنفترض أن شخصا أو جماعة حرمت الشعر والنثر ؛ هل يكون ذلك كارثة عالمية تقتضي هذا الحكم العام الفاسد ؟ إن طائفة المورمون في أميركا تحرّم المخترعات الحديثة ولا تستخدم إلا الوسائل التي كانت قائمة في عهد المسيح ، فهل يعني ذلك أن الغدة الدينية المسيحية عند كل المسيحيين متضخمة ؟

أيها الشيوعيون الحظائريون تقبلوا الآخر الذي ينفق عليكم ويملككم وزارة الثقافة والصحافة والأعلام لتهينوا دينه وثقافته ورموزه .