قصة من مدينة حماه 1958
قصة من مدينة حماه 1958
ميخائيل سعد
حكاية حموية للتذكير بسوريا ما قبل الأسدية و البعثية ... فعلاً مقاومة وتحرر ...
----------------------------------------------
العام الدراسي ١٩٥٨- ١٩٥٩، كنت في الصف الثالث الابتدائي، في مدرسة طارق بن زياد، في حي المدينة في حماه. كان والدي شرطياً، براتب قدره، على ما أذكر، ١٤٠ ل س. وكان قد استأجر غرفة لسكن العائلة عند عائلة مسيحية اسم رب العائلة أبو نسيم، وكان حجاراً.
ولأن الغرفة كانت كبيرة وتتسع لنا جميعاً (٧ أشخاص)، كانت أجرتها غالية، فقد كان أبي يدفع ٢٥ ليرة شهرياً، يتضمن الإيجار الكهرباء والبق، وهو أي البق من تراث الغرف الطينية-الخشبية.
كانت جارتنا أم نسيم ترتدي ملايتها الحموية السوداء، وتضع غطاء الرأس والوجه كلما غادرت البيت، وكان هذا يحدث أكثر من مرة في اليوم.
أحد الأيام سألها أخي الكبير، وكان في البكالوريا: خالتي أم نسيم ليش بتحطي الملاية كل مابدك تطلعي؟ قالت: يا ابني، منذ طفولتي وأنا أضع الملاية، مثلي مثل كل نساء حماه عندما يردن الخروج من المنزل، وعندما جاء الوقت الذي بدأت النساء أو بعضهن بالخروج سافرات، كنت قد تعودت على الملاية، وقد حاولت أكثر من مرة الخروج دونها ولكنني كنت أشعر وكأنني أمشي عارية، لذا كنت أعود سريعاً لوضع الملاية، كنت أشعر معها أنني أكثر حرية، ولا أحد ينظر إليّ بشكل خاص.
سألها أخي متحمساً: ولكن هل أجبركم المسلمون على ذلك؟ نظرت أم نسيم إلى أخي، والدهشة تعلو وجهها، وقالت: لماذا تفكر هكذا، هذه هي المرة الأولى التي أسمع أحداً يقول هذا الكلام؟ لا أحد ألزمنا أو تدخل في لباسنا أو مأكلنا أو تربية أولادنا، ولكن الإنسان، يا ابني، وأنت المتعلم، يجب أن ينسجم مع محيطه، أن يكون مثله حتى لا يكون متل العين العورة، كل الناس تشير عليه. صمت أخي.
في ذلك الوقت كان المطران حريكه، للروم الارثوذكس، رجلاً قوي الشخصية، ليس في وسط طائفته فقط، وإنما في أوساط المسلمين الحمويين. فقد كان أقوى من محافظ حماه، في بعض الأحيان، وقوته كانت كما يقال، آتية من علاقاته الممتازة مع طبقة الساسيين ورجال الدين الإسلامي الحمويين، ولذا كان يقال: أن ما يقوله مطران حماه، في الشأن السياسي، يسري على المسحيين والمسلميين سواء بسواء.
ومما قاله المطران حريكه في مفتي حماه عام 1957،هذه الكلمات: تحدث السيد أغناطيوس حريكه مطران حماة في مطلع كلمته الرائعة عن الفضيلة المجردة والذكاء المحض في ظرف طغت فيه المادة على الروح... وتحدث عن روح التفاهم السائدة بين المسلمين والمسيحيين بالرغم من رغبات الانتداب التي كثيراً ماكانت تغري بالتفرقة والخصام ... ومما قاله المطران حريكه: أحسن الله إلى أولئك الذين فكروا بهذه الحفلة التكريمية لسماحة العلامة المفضال الشيخ سعيد النعسان مفتي حماة المحترم إذ أتاحوا لنا أن نتحدث عن الفضيلة والأخلاق السامية... وإني لأشهد والله عليّ شاهدٌ, وقد رافقته وعاشرته مدى ثلث قرن تقريباً أنني ما لمست فيه نقصاً ولا رأيت فيه عيباً ولاسمعت منه كلمة نابية, وكلما كنت أزداد به معرفة وخبرة كنت أقع على جديد فضائله وتتفتح أمام عيني مناقب نادرة.
أنقل ذلك وأسجله كي يعرف رجال الدين المسيحي أين هم الآن من مجتمعهم وهمومه وثورة السوريين ضد الاستبداد المتمثل بآل الأسد، فلعلَّ وعسى.!!!!!!