كيف يفكر بشار وأسئلة اليوم التالي؟!
ياسر الزعاترة
إنهما السؤالان الأكثر أهمية هذه الأيام فيما خصَّ ثورة الشعب السوري ضد نظامه المجرم؛ سؤال المسار الذي سيختطه بشار الأسد في مواجهة التقدم الحثيث الذي يحرزه على الأرض الجيش السوري الحر، ومن معه وحوله من المقاتلين، أكانوا من السوريين، أم من العرب الذي تدفقوا خلال الشهور الأخيرة. ثم سؤال اليوم التالي لسقوط النظام.
المحللون يحتارون في البحث عن إجابة السؤال الأول، ويطرحون إجابات شتى يرى أولها أن بشار الأسد سيقاتل حتى الرمق الأخير، فيما يرى آخرون أنه سيفكر في مسار الاستقلال بدولة علوية، بينما يرى فريق ثالث أنه ينتظر مخرجا مناسبا يرحِّله إلى الخارج، بينما يحتفظ للنظام ببعض تماسكه عبر حكومة انتقالية.
من المؤكد أن المسألة الطائفية تحضر بقوة في وعي الأسد، هو الذي قال قبل أسابيع لأحد رموز الطائفة اليهودية الأمريكية إن تركه السلطة سيعرض طائفته للإبادة. ويحدث ذلك ليس حرصا من طرفه على الطائفة التي ينتمي إليها، بل خوفا منها، لأن الطغاة يعبدون ذواتهم، ولو كان حريصا عليها بالفعل لرتب انتقالا سلميا للسلطة يحافظ على بعض مكتسباتها، بينما يجنب البلاد ما أصابها من تدمير، فضلا عن توفيره لمعاناة وقتل بلا حساب تسبب فيها من خلال تمسكه بالسلطة.
من الصعب الحديث عن أية شقوق في الطائفة العلوية حتى الآن. وفيما سمعنا مرارا عن خلافات بين بعض رموزها حول طريقة مواجهة الأزمة، فإن الواقع على الأرض لا زال يؤكد تصميمها على القتال بشراسة إلى جانب ابنها الرئيس، رغم تأكيد وقائع التاريخ على أن آل الأسد لم يرحموا من عارضهم من أبناء الطائفة، بل لعلهم كانوا أكثر قسوة عليهم من الآخرين، في ذات الوقت الذي يمكن القول فيها إن حكم العشرية الأخيرة بقيادة بشار قد بات أقرب إلى نخبة حاكمة فاسدة تتوزع على سائر الطوائف أكثر منه حكما طائفيا، وإن بقيت الهيمنة الطائفية واضحة في المؤسسة العسكرية والأمنية.
ما يراه كثيرون هو أن بشار لن يواصل القتال بسبب شجاعته ورفضه الاستسلام، وإنما لأن الطائفة لن تسمح له بالرحيل الطوعي، ووصل الحال بروبرت فيسك حد القول إن الضابط العلوي برتبة عميد الذي سيوصله للمطار في حال قرر الرحيل قد لا يسمح له بذلك.
من المؤكد أن هذا المسار لا يمكن أن يكون في صالح العلويين الذين ينبغي أن يكون لهم موقفهم الجدي، أقله بعد ملامح سقوط النظام الواضحة. وإذا قيل إن ذلك صعب إلى حد كبير، فإن انشقاق عدد من كبار الضباط العلويين قد ينفس الاحتقان، ويدفع الطائفة نحو مقاربة مختلفة تدعو الأسد للرحيل.
أما سيناريو التقسيم والدولة العلوية فلا يمكن أن يكون منطقيا حتى لو كان مناسبا للدوائر الصهيونية، وتبعا لها الأمريكية، لأن الثوار لن يسكتوا حتى يُسقطوا تلك الدولة مثلما أسقطوا حكم الأسد لما تبقى من البلاد، لاسيما أن تركيا ستكون الأكثر حرصا على إسقاطها تبعا للإشكالية العلوية الكامنة عندها. ويبقى سيناريو الانقلاب على بشار من داخل الطائفة بالتعاون مع رموز من السنة على أمل أن يجنبهم ذلك مصير المتعاونين مع نظام مجرم، وهو سيناريو يبقى واردا، وإن ترجح رفضه من قبل الثوار وعموم المعارضة.
إذا تواصلت المعركة على النحو الذي نتابعه، فلن يقبل الثوار ببقاء حضور العلويين في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية على ما هو عليه، مع أن كثيرا من رموزهم سيفرون مع الأسد أو بعده مباشرة خشية التعرض للانتقام.
فيما يتعلق بسيناريو اليوم التالي، فإن الأسئلة لن تكون سهلة الإجابة بحال، لاسيما أن الجيش الحر ليس وحده في الميدان بوجود الكتائب الأخرى غير الخاضعة لسيطرته، تحديدا تلك التي تنتمي لفكر القاعدة أو قريبا منه، وهنا ينبغي أن يكون الموقف واضحا لجهة رفض الفوضى، والإقرار بمرحلة انتقالية تفضي إلى تعددية في البلاد، لأن ما جرى هو ثورة من أجل الحرية وليس انقلابا مسلحا يقوده تنظيم أو مجموعة ضباط.
الشعب السوري متنوع الأعراق والمذاهب والأفكار، ولا ينبغي لأحد أن يعتقد أن بوسعه فرض شيء عليه بسطوة القوة مهما كان دوره في الثورة كبيرا. ومن الأفضل للمجاهدين العرب والمسلمين أن يكتفوا بالدور الرائد لهم في التحرير، وأن يتركوا إدارة البلد لأهله.
خلاصة القول هي أن المرحلة الانتقالية لن تكون سهلة، وربما المرحلة الأخيرة من التحرير أيضا، لكننا نأمل من قلوبنا أن تمر المرحلتان بيسر وسهولة حتى لا تزداد المعاناة، ومعها الضحايا والدمار على نحو لا يخدم غير العدو الصهيوني.