الربيع العربي وصل... الجبهة!!
الربيع العربي وصل... الجبهة!!
عارف الصادق
كثيرون يسخرون، في هذه الأيّام، حتّى من سماع "الربيع العربي" ! ينظرون حولهم فلا يرون إلا سوادا قاتما. في كلّ يوم تطالعنا وسائل الاتّصال بصورة لأحد قطعان داعش المجرمين، حاملا سكينه، وضحيّته جاث عن يمينه بالثوب الأحمر، فتطغى الصورة البشعة هذه على أبصارهم وعلى المشهد كلّه !
لكنّ الصورة لا تقتصر على داعش، وأمثاله من المتخلّفين. الصورة أكبر بكثير. اتّساعا ونوعا. والولادة الجديدة لا تكون دونما آلام المخاض المبرّحة. كثيرون كبّروا وهلّلوا يوم هبّت الجماهير العربيّة، في وجه حكّامها الفاسدين، مطالبة بالخبز والحرّيّة. لكنّهم انتكسوا مع الانتكاسات، ففقدوا الآمال بالتغيير. العالم العربي اليوم في طور الهيولى، والنهاية لن تكون للداعشيّين، مهما طال الطريقّ!!
بعد سنوات طويلة من العفن والركود، تفجّرت براكين التغيير في البلاد العربيّة كلّها. في بعض البلدان انفجر البركان، كاسحا عتيّا. اعترضت طريقه العقبات والعوائق طبعا. لكنّه انفجر. وفي بلدان أخرى ظلّ في طبقات الأرض العميقة، مزمجرا مكتوما. لكنّ الانفجار آت، مهما طال. طوّلوا بالكم. حتى الله احتاج إلى ستّة أيّام لخلق العالم!
ما حدث في الجبهة الديمقراطيّة، عندنا، كان أيضا ثورة. مثل كلّ الثورات والانتفاضات في العالم العربي، وإن اختلفت الأساليب والغايات. هذا التغيير النوعي لم يكن ليتفجّر، قبل عشر سنوات مثلا. لست من يصغي إلى الكلمات الرسميّة المقولبة ، فيصدّق كلّ ما يسمع. ما حدث كان ثورة فعلا!
لكي أكون صادقا، مع القرّاء ومع نفسي، أقول إنّ مفاجأتي، أنا أيضا، كانت كبيرة. على كلّ حال، هذا التغيير النوعي ما كان ليتمّ قبل عشر سنوات. تغيير كبير، في الواقع والفكر، اكتسح شرقنا كلّه، فوصل إلينا هنا أيضا. سنّة الحياة، ولن تجد لسنّة الحياة، في سيرها المطّرد إلى الأمام، تبديلا !
لكنّ هذا التغيير النوعي لن يؤتي أكله إلا إذا كان عامّا، ولا بدّ له أن يكون. أجيال من الشباب والمثقّفين تنامت في الحقبة الماضية، ولا بدّ لها أن تجد متنفّسها في المشهد العامّ. لم يعد الخطاب الغوغائي يقطع في عقول الأجيال الجديدة. لم يعد هؤلاء يقتنعون فيقنعون بالكلمات الطنّانة المجوّفة. جيل جديد واقعي مثقّف مصرّ على التقدّم بالراية، وما من قوّة قديمة شائخة يمكنها الوقوف في طريقه.
كثيرون سيقرءون هذا الكلام، فيعتبرونه حماسا مفرطا، بعيدا عن الواقع. ليس كلامي هذا "حماسا عربيّا" مأخوذا بنشوة اللحظة. قارنوا بين العرب في إسرائيل اليوم وعرب الماضي. في ظلّ الحكم العسكري حتّى الستينات. بل في أواخر القرن العشرين حتّى . عددا ونوعا. التغيير عامّ وكاسح. ولا بدّ من ظهور آثاره. تدريجا أو انفجارا. ومن يعش يرَ !!