المحامي
محمد ناهل المصري
دفاعاً عن زملاءنا المعتقلين وغيرهم من المعتقلين
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي وثقتي واعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
هذه المذكرة القانونية ليست تصريحاً ولا بياناً سياسياً وأقتبس من قول أحد العلماء "لعن الله ساس ويسوس وسياسة".. هي مذكرة دفاع قانوني أتقدم بها بالطرق القانونية وعبر القنوات القانونية إلى من يهمه الأمر معذرة إلى ربكم وبدافع من إحساسي كمحامي بالمسؤولية أو بعض المسؤولية عن ما يجري من انتهاكات بحق القانون .. وبحق المحامين وحصانتهم وكرامتهم.. فالألم يتزايد والصراخ يستمر.. وتكثر الضحايا من المحامين وغيرهم.
وهي باسم كاتبها ولا تمثل رأي أحد غيره اللهم إلا من ينضم إليها ويتبنى ما جاء فيها
وهي غير موجهة لهيئة قضائية لأن زملاءنا المعتقلين لم يمثلوا أمام المحاكم بعد رغم مضي مدد طويلة على اعتقال بعضهم.
وهي غير مبنية على وكالة سابقة لأن زملاءنا موقوفين لدى جهات غير معروفة ولا نعرف من اعتقلهم وأين وكيف؟ ولم يتثنى لهم الوقت ليخبرونا باعتقالهم أو توكيلنا بالدفاع عنهم.
وهي غير متعلقة بزميل محدد فقد كثرت الأعداد ولم نعد ندري من اعتقل بالأمس ومن اليوم ومن سيكون دوره غدا.........
وهي غير متعلقة بجرم محدد لأننا لا نعرف ما هي الأفعال والجرائم المنسوبة لزملائنا المحامين وإن كنت وبحسب معلوماتي المتواضعة لا أعتقد أن أياً من زملاءنا المحامين المعتقلين من كل المحافظات قد حمل سلاحاً .. أو يملك سلاحاً أو منتمي لأي جماعة إرهابية أو سلفية مندسة .. وهم متعددي الآراء والمشارب والانتماءات.
ولا أعتقد أن جرمهم يتجاوز جريمة قول كلمة حق في زمن غابت فيه هذه الكلمة أو عبروا عن رأيهم بصدق وشفافية بمقال أو اعتصام ولا قصد لهم إلا مصلحة البلاد والعباد انطلاقا من الشعور بالمسؤولية والأمانة المعلقة في ضمير كل المحامين الذين ينتمون لمهنة ذات رسالة يفخرون بها وبانتمائهم إليها ويحافظون على شرفها في أي مكان وزمان وتحت أي ظرف.
فإلى من يهمه الأمر أقول
بداية أرجو أن أن يتسع لنا صدرُكم الذي ضاق به صدرُنا وبذات القدر من الليل البهيم الذي أرق مضاجعنا جميعاً.
واسمحوا لي أن أذكر أن مسالة اعتقال المحامين وإهانتهم الآن وبعد أن وصلت إلى هذا الطور وبعد أن وصل عدد المعتقلين من المحامين وغيرهم لأعداد كبيرة وبات كل منا لا يأمن على نفسه ..لم تعد قضية أو قضايا فردية بل هي قضية المحاماة جميعاً وقضية شعب بأكمله.
وإذا كان البعض قد أراد لنا أن نعتقل وأن نهان وأن نُحاكم... فإننا نقبل المُحاكمة ومن حقنا أن نقول ما نشاء بدون خجل أو مُواربة أو حياء..
وسأكون في هذه المذكرة القانونية صريحاً أشد ما تكون الصراحة حتى ولو كانت موجعة للبعض أو تورم منها أنوف آخرين..
لأني وحتى هذه اللحظات كنت أعتقد ويعتقد كثيرين ونأمل أن صوت العقل سيغلب وأنًّ المصلحة العليا ستُغلب لكن قرت عُيون البعض بتلك الاعتقالات... وقرت عُيون آخرين بوجود المحامين في الأقبية وخلف القُضبان.
والحقُ أقول لكم والحقٌ أقول.. أنه إذا كان في اعتقال المحامين وإهانتهم وهتك حقوقهم وحصانتهم ... شفاءٌ لما في الصدور فاعتقلونا جميعاً...
وإذا كانت الأزمة التي تمر بسوريا ستنتهي باعتقال المحامين وإخراسهم وإسكات ألسنتهم وكم أفواههم .. فنحن مستعدين لأن ندفع هذا الثمن في سبيل سورية التي نحب..
وإذا كان ميزان العدالة ودولة القانون التي نسعى إليها والتي هي الهدف الأول في حزمة الإصلاحات التي يتكلم عنها الجميع ستُبنى وتستقيم بالقضاء علينا فاقضوا علينا...
وإذا كان اعتقال المحامين مخالفة للقانون قربانا لسورية وأمنها واستقرارها وللحق والعدالة وإرضاء لرب العباد فإننا نُقدمه مُختارينَّ طائعين..
أما إذا كان فيه مساس بقيم المُحاماة وأعرافها ورسالتها ومبادئها وافتئاتا على القانون فإننا نحتجُ..ونعترضُ..
إذا كان اعتقال المحامين خطوة باتجاه بناء دولة القانون فأنتم حتماً تسيرون بالاتجاه الخاطئ ... وإن كانت خطوة نحو جر سورية للمجهول فأنتم في الاتجاه الصحيح..
ما الذي جعل وضع المحاماة يتهاوى ويصل إلى هذا المنحنُى وذاك المنعطف الخطر؟!
أقول لكم ليس المحامون مجرمون ولا خونة ولا مندسين ولا معارضين ولا مؤيدين ... ولكنهم أصحاب حق..وأصحاب قضية..وأصحاب رسالة....وما آتينا نُمارس هذه الرسالة إلا بمقتضى القانون ومن منطق العدالة.. ومن منطلق الحرص على مستقبل هذا البلد.
والقول بغير ذلك يهدم ميزان العدالة ويقوضها... ويقوض دولة القانون من أساسها وبنيانها.
ولئن كان الله قد خلق الإنسان من عينين وشفتين وأذنين وكفين وقدمين فقد خلق الإنسان بقلب واحد..ولسان واحد.. ومخطئ من ظن يوما أن يضن علينا بالكلام وأقر مطمأنا أن طبيعة عمل المحامي وخبراته المكتسبة من ممارسة المهنة يُمكن أن تحمله على السكوت عن الحق وعن قضايا أمته وشعبه..
نحنُ نعاني أيها السادة.. نعاني من اضطهاد السلطة وتهميشها لنا.. نعاني من عسف الإدارة وجهلها.. نعاني من فساد القضاء وتدني مستواه.. نعاني من الظلم بكل أنواعه وأشكاله.. نعاني من غياب النقابة وعجزها عن الدفاع عن حقوقنا ومصالحنا.. نعاني من الكبت ... نعاني من الشعور المؤلم بالمسؤولية تجاه ما نراه بأم أعيننا يومياً..
ونطوي الصدر على ألم دفين...
نصرخ في أعماقنا بصمت .. ولا أحد يسمع صوتنا وصراخنا وشكوانا.
لماذا يضيق صدركم من صراخنا الصامت ... لماذا تقطبون الجبين في وجوهنا... لماذا يتم اعتقالنا كلما نبس أحدنا بكلمة حق؟ أليس هذا انتقاصا من الكرامة؟!
سؤال يلح أيها السادة...ويعيينا الجوابْ..
لماذا هنا عليكم... ولماذا هان قدرنا لديكم... فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!
نحنُ لسنا علة على أحد أيها السادة...
كيف ترتضون أن يتعرض محامي للضرب والإهانة والاعتقال والحبس في السجون والأقبية دون محاكمة ودون ذنب؟!
ماذا يسمي ذلك؟!!!
ما هو ذنب المحامين؟! ما هي الجرائم التي ارتكبوها؟!
أعلمونا وسنكون لهم من المحاسبين.
لماذا لا يحترم المحامي وتُحترم مهنته وتُجل رسالته؟!
وماذا يدعي ذلك؟!
هل نحن عاجزون عن رأب الصدع واحتواء الأزمة دونما اعتقالات وإهانات وانتهاكات..
هل ما يجري مجرد تجاوزات .. أم حرب ضد المحاماة والمحامين؟! هل أصبحنا فئة مارقة؟!
ولماذا تعلن الحرب علينا جملة واحدة... هذا أمر تأباه العدالة... وتأباه حكمة الشيوخ.. "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"
ما لكم كيف تحكمونْ..ومن أي فئة تنتصرون؟!
أليس غريباً أيها السادة أن يدفع المحامون الجزية في القرن الواحد والعشرين لمجرد كلمة أو كلمات؟!
إننا حينما نطالب بإطلاق سراح زملاءنا المحامين ممن لم يفعلوا جرماً يعاقب عليه القانون .. أو نطالب بإحالتهم إلى المحاكمة إن كانوا قد ارتكبوا مثل هذه الأفعال... لا نطلب أن تقضوا لنا بحق لسنا أهلاً له... ولكننا نطالب فقط بسيادة القانون ... بالإنصاف..
رويَّ أن عمر بن الخطاب لقيَّ قاتل أخيه زيد.. وقال له : " والله لا أحبك حتى تُحب الأرض الدم المسفوح" فقال الإعرابي: أو ينقص هذا من حقي شيئاً" قال عمر: " لا " قال الإعرابي: " لا ضير فإنه لا يأس على الحب إلا النساء..
إن كنت لا تحبون المحامين بسبب رسالتهم ولسانهم الطويل فلا تحبونا ولكن احترمونا واحترموا حقوقنا!!!
فنحنُ لا نُريد حُباً ولكن نُريد احتراما وعدلاً"
نحنُ نرى هذه الأيام أيُها السادة الأجلاء أنوفاً كبيرة ورؤوسا أكبر قد انبطحت ولا تملك إلا تنفيذ أوامر أسيادها بل وتزيين الباطل لها..
لماذا يُعامل المحامي وكأنه عدو مبين..
ما الغاية من ذلك؟!.. أن يسكت صوت الحق؟!.. وأن يُحجب صوت العقل؟
إن كانت هذه غايتكم فأنتم تملكون ذلك..ونحن نَملك أيضا حق الرد على ذلك..
نَملك أيُها السادة أن ندافع عن القانون ودولة القانون بكل الحق الذي نؤمن به. سنواجهكم ونواجه كل قوتكم وبأسكم بألستنا وأقلامنا ومداد الحق الساكن فينا.
نَملِكُ الكثير أيها السادة من أخطاء وانتهاكات نراها يومياً ونغضُ الطرف عنها لأننا نُقدر دوركم والأزمة التي نمر بها جميعاً..
لكننا لن نفعل..نعم لن نفعل ذلك ولن نفعل أي أمر من شأنه التهوُينُ من مقامِكُم العالي..فقيمتكُم عندنا غالية وقامتكُم في نظرنا عالية..
أيها السادة الأجلاء..
علموا رجال أمنكم أننا أبناء بلد واحد وأننا أخوة وأننا شركاء في الأمر وأن غايتنا واحدة ومصيرنا واحد.
علموهم أن يتعاملوا معنا بالاحترام اللازم فنحن أولى بهذا الاحترام وتلك المودة كما جاء بتعميم السيد وزير الداخلية!!!
عَلِموهم أن لنا دوراً فيما يجري وفي تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي الدفاع عن الحقوق والحريات
علموهم أيها السادة أن المحامي حامل رسالة ومن خيرة الناس ولا يمكنه السكوت عن حق أو انتهاك
نحن بحاجه إلى أن نتصارح أيها السادة والأمر أكبر من أن نداري أو نهمس في شأنه وليس أمامنا سوى أن نأخذه مأخذ الجد الذي لا هزل فيه..
بقيت في كنانتي كلمة واحدة..أجد من المناسب أن أُذكركم بها عل الذكرى تنفع المؤمنين وهو يوم الحديبية...عندما منعت قريش رسول الله وصدته عن المسجد الحرام والبلد الحرام..فقال:
" والله لا تدعوني قريش إلى خُطة توصل فيها الأرحام..وتُعظم فيها الحرمات إلا أجبتهم"
صدق رسول الله
ما أحوجنا أيها السادة إلى تعظيم الحرمات..وإلى وصل الأرحام
أيها السادة الأجلاء..
هذه هي قضيتنا وهذا بعضٌ من معاناتنا..
نرجو أن نجد لديكم أذناً صاغية
وأطلب باسمي وباسم الحق والعدالة وباسم دولة القانون التي نسعى لبنائها أن يتم الإفراج عن زملاءنا وكل المعتقلين دون قيد أو شرط ليحق الحق ويزهق الباطل وتطمأن العدالة ويسمو القانون وأن لا تبقى أم أو زوجة أو طفل تنظر إلى السماء وتدعو على من خطف أو اعتقل زوجها أو ابنها أو أباها
أستصرخ ضمائركم والبقة الباقية من انسانيتكم وحكمة شيوخكم ... حكمتكم ورجاحة عقولكم
اتقوا دعوة المظلوم