مزاد في حب مصر
مزاد في حب مصر
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
على مستوى الأقوال يتغزل الجميع في حب مصر ، ولكن على مستوى الفعل لا يتنازل أحد للآخر من أجل مصر ، ويفتح المزاد فيقدم كل السياسيين عطاءهم ، ويزايد بعضهم على الآخر بحبه الوحيد للوطن ، ثم ينتهي المزاد ، ويخسر الوطن ولا يكسب أحد
آخر مزاد أقيم في التحرير منذ عدة أيام من بعض مرشحي الرئاسة الخاسرين في الجولة الأولى ، تشابكت الأيادي ونادوا بمجلس رئاسي وإلغاء الانتخابات بعد عام ونصف من مرحلة انتقالية ، والمشكلة عند هؤلاء أنهم استخسروا أن يضحي أحدهم ويتنازل للآخر من أجل الوطن ، والأدهى من ذلك أن نجد أحدهم والذي لم يحصل من الأصوات إلا على ألاف معدودة ترتفع يده بيد من حصل على ملايين الأصوات ، وينادي بمجلس رئاسي لا ندري من الذي سوف يعينه ، الميدان أم الأصوات المخبأة في كل زوايا مصر المنهكة ؟ 00 وكل هذا جائز في حب مصر
والسؤال الذي يطرحه الناس البسطاء على هؤلاء ما الذي منعكم من التوافق قبل دخول الجولة الأولى من الانتخابات ؟ وما الذي جعلكم تصدقون أنفسكم أنكم دون غيركم يمكن أن تأتي الصناديق لصالحه ، أهي الثقة المتناهية ، أم الغرور الذي صنعته لحظة تاريخية أعطت بضعة ملايين من أصوات الشعب في جولة انتخابات أفرزت شخصيات بعينها ليست هي الأفضل من بين تسعين ملونا
أعتقد أن أحد هؤلاء قدم مجده الشخصي على حب مصر ، وهو الآن يصر على غروره ويطلب مجده الشخصي عندما يرفض عرضا مقدما بأن يكون نائبا للرئيس ، وكأنه ولد زعيما أو صدق نفسه وهو يحاول تقمص دور الزعيم ، في زمن لم يعد يقبل بفكرة الزعيم الملهم ، في حين أن اللحظة التاريخية تحتم عليه أن يضحي من أجل مصر ويقدم نصيحة مجردة بعيدة عن مكنونات نفسه أو قناعاته التاريخية الموجهة ضد فصيل بعينه
المشكلة الحقيقية الآن هي أن البعض يرى الصراع في الانتخابات القادمة بين دولة دينية ودولة مدنية ، ثم يوجهون طاقتهم لدفع التيار الإسلامي عن الساحة رافعين شعار لا للدولة الدينية ، والحقيقة التي لا يخطئها أي مراقب محايد أن هؤلاء يبطنون في قلوبهم كرها على المشروع الإسلامي متمثلا في من يمثله ، وهنا تتكشف الأقنعة ، ويوضع حب الوطن وحب النفس على المحك ، فالمعادلة ليست هي حب الوطن في مقابل كره المشروع الإسلامي ، ولكن المعادلة هي حب الوطن في مقابل كره النظام السابق بكل جرائمه
إن مسلسل الابتزاز الذي يمارسه التيار الليبرالي واليساري على مرشح التيار الإسلامي لتظهر بما لا يدع مجالا للشك أن هؤلاء لا تهمهم مصر بقدر ما يهمهم هدم المشروع الإسلامي ، رغم أن التجرد والحياد أنتج أقوالا انتشرت في الفضاء الإعلامي مثل : " أن الخلاف بيننا وبين الإسلاميين خلاف سياسي ، أما الخلاف بيننا وبين النظام السابق خلاف جنائي " ، ومثل : " من المقبول أن أضع يدي في يد طماع – ويقصد به مرشح الحرية والعدالة – ولكن من المستحيل أن أضع يدي في يد قاتل – ويقصد به مرشح النظام السابق – " ومع ذلك يظل الكره هو المحرك الأساسي لبعض المنتمين لهذا التيارات
إن واجب اللحظة الحالية لأصحاب دعاوي حب الوطن تحتم عليهم نكران الذات والتجمع مع التيار الإسلامي الوطني لإسقاط نظام قامت عليه الثورة خصوصا وقد تجمعت كل فلول هذا النظام وتحالفوا مع أجهزة الدولة العميقة مستخدمين كل قواهم وكثير من أموال الشعب المنهوبة ، وأنضم إليهم كيانات خارجية تريد إعادة إنتاج النظام السابق ، وذلك في آخر معركة يعتبرونها معركة حياة أو موت
إن اللحظة التاريخية الحالية تحتم على كل من يمتلك حبا حقيقيا لمصر أن يخرج فورا من ساحة المزاد إلى ساحة الحرب ، ويقرر إلى أي فريق سوف يصوب أسلحته إلى " الثورة " أم إلى " الثورة المضادة ".