المكتبات في الإسلام
المكتبات في الإسلام
عدنان سعد الدين رحمه الله
المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية
سمى الله تعالى قرآنه كتاباً في مواضع عديدة، "كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور"، "ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"، "ما فرطنا في الكتاب من شيء".
وعندما انتقل الرسول إلى جوار ربه جمع خلفاؤه هذا الكتاب بين دفتين، فكان أول كتاب عرفه العرب وتداولوه بعد ظهور الإسلام، ثم تنبهت الأذهان إلى الكتاب وأهميته، ولم يكد القرن الثاني الهجري يطل حتى يظهر الموطأ لمالك بن أنس، ثم تتالت الكتب وظهرت وانتشرت في كل علم واختصاص، وأصبح الكتاب من التحف الغالية التي يحرص الناس على احتوائها، ويتنافسون على اقتنائها.
عني الخلفاء المسلمون منذ فجر العصر الأموي بالكتاب وتكثيره ونشره بين الناس، وعمدوا إلى إنشاء الخزائن التي تضم الكتب والدفاتر والسجلات، كما عنو بالحصول على كتب العلم القديمة لتكون مرجعاً لهم ولأبنائهم، وكانوا يزودون المساجد الجامعة في كل إقليم بالخزائن التي تضم المصاحف وكتب العلم، وكان كثير من العلماء منذ زمن قديم يوقفون كتبهم وأوراقهم ومحفوظاتهم على خزائن المساجد ودور العلم يتقربون بذلك إلى الله ويرجون مثوبته ومرضاته، كما لجأ من أحب نشر العلم إلى إنشاء مكتبة يجمع فيها الكتب، ويفتح أبوابها للناس.
كانت المكتبات نوعين رئيسيين: عامة وخاصة، أما العامة فقد كان ينشئها الخلفاء والأمراء والعلماء والأغنياء، وكانت تشيد لها أبنية خاصة، وأحياناً كانت تلحق بالمساجد والمدارس، وقد كانت هذه المكتبات كثيرة جداً بحيث كان من العسير أن تجد مسجداً أو مدرسة دون أن تكون مزودة بمجموعة من الكتب يرجع إليها الطلاب والباحثون، أما الأبنية الخاصة بهذه المكتبات فكانت تشتمل على حجرات متعددة تربط بينها أروقة فسيحة، وكانت الكتب توضع على رفوف مشبتة بالحدران، وكل حجرة تخصص لفرع من فروع العلم، فلكتب الفقه غرفة ولكتب الطب غرفة، ولكتب الأدب غرفة وهكذا.
وكانت الكتب توضع على رفوف مثبتة للنساخ، وغرف للراحة وتجديد النشاط، وغرف لحلقات الدراسة، والنقاش العلمي بين رواد تلك المكتبات، وكانت جميعها تؤثث تأثيثاً فخماً ومريحاً، وكان في بعضها غرف لطعام روادها ومنامة للغرباء منهم.
ومن أشهر هذه المكتبات مكتبة ابن سوار بالبصرة، وهي مكتبة ذات شأن خاص، لأن التدريس فيها عنصر هام بجوار الكتب، أما بيت الحكمة الذي أسسه الرشيد فكانت من أعظم مكتبات العصر الوسيط، وكانت بمثابة أول جامعة إسلامية اجتمع فيها العلماء والباحثون وأوى إليها الطلاب والدارسون.
سارت المكتبات على نظام دقيق، كالذي قيل في مكتبة علي بن يحيى بن المنجم، فقد كان له قصر عظيم في ضاحية بغداد، جعله مكتبة وسماها خزانة الحكمة، يقصدها الناس من كل بلد، فيقيمون فيها، ويتعلمون فيها صنوف العلم، والكتب مبذولة في ذلك لهم، والأرزاق مغدقة عليهم، وكل ذلك من مال علي بن يحيى نفسه، وكان في الموصل دار أنشأها أبو جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي، وسماها دار العلم، وجعل فيها خزانة كتب من جميع العلوم وقفاً على كل طالب علم، لا يمنع أحد من دخولها، وإذا جاءها غريب يطب الأدب وكان معسراً "أعطاه صاحب هذه الدار وورقاً (كتباً ونقوداً) وكانت تفتح أبوابها في كل يوم.
لقد بلغت العناية بالكتاب مبلغاً كبيراً، وأولع الناس به بصورة مدهشة، ولعل الأدب العربي هو أغنى الآداب العالمية القديمة بالتغني بالكتاب والولع به والرغبة فيه والتحدث عنه، حتى لكأنه حبيب نأي مزاره وشطت داره، فالقلوب إليه منصرفة وبه مولعة، قال أحمد بن إسماعيل: الكتاب هو السامر الذي لا يبتدئك في حال شغلك، ولا يدعك في وقت نشاطك، ولا يحوجك إلى التجمل له، والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك.
ومن منا لا يذكر قول المتنبي أبي الطيب أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الأنام كتاب.