الأيام الأخيرة لنظام مبارك

الأيام الأخيرة لنظام مبارك

بدر محمد بدر

[email protected]

الكتاب: الأيام الأخيرة لنظام مبارك

المؤلف: عبد اللطيف المناوي

الناشر: الدار المصرية اللبنانية، القاهرة

عدد الصفحات: 462

الطبعة: الأولى يناير 2012

يروي هذا الكتاب جانباً من التفاصيل التي سبقت انهيار نظام الرئيس المخلوع "حسني مبارك"، والأسباب التي أدت إلى انتصار الثورة الشعبية، خلال ثمانية عشر يومًا فقط من الاحتجاجات, انتهت بخلع رئيس أكبر دولة عربية، في الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011.

والمؤلف كان جزءًا من الآلة الإعلامية لنظام مبارك في السنوات الست الأخيرة, بوصفه رئيسًا لقطاع الأخبار بالتلفزيون المصري, وبطبيعة الحال كان قريبًا من الصورة الفعلية، التي تحرك بها النظام السياسي في الأيام الأخيرة, وشاهدًا على وقائع ومواقف كان طرفًا في بعضها, ومن هنا تأتي أهمية شهادته التي سطرها في هذا الكتاب.

في البداية يقول المؤلف إن "مبارك" كاد أن ينجو من الإطاحة به، بعد خطابه في الأول من فبراير/ شباط, وكسب تعاطف الناس، بشكل فاجأ حتى بعض القوى داخل النظام, وفي اليوم التالي سُفكت دماء على أرض "ميدان التحرير"، بسبب المعركة بين أنصار الرئيس والمعتصمين في الميدان, وكانت هذه المعركة, التي اصُطلح على تسميتها إعلاميًا بمعركة "الجمل", هي الإعلان الحقيقي عن نهاية حكم مبارك, حتى لو تأخر تسعة أيام بعد ذلك.

الفرص الضائعة

لقد كان أكثر ما يميز عصر "الرئيس مبارك" هو أنه عصر الفرص الضائعة.. العديد من الفرص كان يمكن أن تكون بداية حقيقية للتحرك إلى الأمام, لاستعادة نهضة الدولة المصرية, لكنها ضاعت الواحدة تلو الأخرى, كان آخرها الانتخابات البرلمانية في 2010, التي سبقت اندلاع الثورة بأقل من شهرين, لكن تم اجهاض الفرصة كالعادة.

وفي الفصل الأول يتحدث المؤلف عن جمال مبارك فيقول: إن واحدًا من أهم الأخطاء، التي أجمع معظم المراقبين عليها، هو تلك العلاقة المركبة بين جمال مبارك وأحمد عز, وقد كان من أهم أسباب مشكلات مصر السياسية في الفترة الأخيرة, هو وجود وسيطرة أحمد عز على الحزب الوطني, وإزاحته لمعظم الحرس القديم أو تحجيمهم, واستغل قدرته المالية في التحكم في كل القواعد الحزبية, ويذهب البعض إلى أن وجود أحمد عز إلى جوار جمال مبارك, كان واحدًا من الأسباب المهمة في زيادة نفور المصريين منه.

لقد كانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2010), التي أدارها أحمد عز وجمال مبارك, هي المفجر لما شهدته مصر بعد ذلك, حيث تم الاتفاق بين عز وجمال على الفوز بكل المقاعد إن أمكن لهم ذلك, وبالتالي إسقاط كافة القوى المعارضة التي شاركت في الانتخابات, لكن "مبارك" الأب فوجئ بهذه النتائج, وغضب غضبًا شديدًا, لأن الأمور بهذا الشكل تتجه نحو الأسوأ, وهو ما حدث بالفعل.

ويشير الكتاب إلى أن المجموعة التي أدارت الأزمة, ومنهم صفوت الشريف وزكريا عزمي وعلى الدين هلال ومفيد شهاب وأحمد عز, وبالطبع جمال مبارك، راهنوا على ثلاثة أمور: الأول الاقتناع بتلك القوة الرادعة والمسيطرة لجهاز الأمن, الذي نقل دائمًا الإحساس بالثقة إلى كافة المستويات في الدولة, وعلى رأسها "مبارك" نفسه, والثاني هو التجارب السابقة لتلك الجماعات المعارضة, من مظاهرات وإضرابات لم تسفر إلا عن أخبار صحفية وتلفزيونية, أما العامل الثالث الذي كان ساكنا في نفوس من أداروا الأزمة، ابتداءً من 25 يناير، هو الإحساس, بل القناعة، بأن المصريين لن يثوروا, وأنهم بطبيعتهم يرضون بما قسمه الله لهم, وتعاملوا مع الشعب باعتباره جثة هامدة!

الهجوم على الإخوان

ويقول المؤلف إن الخط العام الذي تعامل المسئولون الرسميون في إطاره منذ البداية، هو الخط الذي يتبنى الهجوم على الإخوان المسلمين, واتهامهم بأنهم يقودون البلاد إلى الفوضى, ويحاولون أن يحققوا أهدافهم الخاصة, وهو الخط نفسه الذي تبنته وزارة الداخلية في بياناتها، بدءًا من مساء الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011, وفي هذا الإطار تم إعادة بعض الحلقات لبعض البرامج الحوارية، من خلال التليفزيون المصري، تتبنى الهجوم على الإخوان.

لقد كان واضحًا أن رد الفعل لدى الحزب الحاكم والحكومة، لم يكن على المستوى المتوقع في الأيام الثلاثة الأولى من الاحتجاجات والتظاهرات, ولم يكن لدى هؤلاء القدرة على قراءة أن الشعب وصل إلى مرحلة لن يتجاوب فيها معهم.. كان المصريون يحتاجون إلى التغيير, الذي كان إحدى الكلمات الأكثر حضورًا في القاموس السياسي المصري في السنوات الأخيرة, لكن الطرف الآخر (النظام) كان يتعامل معه بقدر كبير الحساسية, بوصفه شكلاً من أشكال الضعف أو لي الذراع.

وحول رؤيته لدور قناة "الجزيرة" يقول المؤلف: يوم 25 يناير بدت الصورة وكأن قناة "الجزيرة" قررت أن تكون طرفًا أساسيًا فيما هو حادث على أرض مصر, فمنذ اللحظة الأولى ضربت القناة عرض الحائط بكل التقاليد المهنية، والأعراف المرتبطة بحياد وسائل الإعلام ومواثيق شرف المهنة, واتخذت اتجاهًا محددًا, ومارست قدرًا كبيرًا من المغالاة في نقل الصورة، وتضخيم ما يحدث، وتبنى توجهات المعارضة بشكل عام, والإخوان المسلمين على وجه خاص.

توازى ذلك مع قيام "الجزيرة مباشر" بفتح شاشتها، لما قدمته باعتباره تعليقات المشاهدين, وهي تحمل قدراً أكبر من التحريض والسب والتجاوز، ضد النظام المصري القائم وأركانه وقتئذ، والتأكيد من خلال هذه التعليقات على أن ما يحدث في مصر هو ثورة مشابهة لما حدث في تونس, رغم أن الأمور كانت في بدايتها، ولم تكن تنبئ بذلك, ولم يكن مفهومًا على الإطلاق لقناة إعلامية اختيارها أن تكون طرفًا في صراع مع نظام.

ويستعرض الكتاب الوقائع التي جرت على الأرض يوم جمعة الغضب (28 يناير)، ومحاولة النظام احتواء الموقف بالإعلان عن استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة, في الوقت الذي بدا هذا التغيير مخيبا لآمال المتظاهرين, حتى جاء خطاب الرئيس يوم الثلاثاء الأول من فبراير/ شباط, ليلعب على الوتر العاطفي لدى المصريين, وإيقاظ التعاطف مع كبير العائلة, وساد الحديث في الشارع وعلى الفضائيات عن هذا المعنى, معنى الاقتراب من الشخص والتعاطف معه.

فرصة أخرى

كانت هذه فرصة كبيرة أخرى أمام الرئيس مبارك، ينبغي استغلالها للخروج من المأزق، والوصول إلى بر الأمان بشكل يحفظ الحد الأقصى من المكاسب، على البر السياسي والانتقال السلمي للسلطة، وتحقيق مطالب المصريين، أو الجزء الأكبر منها, لكن الوضع تغير تمامًا مع عصر اليوم التالي، عندما بدأ يتدفق على "ميدان التحرير" ألوف من المؤيدين لمبارك، ومع بعضهم أكثر من عشرين دابة من الخيول والجمال، من أهالي "نزلة السمان"، وهي منطقة بالقرب من أهرامات الجيزة، يعيش أهلها على السياحة, وذلك في إطار الترتيبات التي كانت قد أعدت في تلك الليلة لإعلان تأييد مبارك.

لكن قناة "الجزيرة" أذاعت أن بعض المؤيدين لمبارك يستخدمون الجمال والخيول وهم يحملون الأسلحة والكرابيج والسيوف, اقتحمت "ميدان التحرير" من أجل تفريغ الميدان وتفريق المتظاهرين.

ويقول المؤلف إن الذين قادوا هؤلاء المتظاهرين للوصول إلى ميدان التحرير، هم الذين يتحملون وزر إفشال استغلال هذه الفرصة لحل الأزمة, وهم الذين يتحملون مسئولية التطورات التي شهدتها الساعات التالية فيما بعد.

ويؤكد الكتاب أن السياسة التي انتهجتها قناة "الجزيرة" دفعت بعض القنوات العربية الإخبارية الأخرى، لأن تنحو نفس المنحى الذي وضعته "الجزيرة" بدرجات متفاوتة, وذلك بعد أن شعروا بأنها سحبت البساط من تحت أقدامهم، بتلك السياسة التحريرية وبهذا الموقف الحاد.

ويشير المؤلف إلى أنه قبيل إعلان تنحي رئيس الجمهورية بوقت قصير، كانت الصورة واضحة أن كل طرف حسم خياره؛ الأول وهو الرئاسة والسلطة, والتي كان يديرها جمال مبارك، بالمجموعة التي سبق الحديث عنها, وبين الطرف الثاني وهو القوات المسلحة التي حسمت موقفها أيضًا بالوقوف إلى جانب الشرعية بمفهومها العام, أي بجانب الناس وليس بجانب النظام وأشخاصه, وتحالف معها في هذه المرحلة جهاز المخابرات العامة, وكان الطرف الثالث هو الشارع, الذي كان يتعاطف مع مفهوم التغيير, وإن كان انقسم على حدود ذلك التغيير, هل هو الإطاحة التامة بالرئيس؟ أم القبول بما طرحه من خارطة طريق، للوصول إلى انتخابات جديدة في أغسطس أو سبتمبر التالي ويكمل مدته؟

التنحي

وفي الفصل الأخير تحدث المؤلف عن "التنحي" وأشار إلى أن اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، انعقد قبيل التنحي بيومين (9/2/2011), برئاسة المشير حسين طنطاوي، وبدون علم أو رئاسة مبارك لأول مرة، ولم يزد عدد الحاضرين فيه عن خمسة أشخاص، وأصدر بيانا أُطلق عليه رقم "1"، وهو ما يعني بالضرورة أن هناك بيانات أخرى متوقعة, وكان الاجتماع والبيان الصادر عنه وسيلة للضغط على الرئيس لإجباره على فعل شيئ ما, وقد أثار هذا البيان عقب إذاعته هزة حقيقية داخل قصر الرئاسة, فقد وصلت الرسالة واضحة.

أما خطاب "مبارك" الأخير, الذي أعلن فيه تفويض سلطته إلى نائبه عمر سليمان, فيصفه المؤلف بأنه "كان فظيعًا.. أسوأ خطاب يلقيه الرئيس طوال عمره.. كان متعجرفًا وخاليًا من الإحساس.. كان كارثيًا، ولم يعط الانطباع أنه كان سيتنحى على الاطلاق.." وفور عرض الخطاب في التليفزيون الرسمي، ضجت الشوارع في جميع أنحاء البلاد بالمتظاهرين, وقد ملأ صراخهم سماء الليل, كان غضبهم ملموسًا، كما لو كان يلف المدينة بأكملها.

وفي منتصف يوم الجمعة (يوم التنحي) استقل الرئيس مبارك طائرة مروحية من القصر الرئاسي بمصر الجديدة إلى مطار النزهة, ومن هناك استقل طائرة رئاسية إلى مقر إقامته في "شرم الشيخ", وعندما وصل في الواحدة والنصف ظهرًا، اتصل بالمشير حسين طنطاوي قائلاً: "حسين.. قررت أن أفوض المسئولية كاملة لك وللجيش.. أنت صاحب السلطة الآن"، فرد طنطاوي: "لا يا سيادة الرئيس, سنجد وسيلة أخرى, لم يكن هذا ما نريده.."

وقبل أن تغادر أسرة مبارك القصر الرئاسي بالقاهرة، ذهب علاء مبارك إلى عمر سليمان ليسأله عما يفعلونه الآن، فأجاب سليمان: "خذ والدتك واذهب إلى شرم الشيخ".. وكانت "سوزان" لا تزال في "الفيلا"، وهي إحدى المباني الخاصة بالأسرة في المجمع الرئاسي, وعندما همت الطائرة بالإقلاع، عادت للتوقف من جديد، لتخرج "سوزان" مهرولة إلى "الفيلا"، وتبين بعد ذلك أنها رفضت مغادرة "الفيلا" لأكثر من ثلاث ساعات, وعندما عادت إليها، وجدوها منهارة على الأرض تبكي، وتعجز عن السيطرة على نفسها، أو الوقوف على قدميها, وعثر عليها الجنود وهي ممددة على الأرض، ومحاطة بكل حُليّها وذكرياتها.

وفي الختام يقول المؤلف إنه في الأعوام الأخيرة من حكم "مبارك" لم يكن أحد لديه الشجاعة لإخباره بما يجب أن يفعل, أو يجرؤ على إبلاغه بشكل مباشر بالتنحي عن منصبه, حتى في أوقات الأزمات القومية، كان الناس يرقصون حول النيران, ولم يكن لديهم القدرة على التحلي بالأمانة مع بعضهم البعض.