من حصاد الثورة السورية
ناديا مظفر سلطان
أنت من سوريا ؟ أنت من بلد الأبطال؟
هكذا هتف الرجل وهو يحدق بي بنظرة ملؤها الدهشة والإكبار.
منذ سنوات وانا ألقاه في المصعد - فهو جاري الذي يسكن في ذات المبنى - دون أن تسنح الفرصة لأحدنا أن يكلم الآخر أكثر من تحية الصباح ،التي كان يتجاهلها في أغلب الأحيان ،وخاصة بعد حادثة البرجين في أيلول من 2001 .
أما اليوم فقد دفع الفضول "دانستيوارت" أن يسأل عني أكثر.
أردف قائلا : يا إلهي لم أتخيل أن هنالك شعبا بهذه الشجاعة ، يخرجون وليس بيدهم سلاح ، وليس لديهم أبسط وسيلة للدفاع عن أنفسهم ، ويعرفون أن مصيرهم الموت أو الاعتقال ،وأنهم قد لا يعودوا إلى منازلهم... ومع ذلك يخرجون ، خمسة أشهر على هذا الحال ،لا أكاد أصدق!.
حقا إنها شجاعة أسطورية! صدقيني ثورتكم دخلت التاريخ.شعب كهذا يستحق الديمقراطية.
أحنى رأسه بإيماءة طفيفة ، وهو يفتح لي باب المصعد ، وقد حجبت الشعاع الأزرق في عينيه ، غمامة من دمع عصي .
في الماضي ، كانت بلادي مقحمة في قوائم تدعي الإرهاب ، أما اليوم فقد أقر العالم رغما عنهأن سوريا مصنع الأبطال ،وموطن السلام ، وأن شعبا يخرج مسالما ، مناديا بالحرية والكرامة ضد أعتى أنواع القمع والإرهاب ، لا يمكن أن يفرز الإرهاب.
في الماضي ،عاش جيلنا "شيزوفرنيا"حقيقية ، تحتشعارالوحدة والحرية والاشتراكية ، في وطن مكمم الأفواه ،مكبل الأطراف، لم تمر به ريح الاشتراكية قط ، ولم يعرفها .فالكلمة في الوطن كانت دون طعم أو لون أو رائحة ، مع صحافة اللون الواحد، ومرارة الصمت،وزكام القمع ،وسطوة الفساد...
أما اليوم و مع ثورة الأحرار فقد نهض الشعر من رقاده ،ولبست القوافي معانيها ، وعاد السحر للبيان .
اليوم أحييت كل قصائد العروبة التي ماتت في ذاكرتي ، غنيت كل أناشيد الولاء للوطن، مع عودة ربيع حقيقي في ثورة "آذار" .
منذ خمسة شهور وأنا أعيش دهشة التعرف–من جديد- على وطني وقومي وربعي ...دهشة تتجددفي السمع والأحداق ، مع كل صباح.
رأيت ابن بلدي ماردا في الوغى دون سلاح ، رأيته فنانا مبدعا على صفحات الانترنت في الرسم والتصوير والشعر والغناء ،رأيته حاضر النكتة رغم الدمع والدم والأحزان ، رأيته واعيا لكل المجريات ، مدركا لكل المآزق ، محبطا لكل المؤامرات.، رأيته يصارع " وحيدا" على أكثر من جبهة دون عدة أو عتاد ،رأيته شهيدا باسم الثغر ، هادئ القسمات ، كأنه نائم سيصحو من سبات..
فلولاك ياشهيد مارفعت رأسي عاليا ، ولا انحنى أمامي ستيوارت
دماؤك الغالية ،علمتني من جديد حروف الهجاء ،فأبجديتي نسيتها ، في موطن الببغاوات.
دماؤك الغالية ، صنعت لنا مجدا ، ولقنت الكون درسا أن الديمقراطية يمكن أن تكون صناعة وطنية وليست مستوردا أمريكي الصنع .
لن أنساك يا شهيد ما حييت ، ولن أنس قط أنك مت لأجلي ، لأجل أن أعيش ، بكرامة ، بحرية ، بإباء .