محمود شقير الذي أعرفه
جميل السلحوت
عندما نتكلم أو نكتب عن مبدع ما فان المرء يتردد كثيرا خوفا من أن لا يعطي الرجل حقه، فما بالكم إذا كانت الكتابة عن مبدع بحجم محمود شقير، هذا الرجل الذي كتب في فنون الإبداع المختلفة، وترجمت بعض اعماله الى أكثر من لغة، وكانت حياته ولا تزال حافلة بالعطاء، فالرجل كتب القصة القصيرة والأقصوصة وقصة الأطفال،والرواية للفتيات والفتيان، والمسرحية، والمسلسلات التلفزيونية، والمقالة الأدبية والنقدية والسياسية، وأدب الرحلات.
فهل يعرف الآخرون هذا المبدع مع أنه قليل الكلام عن نفسه، لا يدعي ولا يحب المدعين، وديدنه "اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" و"في الايجاز بلاغة"؟
مئات الآلاف قرأوا لأديبنا شقير، وكثيرون كتبوا عن بعض كتاباته، لكن من عرفوه عن قرب ليسوا بكثرة قارئيه، ومحمود شقير الذي حاز هذا العام على جائزة"محمود درويش للإبداع" كثير الاعتزاز بهذه الجائزة التي تحمل اسم عزيز عليه وعلينا جميعا، وهو يرى أن لا جائزة تضاهيها ومعه الحق في ذلك.
ومحمود شقير عرفته منذ وعيت على الدنيا، فهو المولود في جبل المكبر- السواحرة- قريتي عام 1941 يكبرني بثماني سنوات، وتربطني به صلة قربى فهو ابن حامولتي، وابن عم والدتي، وشقيق زوجة ابن عمي الذي يكبرني ويكبره عمرا، وأسوق هذه القربى لأبين أنه كان يتردد على بيت شقيقته زائرا، هذا البيت المجاور لبيتنا مما جعلني دائم التواصل معه، وكطبيعة الحياة في القرى والعائلات الممتدة فانني أزعم أنني أعرف محمود شقير وأسرته والظروف التي نشأ وتربى فيها.
البدايات:
ومحمود شقير الذي عمل مدرسا بعد أن أنهى الثانوية العامة-المترك- ودرس الفلسفة في جامعة دمشق بدأ الكتابة مبكرا، وهو واحد ممن يطلق عليهم جيل "الأفق الجديد" نسبة الى تلك المجلة الأدبية التي صدرت في القدس في ستينات القرن العشرين، وكان من فرسانها محمود شقير، صبحي شحروري، نمر سرحان، حكم بلعاوي، جمال بنورة، والراحلون: عبد الرحيم عمر، ماجد أبو شرار، محمد البطراوي، خليل السواحري، وصاحبها أمين شنار. وآخرون....وأذكر وأنا طالب في المرحلة الثانوية أن محمود شقير كان من كتاب زاوية"يوميات" التي كانت تصدر على الصفحة الأخيرة من صحيفة "الجهاد" التي كانت تصدر في القدس حتى حرب حزيران 1967 العدوانية، ووقوع المدينة المقدسة في الأسر...وكان ممن يتناوبون على كتابة هذه الزاوية: سليم الشريف، ليلى الأطرش، وآخرون.
وكانت بدايات محمود شقير في كتابة القصة القصيرة، وجزء من بداياته القصصية تتضمنها مجموعته القصصية الأولى"خبز الآخرين" وهي بدايات لافتة، من أكثر من ناحية، فمضمونها منحاز الى الكادحين والمسحوقين، وهي نابعة من البيئة المحلية التي ولد وعاش فيها كاتبنا، وتدور احداثها في مدينة القدس التي يسكنها أديبنا وتسكنه.
السجن والابعاد:
شكلت هزيمة العرب في حرب حزيران 1967 علامة فارقة في حياة محمود شقير ومجايليه، وأديبنا لم يقف متفرجا على ما يجري في مدينته ووطنه، ولهذا فقد تعرض للاعتقال والتعذيب في تموز 1969، كنت وقتها معتقلا اداريا في سجن الدامون الواقع على قمة جبل الكرمل، ذلك الجبل الذي تتربع على سفوحه مدينة حيفا بشموخ، لكن نزلاء هذا السجن لا يرون من جمال الطبيعة الخلاب في تلك المنطقة شيئا، فهم محجوزون عنه بجدران اسمنتية عالية، وبشبكات من الأسلاك الشائكة التي تعلوه فتبدو السماء مجزوءة أيضا....ومحمود شقير كان شابا نحيفا حينها، وزنه حوالي 50 كيلو غرام، فالرجل قانع بطعامه القليل جدا حتى أيامنا هذه، ولم يزدد وزنه الا بعد ان ترك التدخين في ثمانينيات القرن الماضي، وقد تعرض لتعذيب قاس جدا وقتئذ، مما أفقده بضع كيلو غرامات من وزنه، وعندما أحضروه الى سجن الدامون بعد انتهاء التحقيق كان وزنه قد انخفض الى 44 كيلو غرام، وهو وزن الجلد والعظم والملابس، كان منهكا من نتائج التعذيب وقلة النوم وقلة الطعام أيضا، وكانت بقايا ضربة قوية قد تركت بروزا ظاهرا على صحن عينه اليسرى، وصل المعتقل في أول يوم يعلن فيه معتقلو السجن اضرابا عن الطعام للمطالبة بتحسين ظروفهم، ومع أن العادة السائدة أن لا يشارك القادمون من غرف التحقيق في هكذا اضرابات إلا أن محمود شقير أبى أن يتناول طعامه وزملاؤه مضربون، ولم يرضخ لضغوطات قادة القسم من المعتقلين كي لا يشارك في الاضراب لأن ذلك قد يهدد حياته...وشارك في الاضراب لمدة أربعة أيام ....كان منهكا جسميا، لكنه قوي في معنوياته وارادته، فلم تلن له قناة.
وبقي في الاعتقال الاداري لمدة عشرة شهور....وكان أول مبدع فلسطيني معتقل من المناطق المحتلة عام1967، سبقه في حزيران من نفس العام خليل السواحري حيث أبعد الى الأردن.
تحرر أديبنا من المعتقل ليفصله المحتلون من عمله كمدرس، فعمل مدرسا في بعض المدارس الخاصة ومنها المعهد العربي في ابو ديس، لكنه واصل نشاطاته السياسية، وواصل كتاباته الابداعية، فنشر في صحيفة "الاتحاد" ومجلة"الجديد" الحيفاويتين قصصا موقعة باسم"ربحي حافظ" الى أن أعيد اعتقاله مرة أخرى في نيسان 1974 وليتم ابعاده الى لبنان في العام 1975...ليواصل نضاله وإبداعه إلى أن عاد الى ارض الوطن في أيار 1993.
وبعد ابعاده صدرت مجموعته القصصية الأولى"خبز الآخرين" عن منشورات "دار صلاح الدين" في القدس، وقدم لها الشاعر توفيق زيّاد.
في المنفى:
عمل محمود شقير أثناء وجوده في لبنان محررا في مجلة"فلسطين الثورة" الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وما لبث أن انتقل الى العاصمة الأردنية عمان، وعاد الى العمل في التدريس، وكتابة زاوية اسبوعية في صحيفة الرأي الأردنية، ثم ما لبث أن غادر عمّان الى براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا ليكون مندوبا للحزب الشيوعي الفلسطيني في مجلة"قضايا السلم والاشتراكية"، ومحمود شقير المطالع النهم، والمبدع المطبوع واصل في المهجر كتابة القصة والأقصوصة، وإبعاده عن أرض الوطن لم يثنه عن ارسال قصصه الى صحافة الأرض المحتلة لنشرها، خصوصا الى مجلة الكاتب التي كان يرأس تحريرها الأديب أسعد الأسعد وكنت
أحد أعضاء هيئة تحريرها، وهناك أثبت أديبنا نفسه كأحد رموز القصة القصيرة العربية، وأحد المؤسسين لفن الأقصوصة في الأدب العربي الحديث...ومحمود شقير الانسان الذي يحب الأطفال، ويعيش عذابات اطفال شعبه، حتى ان توفيق زياد في تقديمه لمجموعة "خبز الآخرين" القصصية انتبه لذلك فكتب(وفي قصصه المشار اليها تحس بالحب الجارف الذي يكنه الكاتب للأطفال، فينحت اطفاله من بينهم في كل قصة تقريبا، انه يدخلنا الى عالمهم، ويكشف لنا عن قدرهم القاسي، وأحلامهم الرائعة وتطلعاتهم الى مجتمع سليم يضمن لهم القوت والفرحة وامكانية التطور، فتتمنى لو تستطيع ان تحققها لهم بضربة واحدة." ولهذا فقد كان للأطفال والفتية نصيب كبير في كتاباته، صدر في عدد من الكتب منها:
1-الحاجز/ مجموعة قصصية للأطفال/ 1986/ دار الكرمل للنشر والتوزيع/ عمان.
2 - الجندي واللعبة/ مجموعة قصصية للأطفال/ 1986/ دار ابن رشد للنشر والتوزيع/ عمان.
3- أغنية الحمار/ مجموعة قصصية للأطفال / 1988/ دار الكرمل للنشر والتوزيع/ عمان.
4- مهنة الديك/ مجموعة قصصية للأطفال/ 1999/ منشورات مركز أوغاريت للنشر والترجمة/ رام الله.
5- قالت مريم.. قال الفتى/ قصة طويلة للفتيات والفتيان/ 1996/ منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين/ القدس.
6- أنا وجمانة/ رواية للفتيات والفتيان/ منشورات أوغاريت / رام الله/ 2000 .
7- طيور على النافذة/ قصة للأطفال/ منشورات الأونروا/ دائرة التربية والتعليم_ القدس/ 2001.
8- الولد الذي يكسر الزجاج/ قصة للأطفال/ منشورات الأونروا/ دائرة التربية والتعليم_ القدس/ 2001.
9- تجربة قاسية/ قصة للأطفال/ منشورات الأونروا/ دائرة التربية والتعليم_ القدس/ 2001.
10-كلب أبيض ذو بقعة بيضاء/ قصة للأطفال/ مركز أوغاريت للنشر والترجمة/ رام الله/ 2008
11- الحطّاب/ حكاية شعبية/ دار الشروق للنشر والتوزيع- رام الله/ 2004.
12- الملك الصغير/ قصة للأطفال/ منشورات الأونروا/ دائرة التربية والتعليم_ القدس/ 2004.
13- علاء في البيت الصغير/ قصة للأطفال/ منشورات الأونروا/ 2004.
14- قالت لنا الشجرة/ مجموعة قصصية للأطفال/ منشورات أوغاريت/ رام الله/ 2004.
15- كوكب بعيد لأختي الملكة/ رواية للفتيات والفتيان/ منشورات تامر للتعليم المجتمعي/ رام الله/ 2007.
16-أحلام الفتى النحيل/ رواية للفتيات والفتيان/ مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي/ رام الله 2010
وفي المنفى كتب محمود شقير المسلسلات التلفزيونية منها:
1 _ عبد الرحمن الكواكبي_ 13 حلقة 1980
2 _ حدث في المعمورة_ 12 حلقة 1981
3 _ الزيارة_ 13 حلقة 1984
4 _ إبراهيم طوقان_ 20 حلقة 1985
5 _ دروب لا تلتقي_ 12 حلقة 1986
6 _ بيوت في الريح_ 13 حلقة 1987
ويلاحظ أن محمود شقير قد طور أدواته الفنية بشكل لافت في منفاه، ويبدو أن ذلك بسبب البيئة الجديدة التي وجد نفسه فيها، اضافة الى صقل تجربته وإغنائها.
العودة الى أرض الوطن:
عندما أُبعد محمود شقير عام 1975 عن أرض الوطن، ظهر على شاشة التلفاز وهو يقول لجلاديه عند الحدود اللبنانية:"سنعود رغما عن أنوفكم"
وقد تساءل كثيرون حينها عن سبب اطلاق مبدعنا لعبارته تلك وعلى ماذا اعتمد؟ لكن تهديده ووعده بالعودة قد تحقق، فقد عاد الى ارض الوطن مع مبعدين آخرين في أيار 1993كمقدمة لاتفاقات أوسلو التي تم توقيعها في ساحة البيت الأبيض في ايلول-سبتمبر- 1993.
القدس تسكنه:
وقد كانت فرحته بالعودة كبيرة مثلما كانت فرحة أسرته وأبناء شعبه والحركة الأدبية كبيرة به أيضا.
وفور عودته تجول في أزقة القدس التي يسكنها وتسكنه، وكتب رائعته (ظل آخر للمدينة)التي صدرت عام 1998 عن دار القدس للنشر، وأثارت ردود فعل ايجابية واسعة، فقد عاد الى القدس التي عرفها منذ طفولته المبكرة، وكيف وجدها بعد غيابه القسري عنها لمدة ثمانية عشر عاما، وقد اعتبر النقاد هذا المؤلف خلط لجوانب من سيرة الكاتب الشخصية ومن سيرة مدينته التي تسكنه، وتجلت روعة هذا الكتاب بلغته الأدبية التي شملت سردا روائيا وقصصيا وتأريخيا بعاطفة صادقة، وتوالت ابداعاته عن القدس فكانت مجموعة (القدس وحدها هناك) التي يمكن قراءتها كقصص قصيرة جدا منفصلة، وكرواية أيضا، ثم جاء كتاب(قالت لنا القدس) وفي هذا الكتاب خرج الكاتب عن اسلوب القص الى اسلوب يوميات عن المدينة، كانت لافتة خصوصا ما كتبه عن"شبابيك" بيوت المدينة القديمة، وبعدها جاء كتابه (مدينة الخسارات والرغبة) الذي يمكن قراءته كقصص قصيرة جدا وكرواية ايضا.
محمود شقير والمسرح:
وكان للمسرح نصيب في كتابات محمود شقير ومن المسرحيات التي كتبها:
1 _ ديمقراطي بالعافية 1996 وقد مثلها الفنان زهير النوباني.
2_ كله ع الريموت 1999
3 _ تفاصيل صغيرة 2000
4 _ جمانة والأولاد 2008
مبدع متجدد:
والمتتبع لكتابات محمود شقير سيجد أنه أمام كاتب متجدد يطور أدواته بشكل لافت، فكل جديد يكتبه يحمل جديدا فنيا...وكتاباته القصصية متميزة ومدهشة .
وقد يلجأ الى السخرية أحيانا كما في مجموعتيه القصصيتين: (صورة شاكيرا) و (ابنة خالتي كونداليزا).