جحا والساسة

خيري هه زار

ذات يوم أراد جحا , وهو يدور كحجر الرحى , راكبا دابته حول حميره , ويحصي عدد ما في عيره , فكان كلما يحصي ويعد , بالأصابع من يديه يجد ، حمارا ناقصا في القافلة ، فقال أين أنت أبن السافلة ، وأستبد به الشك والقلق ، فقال قل أعوذ برب الفلق ، لعل ماردا من الجن سرقه ، أورأى هندي جثمانه فحرقه ، بعدما تخلف عن باقي الحمير، فشق الذئب بطنه وتركه بالقفير، نسي أن الذي يركبه حمار، وماتحته برذعة وليست جمار، وبعد أن أضناه التفكير، ولم يسعفه العد سعى للتدبير، فقال في نفسه لأرتجل ، وأحصيهم ثانية ثم أرتحل ، فوجد العدد كاملا كما كان ، قبل أن يخرج الى هذا المكان ، وأندهش قائلا أهو المنون ، دنا أم أصبت بالجنون ، كلماركبت يقل العدد ، من لي بالغوث والمدد ، وارتآى في نهاية المطاف ، السيرمعهم دون أنعطاف ، وبذلك كان يشعر بالراحة ، وهو بينهم بنفس مرتاحة ، لأن عدد حميره وهو يمشي ، كامل دون أن يربي ويرشي ، انما للمجازسقنا هذا المثل ، وليس للتشبيه قطعا والبدل ، فللشعب كل مثل أعلى ، يعلوأبدا وعليه لا يعلى ، انما المسؤول حين النظر، الى الرعية بجحود وكبر، وهوالأعلى منه مقاما ، يرى نفسه فارسا هماما ، ويأنف النزول الى الوسط ، من الشعب مسربلا بالسخط ، ويرى نقصه في كماله ، ويلوح قبحه في جماله ، فينخرفي أسباب وحدته ، ويهيأ العلل اللازمة لرقدته ، فيكن ويلين منه الجانب ، وينعدم فيه الوثب والجاذب ، كالماشي في منامه بالليل ، يساق كما تساق الخيل ، دونما أي فعل للارادة ، تماما كحصان طروادة ، يفعل به ولا يفعل ، فيدفع الثمن وهو يسعل ، ويتحقق للفارس كل المرام ، وتهفو روحه لاحتساء المدام ، على ضريح الجندي المجهول ، منتشيا بدعم الشعب والقبول ، هوذا السيد في عموم الشرق ، يأتي من العلى مع البرق ، بأيحاء من القدريصار ، الى مليك لكل الأمصار ، يرسم صورته على النقد ، ولايرى التأريخ في العقد ، المبرم معه من القضاء ، الى ما قبل وبعد الفناء ، كأني بهم بعث من جديد ، سيد أسلافهم هارون الرشيد ، وهو يخاطب المزن والغمامة ، رافعا رأسه المتلفحة بالعمامة ، آمرا اياها ان تدفع الجزية ، والا ستقع في الذنب والفرية ، وعندها لات حين مناص ، للعاصي من حدة القصاص ، هل كان جحا ذوفراسة ، أم جاءته الفكرة بدراسة ، حينما خيرفي المسير، في ذهنه وبصره الحسير، مخبول يضع للحكم رتما ، ويتنبأ بأنفاذه جبرا وحتما ، أليس في ذلك للساسة شتما ، وقذعا في ثيماتهم وختما ، ليته الآن كان هنا ، ويقارع ذا الحجا بذياك القنا ، فالحكمة في أفواه المجانين ، كالثمرة الناضجةعلى الأفانين ، يدنو قطافها للفارعين ، ويلتذ بأكلها البارعين ، من غيرأولي النفاق ، والفتنة المفرقة والشقاق ، الذين يعملون في السدانة ، للحاكم ويعبثون بالخزانة ، وليس كل من يرى ويسمع ، كلمات الأبله كيف تجمع ، بين الصدق والسذاجة والحصافة ، يحس رجاحة عقله والرهافة ، الامن سبرغوره في الأحوال ، فرآه ثريا في التندروالأقوال ، واننا لا نرجح كفة الجنون ، كفعل من الأيدي والمتون ، فليس له باع طويل ، في هذا المجال غيرالقليل ، ولكن المرام صب في الحكمة ، من أقوال المعتوه زمن العتمة ، من بعدي المساواة والعدل ، في مجتمع رصانته للنذل ، وان كان النورمشع في الدنى ، وحظ الشعوب بالغ غاية المنى ، والحقيقة ملطخة في الرهان ، بين الزيف وصبغ الدهان ، من الساسة وتجار الفساد ، بأبواق صاخبة في التناد ، كل يلقي لسيده خطابا ، شارحا كنهه ويكشف النقابا ، عن مجد بلاوقع ورفعة ، سيقت اليه بالمكروالخدعة ، في بلد يؤنث فيه الذكر، عند أستيائه واذا ما نكر، وترخي الحياة عليه السدولا ، اذا ما لمحت منه الفضولا ، وتطاول على المسباروالنول ، وأبدى تجهما بالفعل والقول ، وأنتقد المارد في السيئة ، وأفشى سر طبخته النيئة ، كل فعل من هذا القبيل ، انما يخدش السيد النبيل ، ويثيرلغطا بين النخبة ، الذين برروا الهزيمة والنكبة ، وألقوا جانبا السلاح والأزميل ، ووضعوا على رفاتهما الأكليل ، ولما سئم جحا من الركوب ، وأراد الفكرة التي تنوب ، وهي تجول في الخاطر، مترعة كالمزن الماطر، مصيرا اياها الى واقع ، ومنهج حياة بلون فاقع ، فعلت صيحة منه وقهقهة ، وفك أسره من النهنهة ، فتداعت أمامه كل المناصب ، وأمست لديه كأنها حباحب ، ما أن تنير حتى تخبو ، فعلام القلب اليها يصبو، وأنه بحق ككرسي الحلاق ، يتشبث به الغروالملاق ، والعدل كله في المسايرة ، وليس في التمايز والمغايرة ، بهدف كسب الرفعة والسمو، وليس لنضج في العقل والنمو، والمقارنة بين الهدفين تقاس ، بمدى الخدمة والنفع للناس ، وليس بضخامة الجسم والجسد ، ولا لطول الباع والمسد ، ولو كان داوود بيننا ، واتخذنا من سلسلته ديدنا ، لكشف الصدق عن الزيف الكذب ، لفرمن بين أظهرنا وما عقب ، فهذا أمير يزهوبنفسه ويغتر ، وذاك رجعي مكب على أمسه ويجتر، وهذا تاجر يروج سلعته بالقسم ، وذلك بائس يسب القدربما قسم ، أمسى المرء بيد الحكام ، لعبة مرمية في الركام ، هل عاد الطوطم مجددا ، ليستصغر شأن الحر ويحددا ، ويمن على الأنسان حياته ، ويتملك منه القلب ونياطه ، ويتجبر كما كان رمسيس ، يحاسب المرء على الحسيس ، فاما حول فلكه يحوم ، وعندها سيطفو ويعوم ، واما يغوص الى القعر، حيث الدررلنظم الشعر، في قصيدة تخاطب الضمير، وتهيب بصحوته وصوته الجهير، كصوت يصدرمن بهلول ، يفحم العقل ويأتي بالحلول ، لمعضلة الحكم وعقم المناهج ، ورداءة الأداء وفساد البرامج ، فليس الحشرمع الناس عيد ، في التقوقع والنظرمن بعيد ، لا يرف لها جفن أورمش ، كأنها حي وراقد في النعش ، والعيش مع الجثامين مهزلة ، تفترض علينا الكبح والفرملة ، ونستخرج البراثن والمخالب ، من أجسادنا وبالحق نطالب ، فليس لدينا من ولا فداء ، لمعتقلنا المفرغ من الاباء ، انما خلق الله فينا الناصية ، لتسجد له لا للزمرة العاصية ، ولن تدوم معنا التحايل ، للفتك بالحق ونزعة التمايل ، بالخيال الخصب واليراع النافذ ، سنلوك الحق ونحذو حذو القنافذ ، حتى يفارق المفسد عكنته ، ويصحح ولي الأمرلكنته ، وتتقادع الأوثان وأشباههم تترا ، ويبحث العنيف عن مخبأ وسترا ، هوذا الشعب يسوق الفرقدا ، الى دوحة الحرية وظل الغرقدا ، لينحرقربانه في جلال المشهد ، ويواري الفساد في تربه العسجد ، يعقوب يصبرعلى فراق النجل ، ويعسوب يفنى في سبيل النحل ، هاهنا تبدو لنا المفارقة ، مع عين اليقين في المعانقة ، هنا الشعب يذود عن الأمير ، وهناك الملك كبش فداء للقفير ، أيعقل هذا في القسطاس ، مبدأ أم شرعة في قرطاس ، شعب عريق يقع صريع التلبية ، وحفنة مع دنان الخمرفي تسلية ، أيستبعد أن لا تقوم القيامة ، على هؤلاء تقصم منهم القامة ، هيهات فالشعب لن يقهر، وحياض الوطن لن تعهر، بثلة للفساد وان طالت ، بهم الآماد وأستطالت ، فالسيف وان كان في الغمد ، والانسان من خوفه وهلعه قعد ، لكن الدعاء من الثكالى ، مرفوع صوب الحق تعالى ، يسوقه الغمام عبر السديم ، لذي العرش الأول والقديم ، هل جحا واقع في غفلة ، ولا يميز بين فرض ونفلة ، أم هناك تعتيم وتشويه ، وأقتحام بلا نذر وتنويه ، وكمامات تحط على الأفواه ، وأخرى على الفود اللامتناه ، هل هناك متنفس غير القريض ، للأصم الأبكم الأدرد المريض ، والدنيا في عين المتوشح بالسواد ، مدلهمة مكفهرة كالحنظل والقتاد ، وباب الأمل موصود ، هل فعلا أنا موجود ، والسلام ختام .