إلى أين يسير العالم

زينب الخالدي

أفتح الصحيفة صباحاً وأنا آتثاءب وعيناي مازالتا مثقلتان بالنعاس فأتصفحها كعادتي بداية من الصفحة الأخيرة حرصاً على ألا أصدم مباشرة بأخبار الصفحة الأولى ... لكن عبثاً ماأفعله تحاشياً للصدمة إذ سرعان مايدفعني فضولي لاستراق النظر على عناوين الصفحة الأولى فتشدني الأخبار وتسثأثرني وأجد نفسي أسيرتها وقد استغرقت في قراءتها ومتابعتهابل وقراءة التحليلات السياسية التي تليها مما يصيبني بالكآبة اليومية التي كنت أتحاشاها بعد أن منيت النفس بالأمل الخـُلب،بإقناعها بأن أخبار اليوم قد تكون أفضل من أخبار الأمس ، أو لعل خبراً ما جديداً من هنا أوهناك قد يثلج الصدر وينفس عن المشاعرالمكبوتة و المحتقنة بدواخلنا لكن دون جدوى.

فألوذ بالتلفاز لعلني أهدئ من توتري الذي سببته أخبار الصحيفة فلا أسمع إلا أخباراً تهز البدن وتثير الأعصاب خاصة وأنها تنقل الخبر مصحوباً بالصورة فياللروعة! فأبدو كالمستجير من الرمضاء بالنار فليس هناك خبر على الصعيد السياسي

أ والاقتصادي أوحتى على الصعيد البيئي يسر الخاطر بدءاًبأخبار الإنفجارات الإرهابية التي هزت "أوسلو"في النرويج والتي حبست أنفاسنا خوفاً من أن يكون منفذها من العرب أوالمسلمين حتى تنفسنا الصعداء بعد عرفنا أن " بريفيك "

 مرتكب هذه المجزرة ماهو إلامتعصب يميني متطرف كاره للإسلام والمسلمين وعاشق لنتننياهو ولإسرائيل ولا عجب في ذلك فالمتعصبون الإرهابيون يحبون مرآتهم وأشباههم من السفاحين المجرمين المتعطشين للدماءفالعنصرية والصهيونية ليستا إلا وجهي عملة الإرهاب الذي حاولوا إلصاقه بالإسلام وهو منه براء براءة الذئب من دم يوسف .

وأتساءل عما كان سيحدث من ردود فعل لو نسبت هذه التفجيرات كما هي العادة إلى العرب أو المسلمين ؟!

ولنعرج الآن على الساحة العربية بدءاً بالحالة السياسية الفلسطينية التي نريد لها دائماً أن تتصدر الأخبار ليس تحيزاً لها ولاتقليلاً من شأن الأخبارالأخرى ، ولكن تفويتاًلأهداف القوى التي تريد إقصاءها عن الساحة وتهميشها وإلهاءنا عنها ليخلو لها الجو لتنفيذ مخططاتها بعيداً عن النور وإن كانت هذه القوى لا تهتم ولا تكترث بالآخرين ولاتتوانى عن غيهاوصلفها ولكنها أحابيل السياسة. فالجانب الفلسطيني يعيش حالة من الشد والجذب ومرحلة حرجة وحساسة حيث تحدي الإرادات ولي الأذرع وذلك من خلال ترغيبه حيناً بإعطائه مزيداً من الوعود الكاذبة ، أوترهيبه أحياناً من خلال التلويح بإلغاء اتفاقيات" أوسلو " - عجباً وكأن هذه الاتفاقية أرجعت ذرة من تراب فلسطين إلى أهلها ! - أو من خلال التهديد والضغط بورقة المساعدات المالية إذا اتخذ الفلسطينيون إجراءات أحادية الجانب وتوجهوا إلى الأمم المتحدة للمطالبة بحقهم في دولة فلسطينية على حدود (67 )

أي منطق هذا الذي يـُخوِّل السارق لتهديد صاحب الحق حينما يفكر مجرد تفكير بالمطالبة بحقه ؟!

سننتظر ما تتمخض عنه الأحداث ،وسنرى لمن ستكون الغلبة وخاصة أن هناك جهوداً محمومة بين الطرفين لحشد التأييد الدولي مع أوضد المشروع، فهل يستطيع الجانب الفلسطيني الأعرج الذي خرج بورقة مصالحة شكلية لم تـُّفعل من الوقوف أمام أخطبوط متعدد الأذرع ؟! إن غداً لناظره قريب ، وما " سبتمبر" ببعيد . وغداً :

 ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود

أما عن الثورات الشعبية التي أضاءت سماءنا بقناديل الأمل والتفاؤل فإننا قد بدأنا نشعر بالخوف من أن تحيد عن مساراتها وتنحرف عن توجهاتها وأهدافها ونحن نراها تتحول إلى مواقف عبثية تسودها الفوضى والانقسامات التي قد تجر البلاد والعباد إلى الوراء عقوداً وعقوداً من التخلف والانفلات والتردي الأمني والاقتصادي الذي بدأت ملامحه تتشكل وتتبلور.وأسوأمانخشاه هوأن يستغل بعض الانتهازيين الوضع ليركبوا الموجة ويمتطوا صهوة الثورة ليوجهوها لخدمة مصالحهم بعد أن يتزيوا بعباءتها ويتقنعوا بأقنعتها وهم الذين يبرعون بالتقنع بمختلف الأشكال والألوان والأحجام لتناسب كل المقاسات المطلوبة وخاصة أن هذه الفئة الثعلبية تجيدالعزف على أبواق الشعارات ،واللعب على أوتار العاطفة للفئة المغلوب على أمرها والتي تشكل الغالبية العظمى من المشاركين في الثورات الشعبية مع فقدان هذه الفئة للوعي السياسي الذي حرمت منه وغـُيبت عنه من قبل الأنظمة الاستبدادية التي تحكمت بها زمناً ليس بالقليل ... نحن نخشى على هذا الربيع العربي أن يتصحر فتذوي أزهاره ،فهلاّ حافظنا على نضارته ،وأبعدناه عما يشوبه قبل أن يتحول إلى صيف قائظ أو خريف مقذٍ للعيون .

 ونتحول إلى القارة السمراء لا لنتحدث عن عملية البتر والانفصال التي شهدها العالم لجسد السودان الواحد والتي تؤكد حقيقة الأطماع الاستعمارية التي تسعي إلى تفكيك المفكك وتجزئة المجزء خدمةلمصالحها وإشباعاً لأطماعها ، وإنما لنتحدث عن خطر المجاعة الذي يفتك بالآلاف ويتهدد الملايين من الجائعين الذين تتوالى رحلات بحثهم عن الطعام والماء والحياة في طريق طويل يتربص فيه الموت بأكثر من اثني عشر ألفاً غالبيتهم من الأطفال حيث تـُقدِم الأمهات مرغمات

على خيارات قاسية حينما يتركن أطفالهن الذين يوشكون على الموت على قارعة الطريق ليستطيعوا إنقاذ الأقوى منهم.

 .. فأي خيار مـُرٍ هذا بين موتين أحدهما على وجه الأرض والآخر تحته ؟!

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا لاتسارع الدول الكبرى التي تتشدق بالشعارات الطنانة الرنانة بالمسارعة لمديد المساعدة لهذه الشعوب ؟

ألأنها لاتمتلك الثروات التي يسيل لها لعابها فتراها أول المبادرين لعرض عضلاتهاكما حدث في العراق وليبيا وغيرها؟!       

والسؤال الأكبر هو: أين هي الدول العربية والإسلامية من هذه المجاعة التي تفتك بإخوانهم في العروبة والإسلام ،وخاصة أننا على أبواب الشهر الكريم ؟!

 أيمكن أن تكون موائدنا المكتظة بما لذ وطاب من الطعام الذي يلقى معظمه في القمامة أكثر تقشفاً وترشيداً من أجل توفير لقمة طعام قد تننتشل طفلاً من تحت أنياب الموت ؟!

أما عن أخبار العالم الأخرى فسأشير إليها مجرد إشارات لأنني لو أسهبت فيها لما كفت صفحات الجرائد كلها لعرضها : فمن فضيحة التجسس التي هزت امبراطورية " مردوخ "الصحفية ، إلى الكوارث الطبيعية التي تمثلت بزلازل اليابان المدمرة وخطر تسرب الإشعاع النووي من محطة فوكوشيما النووية ، إلى العاصفة الاستوائية التي ضربت الفلبين وأودت بحياة العشرات ،عدا عن أعاصير تسونامي التي اجتاحت معظم بلدان العالم ،والحرائق التي نتجت عن شدة ارتفاع حرارة الأرض،إلى ماهنالك من أخبار لاتنتنهي بهذا الشأن، والمثير للدهشة هنا هذه المفارقات العجيبة في العالم حيث يموت بعض الناس بسبب الجفاف وبعضهم الآخربسبب الفياضانا ت ولله في خلقه شؤون ، أما الكارثة الكبرى التي أثقلت كاهل العالم والتي لاتقل خطورةعن سابقاتها فهي الكارثة الاقتصادية والأزمات المالية المتلاحقة التي ضربت الاقتصاد العالمي والتي مازالت دول العام تنوء تحت وطأته وتحصد نتائجه إلى الآن ، وهي التي لما يستفق العالم من تأثيرها بعد حتى علت مجدداً الصيحات والتحذيرات من هزة اقتصادية جديدة بسبب أزمة الدين العام الأمريكية حيث أعلن الحزبان الجمهوري والديمقراطي عن فشلهما في التوصل إلى تسوية بشأنها ممايتعذرمعه سداد أمريكا لالتزاماتها و ينذر بتبعات وخيمة على اقتصاد ها المحلي وذلك بإعلان الخزانة الأمريكية إفلاسها مما سينعكس بالتأكيد سلباًعلى الاقتصاد العالمي والذي لن تكون الدول العربية بمنأى عنه بل ستكون المتضرر الأكبر نظراً لارتباط اقتصادها وعملاتها بالدولار الأمريكي ووجود صناديقها السيادية بملايين الدولارات في البنوك والمصارف الأمريكية.

 وبعد هذا وغيره الكثير مما لايتسع المقام لعرضه أتساءل:

 ماالذي يبشر بالخير في هذا العالم المنكوب المليء بالصراعات؟ !

 أبقي في الكوب شيء حتى نتفاءل به ؟!