فتش عن الأسباب تكشف دافع الإرهاب!
فتش عن الأسباب
تكشف دافع الإرهاب!
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
في العراق نخبة من الكتاب والقراء لا تفوتهم عبارة دون أن يتمحصوها بدقة، وهم ما يعنيهم المثل العراقي الشائع (مفتح باللِبن) كدلالة على الرشد وقوة الملاحظة والبصيرة الثاقبة. فقد سألنا عدد من القراء والكتاب الأفاضل عما يقف وراء عدم إطلاقنا وصف الإرهاب على تنظيم الدولة الإسلامية وعلى زعيمها أبو بكر البغدادي في مقالاتنا السابقة عن الإرهاب، وهل هذا يعكس نوعا من التعاطف مع التنظيم أم هناك أسبابا أخرى؟ بالطبع ليس هناك أي تعاطف مع تنظيم الدولة الإسلامية بأي شكل من الأشكال، وموقفنا واضح من كل التنظيمات المتطرفة بغض النظر عن هوياتها الدينية والطائفية والقومية. وإنما الأمر يتعلق بإزدواجية المعايير كما سيتبين للأخوة الفاضل.
الحقيقة تمكن في إننا لا نأخذ بالتوصيفات الأمريكية للإرهاب ولا أيضا بالتوصيفات الأوربية والأممية والعربية ومنها حكومة الإحتلال، لأنها جميعا تدور في فلك التفسير الأمريكي ولا تحيد عند قيد إنملة عنها بسبب التبعية السياسية العمياء لهذه الأطراف وهي تبعية مخزية سيما بالنسبة للأمم المتحدة والدول الأوربية، أما الأنظمة العربية فقد غسلنا أيدينا منهم وتطهرنا بحمد الله من نجاستها. مع ملاحظة إن التصنيف الأمريكي بحد ذاته يتعامل مع الإرهابيين بمعايير مختلفة وتثير السخرية أحيانا، سنقدم مثال بسيط جدا، الأمريكان كما يدعون أنهم لا يتفاوضون مع الإرهابيين وجاء هذا على لسان الرئيس السابق جورج بوش و كبار المسؤولين في البيت الأبيض، ولكنهم تفاوضوا على رهائنهم في إفغانستان مع من يسمونهم بالإرهابيين، وفي العراق تفاوضوا أيضا مع عصائب أهل الحق وأطلقوا سراح زعيمها الإرهابي قيس الخزعلي. ومثال أقرب يثير التقزز وهو ما نقلته وكالة رويترز عن تصريح فريق مراقبي الأمم المتحدة للعقوبات المفروضة على إيران بأن" قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني تم تصويره وأخذ تسجيل فيديو له في مناسبات متعددة بدأ فيها أنه يتواجد في العراق، وهذا يمثل خرقاً لحظر السفر مع تجميد أمواله المفروضة منذ العام2007 من قبل مجلس الأمن". ومن المعروف إنه في عام 2007 صنفت الإدارة الأمريكية وتلاها الإتحاد الأوربي في عام 2011 قوات فيلق القدس كقوة داعمة للإرهاب.
لكن أين مقر الجنرال سليماني في العراق؟
إقرأ ما صرح به النائب مثال الآلوسي، عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي تعقيبا على تصريح الفريق الأممي" إن سليماني لا يحتاج إلى إذن من أحد لدخول العراق والخروج منه " بل هو أعلن عن مشاركته في المعارك الدائرة ضد تنظيم داعش، وسليماني يملك بيتًا في المنطقة الخضراء في بغداد، التي تضم مقرات الحكومة والسفارة الأميركية نفسها". بمعنى إن السفير الأمريكي والسفراء الأوربيين وممثل الأمم المتحدة في العراق هم جيران سليماني في المنطقة الخضراء! ويطلق النائب رصاصة الرحمة في قلب الأمم المتحدة بقوله " إن سليماني الذي يعرف أن عليه حظرًا للسفر لا يمكنه أن يجازف لولا أن هناك رضا أميركيًا، وبالتالي فإنه يشعر بالأمان نتيجة لوجود توافق أميركي - إيراني بشأن العديد من القضايا المهمة في المنطقة. إن سليماني يتحرك بإشارة من أوباما، في إطار صفقة بين واشنطن وطهران". هذا الحديث من نائب في البرلمان العراقي، وليس من أعداء العملية السياسية وأزلام البعث والتكفيريين والظلاميين حسب تعبيرات أتباع آل البيت في وصف أعدائهم.
لا أحد يجهل بأن الحزبين الكرديين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني هما على اللائحة الأميركية الخاصة بالمنظمات الإرهابية منذ عام 2001، ولم يُشطب الحزبان من القائمة إلا الإسبوع الماضي حيث أعلن نائب الموفد الرئاسي الخاص لأعضاء التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش السفير (برت ماكيرغ) ذلك. بمعنى إن الطالباني والبرزاني إرهابيان وفق اللائحة الأمريكية، لكن هل عاملتهما الولايات المتحدة حقا كإرهابيين أم كحليفيين مقربين لها؟ ولولا تعاونهما في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية ما شُطب الحزبان من اللائحة الإرهابية. وإلا ما الذي إختلف اليوم عن البارحة فيما يتعلق بالحزبيين؟
عندما توسم الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية وأتباعها الأوربيون والعرب كافة الميليشيات العراقية بصفة الإرهاب دون إستثناء، ولا تقتصر التسمية على تنظيم الدولة الإسلامية، فهذا أمر يمكن قبوله لأنه يتوافق مع الحقيقة والعدالة، وإلا كانت المعايير مختلة وغير مقبولة. عندما تقطع داعش رأس جندي عراقي أو أحد عناصر الميليشيات تعتبر عمليه إرهابية، ولكن عندما تقطع الميليشيات الشيعية رأس داعشي فهذا ليس إرهابا!
عندما تحرق داعش المراقد الدينية يعتبر عملها إرهابا، وعندما تحرق الميليشيا الشيعية المساجد فهذا لا يعتبر إرهابا!
عندما يهجر داعش المسيحيين والإيزيديين يعتبر هذا إرهابا، وعندما تهجر المليشيات الشيعية أهل السنة في جرف الصخر وديالى وغيرها لا يعتبر هذا إرهابا!
كيف يمكن قبول هذه الفكرة؟ أما جميعها هذه الأعمال إرهابية أو جميعها غير إرهابية! وأما جميع الميليشيات المسلحة في العراق بلا إستثناء هي إرهابية أو جميعها غير إرهابية! لا توجد منطقة وسطى ما بين الإرهاب وغير الإرهاب! أليس هذه هي القاعدة الأمريكية في التعامل مع الإرهاب حسبما عبر عنها الرئيس جورج بوش" أما مع الإرهاب أو ضده"؟
عندما يُصنف الجنرال سليماني ومقتدى الصدر وقيس الخزعلي وهادي العامري وجودي المالكي وإبراهيم الجعفري وباقري صولاغ وسعدون أبو ريشة وحاكم الزاملي وكاظم الصيادي وواثق البطاط وعباس المحمداوي وبقية الرهط سيما عملاء الخامنئي في العراق كإرهابيينّ، عندها فقط سينظم أبو بكر البغدادي وزعماء التنظيم كافة لخانة الإرهاب بكل جدارة. أما أن تُفصل بدلة الإرهاب حسب المقياس الأمريكي، فهذا ما لا يقبله العقل والضمير والحق والعدل.
الإرهاب صنيعة الفساد
أليس الفساد هو أحد مصادر، وربما المصدر الرئيس للإرهاب؟ هذا ما صرح به مستشار رئيس الجمهورية شروان الوائلي في 9/14/2014 بقوله " الفساد اليوم هو المشكلة الأولى والأخيرة في العراق، فكل المشاكل السياسية والأمنية والخدمية، هي نتاج الفساد بكل أنواعه السياسي والإداري والمالي". بمعنى أدق الإرهاب هو ناتج الإرهاب، وهذه حقيقة غير قابلة للجدل. والفساد هنا لا يعني الجانب المالي فحسب بل كل الجوانب الأخرى المرتبطة به، كالقتل والخطف والتهجير والتزوير والنهب والعقود الوهمية والرشاوي والجنود الفضائيين وتعيين الأقارب والتهريب والإعتقال على الهوية خارج القضاء وحرق البيوت والمحلات بعد سرقتها والإغتصاب داخل السجون وقصف المدنيين والخطابات التحريضية وإطلاق الحرية للميليشيات للعبث بالأمن الوطني وفتح الحدود كبيوت العاهرات لكل من هب ودب بلا ضوابط، وتسخير الأموال العامة لخدمة الطائفة كما يحصل في مراسيم عاشوراء، والإفتقار إلى السيادة الوطنية وغيرها. إذن إنتهاء الإرهاب مرهون بإنتهاء الفساد. فهل عملت إدارة الإحتلال وحكومة العراق الطائفية على إنهاء الفساد أم شجعته؟
من يرغب حقا بتجفيف منابع الإرهاب عليه أولا أن يوحد معايير الإرهاب ولا ينتقي المعيار الذي يناسبه.
من يرغب فعلا بتجفيف منابع الإرهاب عليه أن يجفف مصدر الإرهاب وأهمها الظلم والفساد الحكومي والإضطهاد والتهميش والإعتقال على الهوية.
من يرغب حقا بتجفيف منابع الإرهاب عليه ان يجفف جميع المنابع، وليس منبعا واحدا، حزب الله والحوثيين وجيش المهدي وعصائب أهل الحق وفيلق بدر والحشد الطائفي وجيش المختار وغيرها من الميليشيات كلها منابع للإرهاب وليس تنظيم داعش فقط!
من يرغب فعلا بتجفيف منابع الإرهاب عليه أن يشخص العلة ويعرف أسبابها، لا أن يهتم بأعراض المرض ونتائجه فحسب، إن بقيت الأسباب كما هي فإن رحم التطرف سيلد ألف داعش وداعش، وربما يترحم الناس على داعش الأولى!
من يرغب فعلا بتجفيف منابع الإرهاب عليه أن يُفصله عن الدين ويضعه جانبا! لا علاقة للإرهاب بالدين والجنس والقومية والجغرافيا. الإسلام نفسه كان أول ضحية من ضحايا الإرهاب الدولي، بل إنه الدين الوحيد الذي لصق به الإرهاب غصبا رغم أنف المسلمين وزعمائهم الضعفاء. مع إن هناك إرهاب فضيع يمارس من قبل اليهود والنصرانيين والبوذيين والهندوس وغيرهم ضد المسلمين. يذكر المحلل الستراتيجي (اولريخ فون شفيرين) المتخصص في شؤون آسيا الوسطى بأن " مسلمي الصين يبادون بهدوء مصحوبا بتعتيم اعلامي وبدم بارد اذ وصل عدد القتلى منهم خلال عام 2013 الى حوالي(4328) شخصا بينما وصل عدد الذين تم تهجيرهم خلال العام المذكور الى حوالي الفي عائلة ووصل عدد الذين تم تهجيرهم منذ استيلاء الصين على مقاطعة كسيانغ عام 1949 الى حوالي ست مليون نسمة ووضع المسلمين بتلك المناطق الاجتماعي والاقتصادي يرثى له".
ثم أين محاربو الإرهاب مما يحدث للمسلمين في بورما؟ أليس هذا إرهاب بوذي ضد المسلمين؟ اليس الإفعال التي يقوم بها الصهاينة في غزة هي إرهاب بل إبادة جماعية؟ لماذا لا يسمونه إرهاب يهودي وإرهاب بوذي ومسيحي إسوة بالإسلامي؟ لماذا هذه المعايير المزدوجة في التعامل بإزدراء مع المسلمين؟
ليسمع أوباما وجواريه في أوربا وغلمانه العرب هذه الشهادة التي يذكرها مهدي حسن في كتاب (الإسلام للمبتدئين) حول مذكرة سرية تسربت عام 2008 أعدتها وحدة العلوم السلوكية لجهاز الاستخبارات البريطاني (أم أي5) جاء فيها" أن عددًا كبيرًا من المسلمين المتطرفين هم من الذين لا يمارسون شعائرهم الدينية أو لا يمارسوها بانتظام، ويعاني العديد منهم من الأمية الدينية، ويمكن اعتبارهم مبتدئين دينيًا". لاحظ إنهم لا يمارسون شعائرهم الدينية! أو لا يمارسونها بإنتظام! بمعنى إن الدين ليس عاملا فاعلا ورئيسا وراء تطرفهم.
من يرغب فعلا بتجفيف منابع الإرهاب، عليه أن يجففه وهو جدول صغير قبل أن يتعاظم ويصبح بحرا هائجا يهدد الجميع.
أين كانت الولايات المتحدة والدول الأوربية قبل نيسان عام 2014 وظهور داعش؟ ألم يكن هناك إرهاب في المنطقة سيما في فلسطين العراق وسوريا واليمن وجنوب لبنان؟ لماذا صحوة الضمير ولدت بعد نيسان عام 2024 أو بالأحرى بعد أن وصلت قوات داعش إلى مشارف أربيل وهددت الحزبين الكرديين ـ الإرهابيين حسب التصنيف الامريكي ـ؟ هل أربيل وكوباني تستحق صحوة الضمير الأمريكي، لكن غزة والموصل والأنبار وحلب وصنعاء لا تستحق صحوته؟
من يرغب فعلا بتجفيف منابع الإرهاب عليه أن لا ينتهج الحل العسكري، والذي أثبت فشله بجدارة، فهذه قرية كوباني أبرز دليل على الفشل العسكري، بالرغم من الضربات الدولية لقوات التحالف التي شملت كل شوارع وأزقة القرية، ورغم إشتراك قوات متعددة من البيشمركة الكردية من العراق وسوريا وحزب العمال التركي (أي مرتزقة)، فما تزال داعش تتقدم يوم بعد يوم، ولم يفلح التحالف والقوات المساندة له من دحر داعش فيها. أما اسبب فهو إن الحل العسكري لا يكفِ! داعش فكر وثقافة وتنظيم وإقتصاد وهذه عوامل لا بد أن تؤخذ بنظر الإعتبار عند محاربته.
من يرغب فعلا بتجفيف منابع الإرهاب، عليه أن يتعامل معه بطريقة عصرية وعلمية، ولا يتعامل مع داعش كإنهم من المتوحشين الذين تصورهم إفلام مليون سنة قبل الميلاد. الغرب نفسه يعترف بأن الآلاف من مواطنيه قد إنضموا ألى داعش، أي إن هناك في داعش ما يستقطبهم ويجعلهم يتمردوا على حضارة الغرب ويفضلوا الموت في البراري على الحياة العصرية الأوربية والمزايا والحريات التي يتمتعون بها.
إذن ما هو سحر داعش وقوة جاذبيته لمختلف الفئات العمرية سيما للأوربيين؟ هذا ما لم يبحثه أحد في مراكز البحوث والدراسات الأمريكية والأوربية. لماذا فشلت الدول العظمى في إعادة صياغة وصقل عقلية مواطنيها الذين إنضموا إلى داعش؟ ومن المسؤول عن هذا الإنفصام.؟ أعرب رئيس الاستخبارات السويدية أندرز ثومبرغ عن اعتقاده بأن نحو 300 سويدي انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.(في حديث له مع الإذاعة العامة في22/11/2014). كما كشف وزير الداخلية الألماني توماس دو ميزيير أن حوالي 550 ألمانيا توجهوا للقتال في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق. (لقاء مع شبكة فونيكس الألمانية).
للحديث صلة بعون الله!