عقدة تزكية النفوس عند الطوائف والفرق والجماعات المحسوبة على الإسلام

عقدة تزكية النفوس عند الطوائف والفرق

والجماعات المحسوبة على الإسلام

محمد شركي

[email protected]

لا يخلو أتباع الطوائف والفرق والجماعات المحسوبة على الإسلام من عقدة نفسية هي عقدة تزكية النفوس . ومعلوم أن الزكاة وهي من فعل زكا يزكو تدل على طهر وصلاح عندما يتعلق الأمر ببني آدم ، كما تدل على نماء وطيبوبة عندما يتعلق الأمر بما يملكون . ودلالة الزكاة على الطهر تعني التخلص من دنس الذنوب ، ولا تعني الطهر في الطبيعة والجبلة مصداقا لقوله تعالى : (( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا )) فالطبيعة البشرية طبيعة خطاءة ، ويؤكد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كل ابن آدم خطاء ، وخير الخاطئين التوابون " وطبيعي أن يكون بنو آدم خطائين ما دام أبوهم قد أخطأ . ولقد خلق الله عز وجل بني آدم بطبيعة خطاءة ولا يحصل لهم الطهر من ذنوبهم إلا بفضل منه سبحانه وتعالى ورحمة. ولقد نهى الله عز وجل عن تزكية النفوس فقال جل وعلا : (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) كما قال جل جلاله : (( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء والله سميع عليم )). وعندما تحصل الزكاة أو التزكية فضلا ورحمة من الله عز وجل ،فإنها لا تنفع إلا صاحبها لقوله تعالى : (( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير )). ولقد ذكر الله عز وجل كيف تحصل زكاة النفوس البشرية فضلا ورحمة منه في كتابه الكريم فقال سبحانه : (( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم )) كما قال سبحانه : (( يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة )) فواضح من هذين النصين القرآنيين أن التزكية تكون بآيات الله عز وجل التي بلغها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم وبحكمته أو سنته ، ولا سبل أخرى للتزكية غير هذا السبيل . ولقد ورد في كتاب الله عز وجل ما يؤكد أن تزكية البشر المذنب أي تخلصه من أوزاره يكون باتباع ما جاء به رسل الله صلواته وسلامه عليهم كما هو الشأن بالنسبة لفرعون الذي جاء في كتاب الله عز وجل أن نبي الله موسى عليه السلام دعاه للتزكية في قوله تعالى : (( فقل هل لك إلى أن تزكى )) وصيغة هذه الآية الكريمة تدل على طريقة التزكية. ومع وضوح قضية زكاة النفوس البشرية وتزكيتها في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،فإن الطوائف والفرق والجماعات المحسوبة على الإسلام تتخذ منها امتيازات ورتبا تستعلي بها عوض اعتبارها فضلا ورحمة من الله عز وجل يتم التخلص بموجبهما من المعاصي والذنوب . ولا فضل ولا امتياز لبشر أذنب فزكاه وطهره الله عز وجل فضلا ورحمة منه على غيره لأنه إنما تزكى لنفسه لا لغيره . وتتخذ الطوائف والفرق والجماعات المحسوبة على الإسلام من التزكية مراتب أو رتب كالرتب العسكرية ، فيتسمى البعض بآية الله العظمى أو بالسماحة ، والبعض بالقطب الرباني ، والبعض بالولي الصالح ، والبعض بالإمام .... ودون هذه الرتب رتب أخرى كرتب العسكر أو رتب الرهبان . وهكذا خلقوا الرتب المتفاوتة في تزكية النفوس. وماذا يضير مخلوق خطاء بطبيعته الآدمية أن يكتفي بذكر اسمه دون أن يلحق به ألقاب التزكية المتوهمة . وللذين يزكون أنفسهم من خلال ألقاب التزكية التي ما أنزل الله بها من سلطان في رسل الله صلواته وسلامه عليهم ـ وهم المعصومون ـ عبرة ذلك أن الله عز وجل خاطبهم بأسمائهم وصفة الرسالة والنبوة فقط ،ولم يستعمل شيئا من ألقاب التزكية التي يستعملها البشر الخطاء . ويزيد أتباع الذين يزكون أنفسهم النفخ في تزكيات هؤلاء ، ويصنعون منهم مخلوقات غير المخلوقات البشرية التي خلقها الله تعالى بطبيعة خطاءة ، ولا تزول عنها الخطيئة إلا فضلا ورحمة منه سبحانه وتعالى . وينتج عن عقدة تزكية النفوس ما يسمى تضخم الأنا حيث تعلو " أنا " أصحاب هذه العقدة على غيرهم دون استحضار أنه من تزكى فإنما يتزكى لنفسه . ومن مظاهر تزكية النفوس الحرص على اختلاف هيئات وأحوال وسلوكات ... أصحاب هذه العقدة عن هيئات وأحوال وسلوكات غيرهم بغرض التميز عنهم ، وإعطاء انطباع بأن التزكية حاصلة لديهم لا محالة . وتكبر هذه المؤشرات الشكلية الظاهرة المراد بها تزكية النفوس في عيوب الأتباع والمريدين والأنصار فيقدسونها ويعظمونها ، ويزيد ذلك من غرور أصحابها ، وما ذلك إلا من تلبيس إبليس . ويعتقد أصحاب عقدة تزكية النفوس بقربهم من الله عز وجل وحظوتهم عنده دون غيرهم من الخلق بسبب أقوالهم أو أفعالهم مع أن الله عز وجل قريب من كل الخلق يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، ولا يحتاج أحد من الخلق إلى من يتوسط بينه وبين من لا تأخذه سنة ولا نوم سبحانه وتعالى ليسمع صوته أو دعاءه أو طلبه ، وهو الذي قضى جل شأنه أنه من أراد حرث الدنيا يؤته منها ، ومن أراد حرث الآخرة زاد له في حرثه . ولا يمكن تفسير نعم الدنيا أو نقمها على ضوء عقدة تزكية النفوس ، ذلك أن النعم قد تكون نقما والعكس يصح أيضا إلا أن أصحاب عقدة تزكية النفوس يحرصون على جعل النعم في الدنيا مؤشرات على التزكية ، وهو باب يدخل منه الغرور . ولقد ورد في كتاب الله عز وجل أن من عدم تزكيته للخلق في الآخرة عدم النظر إليهم وعدم الكلام معهم مصداقا لقوله تعالى : (( ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم )) ، ويترتب عن هذا أن من زكاه الله عز وجل فإنه ينظر إليه ويكلمه يوم القيامة ، ولا ينظر الله عز وجل لمن يزكي نفسه في الدنيا ، وقد نهاه عن ذلك ونسب التزكية لمشيئته سبحانه وتعالى.