صور ناطقة للتحوت والروابض 26-29

صور ناطقة للتحوت والروابض

أحمد الجدع

[26]

-- -----------------------------

في عام 1967 وقبل النكبة الثانية بثلاثة أشهر زرت القاهرة لأول مرة ، ورأيت فيها عجباً لا ينتهي التعجب منه ، يافطات مرفوعة في الشوارع مكتوب عليها عبارات وجمل تعبر عن أفكار تافهة وأهداف خبيثة ، كتب في ذيلها : " الميثاق " وعندما دخلت الدوائر الرسمية رأيت مثل ما في الشوارع ، عبارات من هذه التفاهات خطت بخطوط عريضة وذيلت بكلمة : " الميثاق " .

وقالوا لي بأن مثل هذا منتشر في المدارس والنوادي والمسارح والسينما ... وفي كل مكان ينتدي فيه الناس ، وكله مأخوذ من كتاب ألفه روابض وتحوت من أهل مصر ، يزعمون أنه لباب الحكمة ، وأنه دستور الأمة ... يريدون به أن يُنسوا الأمة قرآنها المنزل من السماء ...

وزادوا في عتوهم وضلالهم فقرروا هذا " الميثاق " على أبناء مصر في مدارسهم ، يقهرونهم على حفظه والتغني به .

وقال لي أحدهم إنك لو زرت مدرسة من مدارس أبناء الكنانة لرأيتهم يتلونه أو يتلون فقرات منه قبل أن يبدأوا درسهم في طابور الصباح .

ومثل ذلك رأيته وسمعته عندما زرت ليبيا عام 2005م ولكنه في ليبيا يدعونه بالكتاب الأخضر ، ويزعمون أنه لباب الفكر عند زعيمهم ورئيسهم الأخ العقيد !

بل إن هذا الكتاب الأخضر طبعت منه ملايين النسخ وأراد الأخ العقيد أن يعممه على بلاد العرب كلها ، فأخذ في توزيعه هنا وهناك ، وقد رأيته يوزع في معارض الكتب العربية ، ولم أر دولة عربية واحدة منعت توزيعه ، كأنهم يمدون له يد العون في نشره ورقاً وفكراً .

هذا الكتاب الأخضر في ليبيا امتداد للميثاق في مصر ، ذلك لأن زعيم ليبيا قد أخذ من زعيم مصر شهادة بأنه الوريث لفكره ، فكان هدف الكتاب الأخضر هو الهدف الذي سعى إليه الميثاق في محاولة نزع القرآن من قلوب الناس .

خابوا وخسروا ، فهل يستطيع الظلام أن يحجب النور ، وهل يستطيع عبد حقير أن يغالب رباً قديراً ؟

وأذكر أن شاعراً مصرياً مؤمناً سخر من بدعة هذا الميثاق في قصيدة له من روائع الشعر الإسلامي المعاصر قال فيها :

" ميثـاقُكُم " يسخرُ منـه كلُّ مـنْ قـراه
يا صبيـةً في الفكـرِ لا يدرون مـا عنـاه
والمـاكـرون يعـلـمون مـا الـذي وراه
لـذا تراهـم يلـعبون لـعبةَ الحـواه
ويتقنـون فَـنَّهـم ، إنَّ لـهم هُـداه
ويوغلـون كـيدهم ، هُداتُهـم عُتـاه
إن ينقُـص " الميثـاقَ " شـيءٌ رقَّعـوا فحواه
ليمـلأوا الفـراغ ، يا لَلطُّغْمَـةِ الدُّهـاه
الـرُّقعـاء الـراقعـونَ ... الـمشتكـى لله ‍‍!!
وأسرعـوا لـلـصيـد في مُـعْـتَكَـرِ الـميـاه
وانـهمكـوا .. كـأنـما قـد حُـمـلـوا " الـتـوراه "
لكنهـم لـن يحـمـلـوها .. إنـنـا الحُـمـاه
نـعـرفـهـم ، ونحنُ إثْـرَ الـلـصِّ في خـطـاه
ماشعبُ " وادي الخـير " أَغنـامـاً ولا شيـاه ‍‍!!
                  =     =     =

ومن هنـا الحقـدُ عـلينـا : أَننـا الـكُمـاه
نَصُـدُّ غَـدْرَ الغـادرينَ ، نـقـبـرُ الغُـزاه
وتلك سُنَّـةُ الإلـه : يـكـبِتُ الـطُّغـاه
قـرآنُنـا دستورُنـا ، مَـنْ غيرُنـا فَـداه؟
تحتَ النعـالِ غـيرُهُ، وهـو عـلـى الجِبـاه
وفي العقـول والـقلـوبِ وعلـى الشِّفـاه
فـليقتـلـوا وليـذبـحـوا .. شِنشِنـةُ البُـغـاة
فـنحـنُ لـسنـا "فئـةً"،وإنمـا "اتـجـاه"
ومـدُّنـا يـزحـفُ والـعُميـانُ لا تـراه!

==========

[28]

-------------------------------

وصلنا إلى انهيار ثقافي مفجع ، فقد أُجبرنا على أن ننسى ، وهل هناك ما هو أقسى من أن تجبر على النسيان ؟

المناهج التي فرضت علينا كانت تقول لنا : ليس هناك أعظم من نابليون في دنيا القيادات العسكرية ، وليس هناك أعظم من شكسبير في دنيا الأدب ، بل إن أدبه في المسرح لا يعرفه العرب ولا شأن لهم به .

أقول وهل يعيب العرب أن لا يكون لهم في المسرح سهم ؟

كانوا يلحون على ذلك حتى أخذ طلاب المدارس يخجلون من أنفسهم ومن انتسابهم لهذه العروبة الخالية من الأمجاد .

شطبوا بالأستيكة ( كما يقول أحبابنا في مصر ) قروناً مليئة بالأمجاد والمفاخر ، ولم يبقوا لنا من بطولات عسكرية ملأت الدنيا حتى فتحنا بها العالم المعروف من مشرقه إلى مغربه ، ولم يبقوا لنا من أمجاد الأدب والعلم التي سطرنا بها تقدماً للبشرية في آلاف من المجلدات التي عدا عليها أعداؤنا ودرسوها واقتدوا بها .

أصبحنا في فراغ هائل ، نحتاج إلى ما نملأ به عقولنا المفرغة ، فأخذنا نبحث ونبحث ونبحث .

لم نرجع إلى تراث نفاخر به أو رجال نعتز بهم ، وكل ما اهتدينا إليه لمحات أرشدنا إليها مدرسون لم يستطيعوا أن يضيفوا إليها شيئاً لأنها كانت منتهى معرفتهم .

وكانت فئات من العرب قد نفضت أياديها من تراثها وعروبتها وحتى إسلامها وأخذت تفاخر بثقافتها التي اكتسبتها من أعدائنا ، وقد عانينا من هذه الفئات عناءً شديداً .

وعندما عبنا عليهم هذا حاولوا أن يبحثوا لنا عن أمجاد من بين سطور أعدائنا .

وقد اطلع علينا أحدهم بفكرة ساءَتنا وأضحكتنا ، فقد قال لنا : إن الشاعر المسرحي الكبير وليم شكسبير من أصل عربي ، واسمه الحقيقي الشيخ زبير !!

ابتسمنا وتندرنا .

ثم طلع علينا مرة أخرى ليقول لنا : إن بطل مسرحية ( عطيل ) لشكسبير ... آسف الشيخ زبير اسمه عطا الله فحرف بالإنجليزية إلى عطيل !!

الشيخ زبير وعطا الله هذا كل ما أتحفنا به أساتذتنا من أمجادنا العربية .

أقول : إن رئيس عدونا المغتصب لفلسطين اسمه نتنياهو وترجمته بالعربية عطاء الله ولعل أساتذتنا من التحوت يجدون قرابة بين عطاء الله العربي أو المعرب وعطاء الله اليهودي الذي يكشر عن أنيابه لمزيد من القتل والفتك في أبناء فلسطين وهذه ليست بالغريبة عليهم فإن أحدهم وجد بين العرب واليهود نسباً حتى قال إنهم أولاد العمومة ، يطأطئ هامته بين أيديهم ... هذا إن كانت له هامة !!

حسبنا الله .

==========

[29]

-------------------------------

اليهود أم الصهاينة ؟

في واحدة من الدول العربية كُلف أحدهم أن يشارك في تأليف كتاب في قواعد اللغة العربية .

كان هذا الرجل محباً لدينه غيوراً على وطنه ، يرى اليهود قد استلبوه وطناً باحتلالهم أرضه ، وديناً بسيطرتهم على المسجد الأقصى والقدس الشريف ، فاستعان بهذا المؤلَّف حتى ينبه الناشئة لخطر اليهود وجرائمهم وجرائرهم ، فكانت الأمثلة التي وضعها في هذا الكتاب تندد بأفعال اليهود وما يقترفون ، وما كان من المسؤول الذي يشرف على الكتاب إلا أن ردّ ما خطه هذا المؤلِّف منبهاً إلى أننا لا نعادي اليهود ولكن نعادي الصهيونية ، طالباً تغيير ما ذهب إليه المؤلف في التنديد باليهود وجرائمهم .

وقف المؤلف أمام هذا القول الذي يخالف صريح القرآن الذي ندد باليهود وأعمالهم منذ بعث الله إليهم موسى إلى أن بعث الله إليهم وإلى الناس جميعاً محمداً ، ونُبه هذا المشرف إلى ذلك ولكنه لم يتنبه ، وإنه ليعلم أن ما نُبه إليه حق من الحق ، ولكن سياسة العرب لا تراعي سياسة القرآن !

يا أيها العرب : أأنتم أعلم أم الله ؟ وإلى متى تسلكون دروب الأحزاب وتتنكبون درب الله ؟!

ومما أفجعني في هذه القضية ، وقد أفجعني فيها ما لا يعد ولا يحصى ، أن مذيعاً كان يحاور عالماً !! وعندما ذكر العالم اليهود بسوء انتفض المذيع وقال المتلازمة العربية : نحن لا نعادي اليهود بل نعادي الصهاينة ، والغريب أن العالم استدرك ، وقال نعم .

بفيكما الحجر ، أأنتم أعلم أم الله .

ابحثوا في كتاب الله المنزل ، هل تجدون فيه من ذكر للصهاينة ؟ أذم الله اليهود أم ذم الصهاينة .

لاكوا لنا بألسنتهم ذلك أعواماً طوالاً ، هذه دولة الصهاينة ... ودلّس اليهود على هؤلاء التحوت والروابض ، فأخذوا بذلك وهم يعلمون أنه بهتان عظيم .

وعندما علم (الصهاينة) أنهم أوصلوا بني يعرب إلى حالة لا يؤبه فيها بهم ولا لهم ، وأصبحوا من لا يُستأذنون وهم شهود ، قال اليهود : هذه دولتنا يهودية خالصة ، ويجب أن تبقى يهودية خالصة ، ولهم من وراء ذلك أهداف ،
أخذت تنكشف للناس جميعاً ، وسادتنا من بني يعرب يصمتون ولا ينطقون ... لم تعد لهم آذان يسمعون بها وألسنة ينطقون بها .

أيها الروابض ، أيها التحوت ، دالت دولتكم ، لقد عفى عليكم الزمن ، وغدوتم ممن يعيشون خارجه ، وقد فغرت لكم القبور أفواهها .

يا أيها اليهود : حان حَيْنَكم ، فقد أفاقت الأمة ، وهيهات هيهات أن تجدوا درباً للنجاة .

حسبنا الله .