من رغداء
حباء عبد الوهاب شحادة
جامعة دمشق
كلية الآداب
قسم الجغرافية
حلقة بحث
البيئة والقرآن
المادة: بيئات
إشراف الدكتور:
محمد محمود سليمان
أولاً: المقدمة:
في عصرنا الحالي يقف الإنسان أمام عالم مكتظ سريع التغير وكما يقال التقدم. يقدم له هذا العالم تحديات كبيرة ليستطيع أن يلحق ركب التطور ولابد للإنسان من ذلك وإلا فإنه لن يستطيع البقاء والعيش وكما فرضت لعبة التطور التي وضعت قواعدها الدول "المتقدمة" أو بالأحرى المتحكمة بالعالم فعلى باقي الدول وبالتالي على جميع البشر المكونين لها أن يقدموا الغالي والرخيص ليلحقوا بالغبار المتبقي على مسارات التقدم, ولكن حتى بالنسبة لهذه الدول المتقدمة فالتقدم لا يأتي مع حلول رخيصة فهو يكلف إضافة لجميع موارد الأرض والبشر من الدول المتخلفة يكلف العديد من التضحيات الأخلاقية والأرضية الخاصة بها فحين يقف هذا الإنسان أمام هذه المعادلة من الأخلاق التي تدير البشر الذين يديرون الأرض يستطيع مباشرة عند النظر للنتائج أن يدرك أنه أمام مشكلة كبيرة فما هو الحل لمشكلة اليوم الحالي التي كما عُرِّفَت من قبل كثيريين "مشكلة البيئة". هنا لا يوجد إلا طريق أكيد لمعرفة الإجابة ألا وهو طريق العودة لما أنزله لنا خالق البشر والأرض ففي إيحائه الرباني نجد الإرشاد للحياة القويمة التي تتلافى وتعالج أخطاء عيشنا الحالي.
هدف البحث:
تحديد مفهوم البيئة في القرآن الكريم, وتحليل أنواعها وما نريد منها, وما تريد منا وفق القواعد التي رسخها القرآن الكريم لإيجاد منهج لحل مشكلاتنا البيئية.
أهمية البحث:
كلام الله يبين لنا الطريق القويم لأفكارنا ومفاهيمنا وطريقة تعاملنا السليم مع البيئة وعناصرها الأساسية.
خطة البحث:
أولاً ـــ مقدمة
ثانياً ـــ تحديد مفهوم البيئة في اللغة والقرآن
ثالثاً ــ تحديد البيئة كلية وجزئية
رابعاً ــــ تخير البيئة
خامساً ـــ التبيؤ
سادساً ــ خاتمة
سابعاً ــ المصادر والمراجع
ثامناً ـــ الفهارس
ثانياً ــــ مفهوم البيئة في اللغة وفي القرآن الكريم
ما هي البيئة؟ سؤال لابد من الإجابة عنه فبالرغم من حضورها المتكرر في أغلب قضايا العصر الحالي إلا أنها باهتة الحواف غير واضحة المعالم ففي حين ينتظر من هذه الكلمة السحرية تحديد مصير مستقبل الأرض والبشر علينا أن نرجع لنوضح حدودها. إذ لا يستطيع التائه قيادة الطريق, ولذلك فتحديد مفاهيمنا أمر ضروري لتوجيه أفكارنا في اتجاه الحل المطلوب.
كلمة البيئة في اللغة:
يعود الأصل اللغوي لكلمة البيئــــة إلى الفعل "بوأ"، ومنه "تبوأ"، والاســــم منــه: "البيئة"، معاجم اللغة العربية تبين أن الفعل قد استخدم في أكثر من معنى، ومن أوسع هذه المعاني:
1ـ الاعتراف بالذنب والإقرار به، فيقال باء له بذنبه، أي: اعترف له بذنبه، وباء بدم فلان، أي: أقرّ به
2ـ السواء والندية: فيقال: باء فلان بفلان، أي كان نداً له في مكانته ومنزلته، والبواء هو السواء.
3ـــ كما وردت بمعني التصـــويب والتســــديد، ومنها بوأ الرمح نحوه، أي: صوّبه وسدده.
4ـ أما أشهر المعاني التي ورد بها الفعل ( باء) فهي النزول والإقامة، يقال: تبوأ منزلاً نزله، وأبأت بالمكان أقمت به، وتبوأ المكان حلّه، والمباءة: معطن الإبل، حيث تناخ في الموارد، ومباءة الغنم: منزلها الذي تأوي إليه، والمباءة من الرحم: المكان الذي يكون فيه الجنين
- وبالنهاية كما يقول المنجد: البيئة (المحيط)
فللبيئة في اللغة العربية مكان مادي وحس معنوي فهي تتجاوز مكان الاستقرار والبيات لتصل لمعنى الاستواء والتماثل فكأن الانسان يستوي مع محيطه فينطبع به أويطبع هو محيطه
وقد ذكر الفعل باء وبوأ في القرآن الكريم كما يلي:
1 ـ {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}(الأعراف ـ مكية) ( بوأكم: أسكنكم، تفسير الجلالين ص 160).
2 ـ {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)}(يونس ـ مكية) (قيل هي بلاد مصر والشام استقرت بيد موسى النبي (مختصر تفسير ابن كثير( ج1/206)).
3 ـ {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26)}(إلحج ـ مدنية) (أرشده إليه وسلمه له, وأذن له في بنائه (مختصر ابن كثير (ج2/539)).
4 ـ {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ..(121)}(آل عمران. مدنية) (أي تنزِلهم منازِلهم) (صفوة التفاسير (ج1/227 ) , ومختصر ابن كثير (ج1/314))
5 ـ {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}(النحل ـ مكية)( لننزلنهم (تفسير الجلالين ص 271 ).
6 ـ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(58)}(العنكبوت ـ مكية) (لننزلنَّهم أعالي الجنة (صفوة التفاسير (ج2/466 )) .
7 ـ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}(الحشر ـ مدنية) (اتخذوا المدينة منزلاً وسكناً وهم الأنصار ( صفوة التفاسير ج3/351 )).
8 ـ {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)}(الزمر ـ مكية) (نتصرَّف فيها تصرف المالك , وننزل فيها حيث نشاء , صفوة التفاسير ج2/ 89 ).
9 ـ {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)}(يوسف ـ مكية) (يتخذ منها منزلاً حيث يشاء , ويتصرف في المملكة كما يريد (صفوة التفاسير ج2/ 57)).
10 ـ {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ; وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)}(يونس ـ مكية)(اتخذ لهم بيوتاً للصلاة وللعبادة (صفوة التفاسير ج1/ 594))
11- {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَ مَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئسَ المَصِيرُ(162)}(آل عمران - مدنية)
12- {وَ مَن يُوَلِهِم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إلا متحرفاً لقتالٍ أو متحيزاً إلى فئةٍ فقد بآء بغضبٍ من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (16)}(الأنفال - مدنية)
13- {وَضُرِبَت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضبٍ من الله (61)}(البقرة - مدنية)
14- {فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين (90)}(البقرة - مدنية)
15- {وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة (112)}(آل عمران - مدنية)
إن هذه الآيات قد أعطتنا جانباً من معاني البيئة ألا وهو محيط الإنسان فتارة يكون محيطه أرضاً يتخذ فيها المنازل وتارة تكون أعمال الإنسان قد أحاطت به دافعة إياه إما لجنة النعيم أو للعذاب المهين فنجد هنا أن معنى البيئة قد تجاوز لفظتها فإن محيط الإنسان و تعامله معه هو مجال ما قد أُنزل القرآن له لذلك نجد أن معنى البيئة أصبح متواجداً في كافة الآيات القرآنية الكريمة وإن ما تقدمه البيئة للإنسان وما يقدمه الإنسان لها هو أهم ما شمله القرآن من معنى. ومما سبق نجد أن مفهوم البيئة في القرآن الكريم واسع شامل لكل ما يحيط الإنسان من طبيعة وفكر.
ثالثاً ــــ تحديد البيئة الكلية والجزئية:
ما أن نسمع لفظة البيئة في يومنا هذا حتى يتجه تفكيرنا نحو الطبيعة إما بسبب إدراكنا المتزايد للمشاكل الخطيرة التي نسببها لبيئتنا اليوم وإما بسبب قلة إدراكنا لتأثرنا الحقيقي ببيئتنا المحيطة وإن حقيقة أن كافة كائنات الطبيعة تتوازن في بيئتها فلا تتحقق شروط بقائها واستمرارها إلا بتوافر كافة العوامل الملائمة لها في مكان معين تعد حقيقة من حقائق الحياة لا يتجاوزها إلا الإنسان فهو الكائن الذي استطاع تغيير بيئته المحيطة لتلائمه أو ليلائمها ومع اختلاف تحديات الطبيعة على سطح الكرة الأرضية تختلف عادات وأساليب الشعوب في التأقلم والعيش تبعاً لاختلافها المكاني وتختلف وجهة نظرها للأمور أيضاً فإن ما يشكل الإنسان الفرد هو الصعوبات والمواقف التي يتعرض لها ويضطر للتعامل معها وما يشكل روح الشعب هو تعامل أفراده مع بعضهم, فنحن نقف هنا على عتبة بعد آخر للبيئة وهو الوسط الذي نحيط أنفسنا به وهو البيئة الإنسانية التي تعد نتاجاً لتطور تعامل الإنسان مع محيطه فلا تكون الطبيعة هنا إلا جزءً وسبباً من أسباب التطور فإن الجزء والسبب الأكبر يعزى للإنسان نفسه بنظرته للحياة وفكرته عن العيش وبتلاقي أفكاره أو تعارضها مع ما توصل له أخوه الإنسان, وإننا نجد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تبين أن الطبيعة ما هي إلا مجال لبناء بيئتنا البشرية ودعانا دوماً للتأمل في ما حولنا لنستطيع إدراك الحقائق ولنفكر بروية بأفعالنا وأعمالنا.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)}
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}
{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)}
{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)}هود
رابعاً ـــ تخير البيئة:
متى يقع على عاتق الإنسان تخير البيئة ؟ ذلك يحدث إذا كانت بيئته الحالية أو الخيارات المحيطة به لا تسمح له بتحقيق هدفه مثل ما قام به أجدادنا الأوائل باستكشافهم للكرة الأرضية بحثاً عن مناطق ملائمة للعيش أو بدافع الفضول ورغبة المعرفة كما نقوم نحن الآن باستكشافنا للفضاء, ولكن دوافع تخير البيئة تأتي غالباً نتيجة للمصاعب التي يواجهها الإنسان من أخيه الإنسان وقد شهد تاريخ البشرية العديد من الهجرات والنزوحات لجماعات بشرية من أرضها الأصلية لمكان آخر لتؤمن استمرارها نتيجة للحروب والاستعمارات ونرى المثال الأوضح في يومنا هذا حين يهاجر العلماء والباحثون من بلادهم الأصلية إلى بلاد أخرى تستطيع أن تؤمن لهم ما يحتاجونه من مناخ ملائم للإكتشاف والاختراع ببيئة مستقرة وداعمة للعلم فقد يحقق هؤلاء العديد من الإنجازات المهمة للبشرية جمعاء وما كان لهم أن يحققوها لو بقوا في بيئتهم الأولى. والحياة تبين لنا العديد والعديد من هذه الأمثولات فغالباً يقع الإنسان أمام خيارات واضحة لتحديد حياته ومستقبله تعتمد أساساً على البيئات فإما أن يقوم الإنسان بتغيير وتحويل بيئته الحالية إلى ما يريدها أن تكون أو قد يفشل ويضطر للتلائم مع بيئة جديدة تؤدي له حاجته وقد أوضح لنا الله في آياته مثالاً واضحاً عن تخير البيئة ألا وهو هجرة المؤمنين من البلاد التي كانوا يتعرضون بها للتعذيب والملاحقة للتخلي عن إيمانهم حيث كانت هجرتهم هي الحل الوحيد للاحتفاظ بحياتهم ومعتقداتهم أيضاً وقد بينت هذه الآيات أن هذه الهجرة ليست خياراً بل واجباً فعلى الإنسان أن يسعى دوماً للحفاظ على نفسه وفكره وألا يتعذر بما يستطيع تغييره.
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}
كما حثنا الله تعالى على أن نفعل ما نستطيع فعله لنكيف بيئتنا ونعدلها لنستطيع العيش بها بأفضل طريقة ممكنة فنحن علينا أن نقوم بكل ما نقدر عليه للاستخدام الأمثل لمواردنا فإن كان ظلم الإنسان لأخيه الإنسان من الصعب مواجهته وتلافيه فإن تحديات الطبيعة هو ما قد استطاع الإنسان أن يتجاوز العديد والعديد منها ولا يزال وحيث أن الأرض وما عليها وكل ما في الطبيعة قد سخره الله للإنسان فإن استعمالها وتسخيرها واجب علينا لابد لنا من القيام به فإن أسرار الطبيعة حقيقية ليست سوى تحديات لعقل الإنسان لا بد له من حلها مع الزمن وقد بينت آيات القرآن الكريم طوعية الطبيعة وضرورة تعديلها والعمل عليها لاستمرار الحياة فليس على الإنسان أن يدعو لحدوث معجزة في أوقات الكوارث والمصاعب لأن المعجزة الوحيدة التي وضعها الله على الأرض لتنقذ البشر من مخاطر وكوارث وتحديات الطبيعة ليست سوى عقل الإنسان ذاته الذي كرمه ورفعه به الله عن باقي مخلوقاته
{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)}
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}
خامساً ـــ التبيؤ:
قد أخطأ البشر بأحكامهم وخياراتهم مرات عديدة إما بين بعضهم البعض أو بينهم وبين الأرض مشكلين لنا عبر الزمن واقعنا الحالي الذي يحمل ندوب وجروح ما قد أخطأه الإنسان في الماضي ويعاني من آلام ما يخطأه في الحاضر فلا يستطيع أحد من الناظرين إلى العالم الآن أن ينكر أننا بحاجة لتصليح كل ما قد فسد ألا وهو الإنسان نفسه وقد قال تعالى في القرآن الكريم:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)}
فإذا كان الفساد وجد مع الإنسان وهو أصله وإذا كان الله قد أنزل الإنسان على الأرض وجعل كل ما فيها ذخراً له فما هي مسؤولية الإنسان الحقيقية أمام هذه الوقائع؟ الجواب يكمن في كلام الله تعالى الذي يبين أن ما يقوم به الإنسان في حياته هو الحفاظ على المسؤولية مسؤولية البيئة فهي أمانة من الله عز وجل لم يتخذها سوى الإنسان من كل مخلوقات الله
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)}
وقد يكون جل ما قد أحدث خلل تصرف الإنسان عائداً لكونه اغتر بما أعطاه وكرمه به الله من عقل وقدرة ناسياً أنه وكل ما حوله يشتركون بوحدة الخالق فمهما بلغ الإنسان بتحكمه وعلوه على الأرض ومخلوقاتها فهو ينضم لها في الانقياد لله والإذعان لسلطته
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)}
قد أعطى الله للإنسان العقل فرفعه به عن باقي مخلوقاته وجعله قائداً لها في رحلة الحياة وقد أعطى الله بني البشر عاطفة كبيرة وإحساساً مرهفاً قد ينساه أو يتناساه العديد ولكنه موجود وقد ذكر الله بآياته الإنسان بأهمية التعاطف والإحساس بغيرنا من سكان الأرض ورفقائنا في رحلة الحياة فليس علينا أن نتجاهل غيرنا من المخلوقات في سبيل سعينا لإرضاء طمعنا البشري باستغلال كل مانستطيع استغلاله لتحقيق مصالحنا فقط بل علينا أن نذكر مسؤوليتنا وأن نتعامل مع غيرنا من المخلوقات من حيوان ونبات وإنسان أيضاً بتواضع وحكمة كما قد نعامل أنفسنا بقدر ما نستطيع خارج نطاق الحاجة والضرورة ولله وحده مردنا الذي سيحاكمنا ويقيم أعمالنا.
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}
وتذكرة الله تعالى لعباده أن يحترموا أمانة الله لهم جاءت في العديد من الآيات القرآنية التي حثت الإنسان على الإصلاح دوماً وعلى التفكير وتحكيم العقل فيما يخص محيطه على الدوام لكي تكون فكرة حفظ وإصلاح البيئة هي منهج تفكيره السوي فلا يفسد شيئاً لا بالأرض ولا مع غيره من بني البشر لأنه بذلك يفسد نفسه على الدوام فهانحن الآن نجني ما اقترفته أيدينا من تخريب وفساد في البيئة فلا نكاد نتعافى من كارثة طبيعية حتى تلحق بنا كارثة أخرى ويبدو لنا المستقبل أكثر سواداً إذا لم نقم بإيقاف التخريب وبدء الإصلاح فعلى سكان هذه الأرض أن ينظروا جيداً إلى الواقع ويفهموا أنهم يحيلون مستقبل هذا الكوكب إلى الخراب فإذا فات أوان الإصلاح لن تكفي دعوات مليارات البشر لدفع النهاية فإنهم يجنون ما زرعته أيديهم وقد قدم لنا الله تعالى العديد من العبر كي نتقي هذا المصير ولنعلم أننا نحن من نتسبب بالعذاب لأنفسنا وأن الطبيعة ستعاملنا كما نعاملها.
{وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)}
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}
{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)}
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)}
{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}
وقد بينت لنا القرون الماضية مقدار ما قد يفسده الإنسان في الأرض فقد استطعنا أن نمحي تماماً فصائل عديدة من الحيوانات والنباتات بفضل تصرفنا الأحمق المتهور وقد استطعنا أن نمحي جميع معالم الطبيعة من العديد من البيئات وأنشأنا بدلاً منها معالم إنسانية من البنايات الشاهقة ومن ناطحات السحاب وحتى أننا نقف على أعتاب أن ننهي كل ما في الأرض من نفط وغاز دون أن نفكر بعواقب ما سيحصل إذا انتهت موارد الأرض فمن أين لنا البديل عند ذلك وقد حذرنا الله من الاستنزاف الأهوج لمصادر الأرض بآيته الكريمة:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)}
لا يقتصر فساد البيئة على فساد الطبيعة فإذا كان المسبب الأول للفساد هو تصرف الإنسان فهذا يعني أن هناك فساداً بأخلاقه وأحكامه قد يحدثه ضعف الإنسان وسهولة وقوعه بالخطأ وغالباً يجر الخطأ أخطاءً أخرى من الشخص نفسه أو ممن حوله وهذا يكون بداية مرض اجتماعي حذرنا منه الله تعالى بآياته ودعانا لتحكيم العقل وتقوية الإيمان لنستطيع اتقاء الأخطاء وأن نعمل على إصلاح ما قد فسد من أخلاق مجتمعاتنا بأن نقابل الخطأ بالصواب لا بأن ننجر وراءه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)}
{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)}
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)}
وكما أوضحت آيات الله الكريمة نهاية الفساد والانحراف عن الصواب وحذرتنا منه كذلك بينت لنا أن نهاية العمل الصالح تكون بالسعادة والأمان وكما أننا نتحمل تبعات ما نخطأه ونتحمل وحدنا نتيجة الفساد الذي نقوم به كذلك فكل عمل طيب صحيح نفعله يعود علينا بالخيرات والمنافع لنا ولبيئتنا كلها فهذه الآيات ترينا أن الخطوة الأولى نحو الحل تكمن في كل عمل يقوم به كل شخص منا وتشجعنا على أن نسلك طريق الصواب الذي لابد سيودي بنا إلى كل ما نبتغيه من سعادة واستقرار.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}
مع واقع عالمنا الحالي من بيئات ممزقة وتفاوت كبير في موازين التطور والقوة العالمية وفرقة حادة بين البشر على سطح هذا الكوكب ومع المساحات الملوثة الشاسعة من الأرض تبدو عملية إصلاح البيئة حلماً بعيداً للشخص المفرد فما الذي سيحققه شخص واحد وسط هذا الزحام ما الأثر الذي من الممكن تركه وسط بيئة مريضة هائلة تشكلت عبر آلاف السنين من الخيارات والأحكام الخاطئة من قبل مليارات البشر الذين عبروا سطح هذه الأرض؟ حقيقة أن الأفكار التي تحدث التغيير الأكبر في العالم تحتاج شخصاً واحداً ليبتكرها تجعل فكرة اليأس والعجز من كوننا أفراداً لا نستطيع أن نؤثر بما حولنا تبدو حجة واهية والخطوة الأولى التي يقع على عاتقنا حلها كأفراد هي أن نغير النظرة التي حملتنا إياها الأجيال الماضية وحددت أفكارنا فكيف سنتحرر من هذه القوقعة ما الذي علينا فعله لنتحرر من معايير بيئاتنا المحلية ونبدء بإنشاء بيئة جديدة نتلافى بها أخطاء الفكر والتنفيذ؟
يتوجب علينا أن نعمل على تحسين وتشذيب أفكارنا التي أوصلتنا اليوم لطبيعة ملوثة ومفاهيم بالية تحيد عن التوازن والسواء فمع هذا الإدراك نستطيع أن نرى بوضوح أن الإنسان الفرد قادر على التحرر من قوالب الحياة الجاهزة التي أوجدتها لنا الأجيال السابقة بتكرارها وبنظرتها الجامدة لطرق العيش عن طريق النظر بعينين جديدتين لنرى الحياة بلا أحكام مسبقة عنها لنستطيع تحديد مواقفنا الخاصة ولنستطيع مراجعة الأمور لتلافي ما سبق من الأخطاء وإن القرآن الكريم قد أعطى القسط الوافي من آياته ليحث على هذه النظرة الجديدة للحياة ورفض أن نتبع الأفكار فقط لكونها موجودة أصلاً في مجتمعاتنا دون أن نحاكمها محاكمة صحيحة تكشف لنا الطريق الصواب لكيفية التعاطي معها
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)} العنكبوت
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} لقمان
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)} الأحزاب
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} البقرة
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)} المائدة
إذاً ما نحتاجه حقاً هو تربية بيئية تزرع بنا الدعائم التي ستقود أحكامنا وأعمالنا وتؤدي بنا للحفاظ والإصلاح لا للتخريب والفساد وآيات القرآن الكريم ما هي إلا تعاليم لتربية صالحة وتوجيه نحو الصواب.
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)}
سادساً ـــ الخاتمة:
لم نخلق بعالم مثالي هذه حقيقة لا تقبل الجدل. أمن المفترض بنا أن نتقبل هذا الواقع وننتحب على عالم خارج عن السيطرة؟ لا لأن الله تعالى خالق السماوات والأرض لم يتركنا نتخبط بالظلام بل أرسل لنا ضياءً يقودنا لتخطي المصاعب وبرسالاته السماوية أوضح لنا كيف ننشء عالماً سعيداً آمناً حيث أن السيطرة على هذا العالم تقع بيد كل واحد منا حين يعلم كل شخص مسؤوليته ويبدء بتحملها ليحقق خيره وخير البشر جميعاً فقد دعانا الله بكتابه الكريم لنتأمل بما حولنا ولنرفع الغمامة التي أغرقتنا بها مساعينا في الحياة ولنرى العراقيل الحقيقية التي تقبع في طريقنا ألا وهي عقولنا نفسها التي كرمنا الله تعالى بها عن باقي مخلوقاته وجعلنا أمناء عليهم لكي نحفظهم في رحلة الحياة وحين أن مشكلتنا الحقيقية هي مشكلة إدراك وفهم فإن الحل أمامنا هو أن يعمل كل واحد فينا على زرع فكر الإصلاح والحماية وبنفوس من حوله لنحقق العالم الآمن المتكامل فلم يفت الأوان بعد.
سابعاً ـ المصادر والمراجع:
ـ القرآن الكريم
ــ مجموعة تفاسير (نسخة إلكترونية)
1 ـ تفسير الجلالين
2 ـ صفوة التفاسير
3 ـ مختصر تفسير ابن كثير
ـــ مجموعة القواميس والمعاجم التالية (نسخة إلكترونية):
1 ـ أساس البلاغة للزمخشري
2 ـ تاج العروس للزبيدي
3 ـ الصحاح للجوهري
4 ـ العين للفراهيدي
5 ـ المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده
6 ـ مقاييس اللغة لابن فارس
7 ـ المنجد
8 ـ لسان العرب لابن منظور
ـ مجموعة كتب ومقالات:
1 ـــ أبو العلا, عبد القادر محمد: البيئة والحفاظ عليها من منظور إسلامي, الإمارات العربية المتحدة, منظمة المؤتمر الإسلامي, الدورة التاسعة عشرة.
2 ــــ الحفار, سعيد محمد: البيئة المحيط, موقع الموسوعة العربية.
3 ـــ القرضاوي, يوسف: رعاية البيئة في شريعة الإسلام, القاهرة, دار الشروق, ط1, 1421ه / 2001م.