عمليات الضبط الاجتماعي
في المقاومة..
د.عصام محمد علي عدوان
[email protected]
يعرف الضبط الاجتماعي بأنه تلك العمليات التي تهدف إلى جعل سلوك
الأفراد متوافقاً مع ثقافة المجتمع. وفي الحالة الفلسطينية؛ يقوم الاحتلال الصهيوني
بعمليات متعددة تهدف إلى جعل سلوك الفلسطينيين متوافقاً مع حاجات الاحتلال
ومتطلباته، بما يحقق استمرار الاحتلال وديمومته. وقد تمثلت هذه العمليات في التحكم
في مناهج التعليم والتحكم في الاقتصاد وفي حركة التنقل والتجارة والإسقاط والتطبيع
وسياسة الجسور المفتوحة وفتح أبواب العمل في داخل الكيان وفرض اللغة العبرية في
الوثائق الرسمية، وغير ذلك. وقد مارس الاستعمار في كل البلاد التي وقعت فريسة له،
سياسة ضبط المجتمع على إيقاع أهدافه ومصالحه. وقد أثبتت وقائع التاريخ بأن تلك
السياسات أدت في المحصلة إلى الصدام معه. ومن ثمّ عمِد الاستعمار وهو عازم على
مغدرة البلاد التي استعمرها إلى خطة إلتفافية تلبي له حاجاته بأيدي وأدوات محلية،
فهيأ الظروف اللازمة لإبراز قيادات محلية تضبط مجتمعاتها بما يحافظ على مصالح
وأهداف الاستعمار. وقد حصل ذلك بالفعل في معظم الدول العربية إبان فترة استقلالها.
وفي فلسطين، استفاد العدو الصهيوني من خبرات الاستعمار، وقرر،
بعد سنوات طويلة من الاحتلال المباشر، أن يوكل مهمة ضبط المجتمع الفلسطيني إلى
قيادات فلسطينية من منظمة التحرير الفلسطينية، أبدت استعدادها للاعتراف به
والمحافظة على مصالحه، وتحقيق أهدافه في المنطقة، وحمايته. من خلال توقيع اتفاقية
أوسلو وما بعدها من اتفاقيات. وأصبحت مهمة الاحتلال الجديدة هي ضبط سلوك القيادات
الفلسطينية ليتوافق مع سياسات الاحتلال وأهدافه ومصالحه. وفي هذا السياق لجأ إلى
عدة إجراءات ما بين الترغيب والترهيب: كمنح هذه القيادات امتازات التنقل والسفر،
وطلبات لمّ الشمل لبعض عناصرهم وكوادرهم، والسماح للقادمين منهم من الخارج بجلب
أمتعتهم وإعفائهم من الجمارك، والحصول على تراخيص استثمارية لهم ولذويهم، وتقديم
تدريب أمني، وبعض السلاح الذي يسمح به، وتكثيف اللقاءات معهم في تل أبيب وغيرها،
وفي كل لقاء يمنحهم عدداً من بطاقات VIP
لمن يهمهم أمره. ويتناقش معهم في سبل تحقيق الاستقرار في مناطقهم، وفي سبل مكافحة
(الإرهاب) المشترك المتمثل في الحركات الإسلامية تحديداً. ويحصل منهم على ملفات
التحقيق التي يجرونها مع المعتقلين الفلسطينيين لدى سلطتهم. ويحرص العدو على
تعويدهم على تبادل الزيارات الرسمية وغير الرسمية، سواء في مدن عربية أو يهودية،
ويهدد بالقتل والحصار والإبعاد والحرمان كل من يفكر منهم بمخالفة أمره. ومع امتهان
القيادات الفلسطينية لهذه الأعمال وتعودهم عليها تنشأ علاقات عاطفية ومصالح وأفهام
مشتركة بينها وبين القيادات اليهودية، كفيلة بتمكين اليهود من ضبط وتنظيم وتوجيه
وإدارة المجتمع الفلسطيني بالطريقة التي تحلو لهم، وبسلاسة تفوق ضبطهم للمجتمع إبان
احتلاله المباشر.
إن محاولات الاستعمار غير المباشر في ضبط المجتمعات العربية
التي خضعت له في فترة الاستعمار المباشر، توشك أن تنتهي، وأن تنفك الشعوب العربية
من ربقة الاستعمار وأعوان ووكلاء الاستعمار الذين قادوا أمتهم برسم الاستعمار. وهذا
واضح في الثوارت الأخيرة في تونس ومصر، وستلحق بهما دول عربية عديدة، لأنه آن أوان
الانعتاق من ربقة الاستعمار وأعوانه. وما حصل في الدول العربية كفيل أن يحصل أيضاً
في فلسطين، عندما يأنِ أوان انعتاقها من الاحتلال الصهيوني ومن أعوانه ممن يتشدقون
– كسائر الرؤساء العرب – بأنهم يمثلون شعبهم. وشعبهم بما انحرفوا عن مبادئه منهم
براء. وإن الدرس الواجب تسجيله أن كل محاولات الاحتلال في ضبط المجتمع الفلسطيني
بشكل مباشر أو غير مباشر هي محاولات بائسة، ستأخذ وقتها ثم تنجلي. وهذه هي مهمة
المقاومة والشعب الذي يحتضنها. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.