تزييف وخداع

م. أسامة عبد الحفيظ السيد

( اللهم انصر اهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين اللهم من كان افجر واقطع لرحمه فأحنه اليوم !!! )

من تظن صاحب هذا الدعاء الفياض ؟ وفى اى موقف كان ؟

لعلك معي تحسبها لأول وهلة انها لنبي مرسل او صديق مقرب او تقى ورع متذلل !!

و لعلك معي تحسبها لأول وهلة أيضا ان صاحبها فى موقف للحق أبلج لا يحتمل ريبا ولا شكا !!

ولا ندرى – انا وأنت - فلعله أضاف إليها غيرة وحماسة وذلا وانكسارا وضراعة واستكانة ألهبت المشاعر وأفاضت المدامع وشدت السواعد إذ لم تكن هناك كميراث تنقل على الهواء مباشرة لنسمع ونرى !!

أليس كذلك !!!

العجيب الأعجب أنها لأبى جهل عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين !!!

و العجيب الأعجب منه انها كانت فى غزوة بدر وهو قائد الكافرين !!

والعجيب الأعجب الذى ليس بعده عجب انها ضد محمد النبي الكريم ( ص )!!!

 واحسب أن أثرها كان كبيرا على صفوف جيشه قناعة وحماسة وإقداما و ..الخ !!!

ألا تتفق معى أنه هو ذاته نفس خطاب التزييف والخداع الذي أنطلى و ينطلي على الطيبين من الناس والبسطاء بادي الرأي الذين تخدعهم الكلمات المعسولة دون تروى أو نظر

 لواقع يؤيد او يعارض

 وعمل يصدق او يكذب

وتجربة تحقق او تنفى

وأنه هو ذات خطاب التضليل والتزييف والخداع الذي خدع ويخدع به القادة والزعماء الأمة اليوم منذ عقود وعقود حينما ينو غناهم بإفقارنا وعزتهم بإذلالنا وحياتهم على موتنا ثم صوروا لنا أنهم لنا راعون ولأوطاننا حافظون ولأمننا ساهرون ولحريتنا عاملون ولمقدساتنا مدافعون وإنهم بالليل قبل النهار من اجلنا لا ينامون ولا هم ينعمون ولا يكادوا يأكلون ولاهم حتى يشربون !!!

 وانطلى ذلك علينا عقود حتى كدنا نصدق أنهم حولوا الماء الملح الأجاج فى أفواهنا الظامئة الى ماء عذب فرات !!

واليوم بعد ثورتنا المجيدة فى الخامس والعشرين من يناير لابد ان نعود الى رشدنا لنميز الخبيث من الطيب والمصلح من المفسد ويتولد لدينا ملكة الفرقان

إذ أن خطاب التضليل والتزييف والخداع لم ولن ينقطع يوما مادام فى الحياة ابو جهل وأقرانه وأمثاله وأبنائه وأحفاده وربما أساتذته وأشياخه !!!

 كما قال القرآن : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ فِي لا تفسدوا الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) (البقرة )

فإنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع , بل يضيفون اليهما السفه والادعاء بانهم مصلحون وهذا هو الغرور بالباطل ومن زين له سوء عمله فرأه حسنا وهو شأن كل مفسد يدعى انه مصلح فى نفس إفساده !!

 والذين يفسدون أشنع الفساد , ويقولون:إنهم مصلحون , كثيرون جدا في كل زمان . يقولونها لأن الموازين مختلة في أيديهم . ومتى اختل ميزان الإخلاص والتجرد في النفس اختلت سائر الموازين والقيم . والذين لا يخلصون سريرتهم لله يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالهم , لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية , ولا يثوب إلى قاعدة ربانية . . وهؤلاء هم من قال فيهم سبحانه يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون

وهم نوعان :

1 - المفسد العارف بفساده ولكنه يبرئ نفسه تمويها ومواربة ومخادعة – وما يخدعون الا أنفسهم-
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ ونستحي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) سورة الأعراف

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر: 26 يقول صاحب الظلال رحمه الله والحقنا به فى الصالحين: ولعله من الطريف أن نقف أمام حجة فرعون في قتل موسى

(إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد). .

فهل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال الوثني , عن موسى رسول الله - عليه السلام - (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)?!!

أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح ? أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل ? أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادى ء ?

إنه منطق واحد , يتكرر كلما التقى الحق والباطل , والإيمان والكفر . والصلاح والطغيان على توالي الزمان واختلاف المكان . والقصة قديمة مكررة تعرض بين الحين والحين . الظلال

والمستبدون لا يعوزهم اختلاق الحجج لتبرير جرائمهم وليس قلب الحقائق بالامر العسير عليهم ومن ثم اتهم فرعون موسى بتغيير الدين ونشر الفساد اى دين ؟ انه الحكم المطاق الذى يبيح لبشر مغرور ان يستعبد ويستذل العامة والخاصة

وهنا السؤال هل كان فرعون يعتقد انه إله وأن الشعب عبيده وأن موسى مبطل حينما قال ( ما اريكم الا ما ارى وما أهديكم الا سبيل الرشاد ) ؟

 الحق انه كاذب يستخف من حوله وأن هذا التغرير الظاهر تغطية للغرور الكامن فى نفسه وأنه يأنس من نفسه الافتراء ويواريه بهذا الادعاء – الاستبداد السياسى ( انتهى )

2         - المفسد بسوء التقليد للرؤساء والوجهاء ومن يتخذهم قدوة لاغيا عقله معطلا نظره حتى لا يعرف منشئ الفساد ومصادر الخلل ومز الق الزلل لمرض فى قلبه وحاجة فى نفسه !!!

وخطاب التضليل والتزييف هذا يفرض علينا

ان نفقه فقه الفاروق حين قال : لست بالخب ولكن الخب لا يخدعني

كما يفرض علينا ان نفقه فقه على كرم الله وجه حين قال للخوارج : كلمة حق أريد بها باطل فما اكثر كلمات الحق التي يراد بها الباطل في امتنا اليوم !!

 وخطاب التضليل والتزييف والخداع هذا يفرض ايضا : ان نفقه كلمات الباطل التى يراد بها الباطل !! كما قال القران ( اذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا يقولوا تسمع لقولهم ) إذ انها مزينة منسقة جميلة ظاهرها فيه الحق وباطنها فيه الباطل والزيف !! كما قال القران ( أنكم كنتم تأتوننا عن اليمين !! ) ولن يغنينا ذلك شيئا ولن تنفعنا شفاعة الشافعين !! ( قالوا بل لم نكونوا مؤمنين ) ومنه ذلك الخبر الذى قرأناه صبيحة الخميس الماضي 7/4، وزف إلينا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بحث مع الإسرائيلي شمعون بيريز سبل دعم الانتقال الديمقراطي فى مصر، واستعادة الاقتصاد المصري لعافيته بعد الثورة؟ !!! إنه دس السم فى العسل !!

لابد ان نرفض استغفالنا واستغباءنا او بلغة القرآن استخفافنا !! ( ولا يستخفنك الذين لا يوقنون )

وخطاب التضليل والتزييف والخداع هذا يفرض علينا ايضا :

ان نفقه أيضا كلمات الحق التى يراد بها الحق !! وهى فى أيامنا هذه غزيزه شحيحة !! ورجالها قلة قليلة ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) نسأله تعالى ان يجعلنا من اهل الحق الذين به يهدون ويعدلون