القدس عاصمة التمدن العربي

جميل السلحوت

[email protected]

عقدت "لجنة العشائر" في مفوضية التعبئة والتنظيم في حركة فتح  يوم الأحد 10 نيسان 2011الحالي "مؤتمرها الأول" في جامعة القدس، تحت شعار "القدس عاصمة العشائر العربية، ومع الاحترام للقائمين على هذا اللقاء، وللعشائر الفلسطينية، وللأعراف العشائرية، ولنفسي كوني ولدت وعشت ولا أزال في بيئة عشائرية، بل انني أنحدر من أصول بدوية عشائرية، فان شعار "القدس عاصمة العشائر العربية" لم يكن موفقا، ولا يليق بجنة السماوات والأرض، القدس الشريف معراج الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، ومهد المسيح عليه السلام، وحاضنة الأقصى الشريف، وكنيسة القيامة المقدسة، فالقدس العاصمة السياسية الأبدية للشعب الفلسطيني ولدولته العتيدة، وهي العاصمة الدينية والتاريخية والثقافية والعلمية للشعب الفلسطيني خاصة، وللأمة العربية عامة، وهي عروس مدائن العالم جميعه، فعندما بنى الملك اليبوسي العربي ملكي صادق مدينة القدس، وأسماها يبوس، واتخذها عاصمة لدولته قبل ستة آلاف عام، لم تكن أيّ من عواصم العالم قد قامت بعد، والقدس كانت تمثل منارة دينية وعلمية وثقافية عبر التاريخ، ففي القدس كانت مئات المدارس الدينية والعلمية التي درس فيها نوابغ وعلماء من مختلف أرجاء العالمين العربي والاسلامي، والقدس أمّها علماء وفقهاء لينهلوا من علمها، وليقوموا بالتدريس في رواق مسجدها الأقصى، يومها كانت العلوم والثقافة العربية الاسلامية هي السائدة في العالم.

والقدس تمثل النموذج المديني لحياة التمدن ليس في بلاد الشام فحسب، بل في كافة أرجاء العالمين العربي والاسلامي، والقدس القديمة التي تمثل نموذجا فريدا لحياة التحضر والتمدن على مستوى تخطيط المدن في العالم، عاشت عائلاتها المقدسية العريقة حياة الحضارة والتمدن بكل معانيها، حتى أن مدنا أخرى قامت قبل آلاف السنين حاولت الاقتداء تقليدا للقدس الفريدة العجيبة، لكنها القدس التي لم يستطع أحد بناء مثيل لها...هي القدس المدينة الأقرب الى عرش الرحمن من بقية أجزاء الكرة الأرضية...ألم يعرج منها خاتم الرسل والنبيين صلى الله عليه وسلم الى السماوات العليا؟

لذا فقد طمع بها الغزاة رغم صِغَرِ مساحتها وجلال قدرها، فهي المكان الذي باركه الباري وبارك من حوله أيضا، والغزاة الذين يسرقون جغرافيا المدينة يحاولون سرقة تاريخها أيضا، واذا عجزنا عن حماية الجغرافيا، فهل نعجز عن حماية التاريخ؟ أو هل سنساهم في إضاعة التاريخ المشرق لهذه المدينة؟ فاعذرينا يا حبيبتي يا قدس إن سهونا أو أخطأنا بحقك.

جميل أن يتم احتواء العشائرية والقبلية في كافة المناطق، والأجمل هو استغلال العشائرية وتوجيهها الى ما يخدم الشعب والوطن، لكن ليس على حساب حياة التمدن الذي تمثله القدس بعبق تاريخها وحضارتها، فلا دولة فلسطينية بدون القدس عاصمة أبدية وخالدة لها، ولا تاريخ ولا حضارة ولا علوم ولا تمدن بدون القدس، فلكل حجر ولكل زقاق ولكل بناية ولكل طريق ولكل مسجد وكنيسة وقبر وذرة تراب في القدس حكاية حضارة وتاريخ تمدن ماجد.

كنت أتمنى على القائمين على اللقاء آنف الذكر لو أنهم جمعوا الطاقات، وشحذوا الهمم لجمع تراث القدس القولي، وتدوينه في كتب، ووصف وتأريخ تراثها العملي، لأن المؤامرة التي تستهدف القدس بجغرافيتها وثقافتها وتاريخها ودور عبادتها تفوق الخيال والوصف، عندها سنستحق أن ندفن في ثرى المدينة الطهور المجبول بدماء الآباء والأجداد الذين تركوا لنا ارثا حضاريا اسمه القدس نفاخر به العالم ونطاول به السماء.