الإسلاميون على أعتاب حرب باردة جديدة
الإسلاميون على أعتاب حرب باردة جديدة
د. عامر البوسلامة
1- مدخل تاريخي: حول الحرب الباردة القديمة.
هو مصطلح أطلق على الحالة التي كانت سائدة بين الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة الأمريكية، من الفترة في منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات، وقد استخدم هذا المصطلح لوصف الاضطراب السياسي بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة.
مستشار الرئيس الأمريكي "بيرنارد باروش" في 16 أبريل 1947م عندما ألقى خطبة في كارولينا الجنوبية قال فيها: "دعونا لا نخدع أنفسنا نحن اليوم في حرب باردة"، كما أعطى الصحفي "والتر ليبمان" شهرة كبيرة للمصطلح عندما نشر كتابه بعنوان الحرب الباردة عام 1947م.
خلال هذه الفترة، ظهرت الندية بين القوتين العظيمتين، خلال التحالفات العسكرية والدعاية، وتطوير الأسلحة والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي، اشتركت القوتان في إنفاق كبير، على الدفاع العسكري، والترسانات النووية، وحروب غير مباشرة – باستخدام وسيط.
في ظل غياب حرب معلنة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قامت القوتان بالاشتراك في عمليات بناء عسكرية، وصراعات سياسية، من أجل المساندة، على الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، كانا حلفاء ضد قوات المحور، إلا أن القوتين اختلفتا في كيفية إدارة ما بعد الحرب وإعادة بناء العالم، خلال السنوات التالية للحرب, انتشرت الحرب الباردة خارج أوروبا إلى كل مكان في العالم، حيث سعت الولايات المتحدة إلى سياسات المحاصرة والاستئصال للشيوعية، وحشد الحلفاء، خاصة في أوروبا الغربية والشرق الأوسط، خلال هذه الأثناء، دعم الاتحاد السوفييتي الحركات الشيوعية حول العالم، خاصة في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، ودول جنوب شرق آسيا.
صاحبت فترة الحرب الباردة عدة أزمات دولية مثل أزمة حصار برلين 1948 – 1949م، والحرب الكورية 1950 – 1953م، وأزمة برلين عام 1961م، وحرب فيتنام 1959 – 1975م، والغزو السوفييتي لأفغانستان وخاصة أزمة الصواريخ الكوبية 1962م عندها شعر العالم أنه على حافة الانجراف إلى الحرب العالمية الثالثة، آخر أزمة حدثت خلال تدريبات قوات "الناتو" عام 1983م، شهدت الحرب الباردة أيضاً فترات من التهدئة عندما كانت القوتان تسعيان نحو التهدئة، كما تم تجنب المواجهات العسكرية المباشرة لأن حدوثها كان سيؤدي إلى دمار محتم لكلا الفريقين بسبب الأسلحة النووية.
اقتربت الحرب الباردة من نهايتها في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، بوصول الرئيس الأمريكي "روناد ريجان" إلى السلطة، ضاعفت الولايات المتحدة ضغوطها السياسية والعسكرية والاقتصادية على الاتحاد السوفييتي، في النصف الثاني من الثمانينيات، قدم القائد الجديد للاتحاد السوفييتي "ميخائيل جورباتشوف" مبادرتي "بيريستوريكا" (إصلاحات اقتصادية)، و"جلاسنوت" (مبادرة اتباع سياسات أكثر شفافية وصراحة)، ثم انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991م تاركاً الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في عالم أحادي القطب (منقول).
- واليوم يصرح كثير من الساسة، ويؤكده باحثون في السياسة الدولية، ومحللون سياسيون، وخبراء في العلاقات الدولية، على أن العالم اليوم، على أعتاب حرب باردة جديدة، وهذا الأمر بدت ملامحه ظاهرة، وبعض مؤشرات حصوله واضحة.
2- وهذا الأمر بالنسبة للحركات الإسلامية، والعاملين في الحقل الإسلامي، ما ينبغي أن نمر عليه مرور الكرام، وأن نسمع به من الأخبار، ونكتفي بهذا كمتفرجين، نترقب سقوط الصخرة علينا من رأس الهرم، دون تحرف لقتال، ولا تحيز إلى فئة، ولا أخذ بأسباب الوقاية، وقواعد الانطلاق في العمل النافع الذي يخدم ديننا، وينفع أمتنا، فالتدبير على قواعد الرشد والنجاة، والدفع بالفعل الإيجابي إلى الأمام، من الواجبات الشرعية، والقاعدة الفقهية تقول: "ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب".
3- لا بد من دراسة تلك الفترة بعناية بالغة، ورقميات دقيقة، ومعرفة خباياها وخططها ووسائلها وبرامجها، من خلال معرفة صحيحة وواقعية، لنستخلص الدروس والعبر، ونفيد منها للتجربة القادمة مع حرب باردة جديدة، مع دراسة مع الحركة الإسلامية والدعاة والعلماء والمفكرين الإسلاميين والعاملين للإسلام، كيف كان وضعهم، وما دورهم في تلك الفترة، وأين جوانب النقص، ومعرفة جوانب القوة، أين أصبنا؟ وأين أخطأنا؟ ما الذي يجب أن نتعلمه من تلك المرحلة؟ فالإسلاميون كانوا حاضرين، وكان لهم وجود ظاهر، ولكننا نحتاج إلى دراسة التفاعل مع تلك الفترة، حتى نضع النقاط على الحروف، للإفادة منها في قابل الأيام، وسواء أعاد التاريخ نفسه، أم كان غير ذلك، تبقى التجارب خزان خير لمن أراد الفائدة (خذوا من التاريخ عبرة).
4- والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ماذا ينبغي علينا أن نفعل في ظل مرحلة قادمة؟ لا شك أن فقه الساعة، وواجب الوقت، يملي علينا جملة من التدابير والوسائل والأدوات، التي تجعلنا في مقدمة الفاعلين في الحدث بطريقة صحيحة، ومن ذلك:
أ- الاهتمام بالتربية الإيمانية، وترسيخ قيم منظومة الأخلاق الناظمة لحراكنا، فأصل دعوتنا أن (الله غايتنا) ونحن نتعبد الله تعالى في شؤوننا كلها، وهي تعبير عن إيماننا بشمول هذا الدين في كل جوانب الحياة ومناحيها، ما أحوجنا إلى زيادة إيماننا بالطاعات لله تعالى، والتحقق بصدق العبودية له سبحانه وتعالى، فهذا زاد الخير، ومحطة وقود العمل، وأساس بنيان كل ما بعده. (كلا إن معي ربي سيهدين)، (لا تحزن إن الله معنا).
ب– العمل على صناعة الوعي المكافئ للحدث، بما يحتاج من وسائل وأدوات، فالتوعية بخصائص المرحلة ولوازمها، المدخل الصحيح، والمقدمة المنطقية، للولوج إلى مربعات العمل، توعية الأقرب فالأقرب، حتى لو استطعنا أن نصل إلى الناس كلهم، وجب علينا ذلك.
جـ– ومن أدوات الفعل المؤثر، الإعلام وأدواته وآلياته، بل هو لغة العصر المؤثرة، ذات الرقم الأول، والفنون جزء مهم من هذا الموضوع، من هنا، من الواجب على العاملين للإسلام، أن يكونوا على مستوى العصر والحدث، بامتلاك وسائل الإعلام ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فالذي لا يمتلك وسائل الإعلام، وأدوات الفنون، لا يستطيع الوصول إلى النقطة المقابلة، ولا شك أن من صفات مرحلتنا، أنها مرحلة "عصر العولمة"، والعالم أصبح كأنه قرية صغيرة، وهذا لا يكون إلا لمن ملك وسائط هذه الحقيقة، وإلا أصبح حبيس قريته وبلده وحارته، ومما لا ريب فيه، أننا أمام استحقاقات كبيرة في هذا الشأن، وتواجهنا تحديات ضخام، لكن لا بد من المجاهدة والمصابرة، حتى نحقق المراد أو بعضه.
5- نحن في زمن، ازدادت تعقيدات الحياة فيه، وتشعبت وسائل العمل، في كثير من أجزائه، وهذا يضعنا أمام تحديات المواكبة، تخطيطاً وتنفيذاً.
6- من سمات العصر، أن التخطيط يبنى على دراسات وبحوث، فهذا يدفعنا أن نعمل على إحداث المراكز البحثية والاهتمام بها، العمل الارتجالي ما عاد مقبولاً، التخطيط الآني لم ولن يثمر على المدى البعيد، فنحن بحاجة إلى التخطيط الإستراتيجي، الذي يصنع مستقبل الأمة.
7- صناعات الشراكة الوطنية النظيفة؛ ففي ظلها تحشد الطاقات، وتسد الثغرات، وتجتمع القنوات، ويد الله مع الجماعة، ففيها القوة، وتكون سبيلاً إلى المنعة، وردماً لمسارب الشيطان، وإغلاقاً لمنافذ التنازع؛ "وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".
8- الاهتمام بالعلماء العاملين، والفقهاء الربانيين، والمفتين الصالحين، ومنحهم المكانة التي يستحقون، فهم ملح البلد، ومراكز الإشعاع الخير في الأمة.
9- الاهتمام بالحراك الجماهير، ومنظماته، فمن مؤشرات النجاح، وصولك إلى العمق الجماهيري، حتى يقتنعوا بك، وحينها يحمونك، ويحملون عنك، ويتعاونون مع مشاريعك، وفي سيرة رسول الله – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – أسوة سنة، لمن قرأ سيرته بعمق، وأفاد منها بلغة الدرس والعبرة والعظة.
10- الاهتمام بالشباب، فهم عنوان التفاعل والعمل، وبقدر ما تكون الحركة مليئة بالشباب، بقدر ما تؤكد على امتلاك الثروة البشرية، التي تدفع نحو الأمل والعطاء.
11- المرأة لها دور كبير في الحياة، وهي ركيزة من ركائز المجتمعات، وهن شقائق الرجال، من هنا لزم العناية بها، عناية تستمر فيها جهودها وطاقاتها، بما يتناسب مع فطرتها وخلقتها، ولو كان ذلك كذلك، أتى منهن العمل الإيجابي، والفعل المؤثر الذي من خلاله تبنى الحياة.
هذه ملامح عامة، أردت لفت الأنظار إليها، ونحن نواجه تحديات ضخمة، لعلها تكون فاتحة خير، لعمل أكثر نضجاً، وفكر أوسع مما نحن فيه، وصورة انطباق لحركة، تملأ الحياة خيراً.