الطاغوت
عبد المعز الحصري
[email protected]
قال الله تعالى
"ومن
يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع
عليم
"
قال- سيد قطب رحمه الله - في ظلال القرآن ج1ص371 :
إن الكفر ينبغي أن يوجه إلى ما يستحق الكفر ، وهو { الطاغوت } . وإن الإيمان يجب أن
يتجه إلى من يجدر الإيمان به وهو { الله } .والطاغوت
صيغة من الطغيان ، تفيد كل ما يطغى على الوعي ، ويجور على الحق ، ويتجاوز الحدود
التي رسمها الله للعباد ، ولا يكون له ضابط من العقيدة في الله ، ومن الشريعة التي
يسنها الله ، ومنه كل منهج غير مستمد من الله ، وكل تصور أو وضع أو أدب أو تقليد لا
يستمد من الله
. فمن يكفر بهذا كله في كل صورة من صوره ويؤمن بالله وحده ويستمد من الله وحده فقد
نجا . . وتتمثل نجاته في استمساكه بالعروة الوثقى لا انفصام لها
1-
دوام الملك للملك
قال ابن خلدون : انّ الملك لايتم عزه الا بالشريعة ، والقيام لله بطاعته، والتصرف
تحت أمره ونهيه، ولا قوام للشريعة الا بالملك، ولاعز للملك الا بالرجال، ولاقوام
للرجال الا بالمال، ولاسبيل الى المال الا بالعمارة، ولاسبيل للعمارة الا بالعدل،
والعدل : الميزان المنصوب بين الخليفة ، نصبه الرب وجعل له
قيّما هو الملك (1). قلت : لقد وضّح ابن
خلدون استمرارية الحكم للحاكم وفي ذلك سعادة الحاكم والمحكوم في الدنيا والآخرة
"
طه ، ماأنزلنا عليك القرآن لتشقى "، " وأما الذين
سعدوا ففي الجنّة " ، والقاعدة في ذلك ألا وهي الرجل المناسب في المكان
المناسب ، وكذلك المرأة عند انتقالها الى بيت الزوجية فهذه أو ذاك بحاجة الى دورة
تدريبية مكثفة ، بل ومكثفة جدا وحسب الاصول ، حتى يدخل الكل في رضى الله وتعمر
الأرض بنعم الله التي لاتعد ولاتحصى " ولو انّ أهل
القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولأكلوا من فوقهم ومن تحت
أرجلهم.." وما القحط والجدب والطلاق والخراب ...الا من أنفسنا
"وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "
2-
الأبالسة الصغار يتقنون درس إبليس الأكبر
عندما
يكون أشباه الرجال يتقنون فنون إبليس الأكبر وينفذونها حرفيا
كصورة طبق الأصل ومصدقة حسب الأصول المعتمدة، حتى
وان كان مسقط رأسهم مكة المكرمة أمثال أبي لهب ، والشّارون لغضب الله ولعنة الناس
أجمعين عند ذلك يستحقون شهادة نوبل مع شهادة تقدير وتقريب
من إبليس اللعين الذي ينصب عرشه على الماء ويبث جنده ليفعل كل واحد منهم ما
يقربه منه فمن الأبالسة من يفرقون بين المرء وزوجه بالقتل أو القصف أو السجن ولكن
بالجملة، وهذا – اي إبليس الصغير – هو ابنه المدلل والمقرب لإبليس الأكبر وصدق
القائل :
كنت جنديا من جنود إبليس فارتقى بيّ الحال فأصبح إبليس من جندي
لقد قال فرعون كلمة ما قالها إبليس
"أنا ربكم الأعلى " ،"
ما علمت لكم من اله غيري " وكل الناس يعلمون
أنّ فرعون كان جنديا من جنود إبليس فارتقى به الحال فساد على سيده وأصبح مضربا
للمثل ، فان أبالسة الجن يغوون الإنس بالوسوسة " من شر
الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنّة والناس " بينما
أبالسة الأنس يغوون الناس بأحبال الشر كلها ويكرهونهم عليها إكراها فهذا إبليس
يقول في خطبته " وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن
دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلومني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني
كفرت بما أشركتموني .." وهنا لابد من ذكر البلطجية الذين هم تلاميذ البلطجي
الكبير والذي هو إبليس – وقد نظلم إبليس في هذا – أو فرعون ولكل أمة فرعونها
وطاغوتها والذي يسن لنفسه قتل النفس التي حرّم الله قتلها -"يقتّل
أبناءهم...."- بتأييد قانوني يسنّه لنفسه ويوافق عليه مجلس كله شغب وهرج
ومرج ورئيس وزرائه هامان وقارون مع التصفيق الحار والحار جدا وكأنّهم حمامات سلام
يردنّ أن يطرنّ وفي منقارهم عود زيتون يرمز إلى السلام ، ويُبدوا للناس أنّ قصدهم
شريف ولكنّ نيتهم عاطلة وقد يَبدوا للبعض تسليح الضعيف والدفاع عنه ثم الانقضاض
عليه كما حصل في أفغانستان وغيرها ، ومتى كان الذئب راع للغنم بترخيص شرعي . انّ
الطواغيت يخلِّفون طاغوتا عنهم وطبق الأصل كما حصل في استنساخ النعجة دولِّي
3-
سنة الله في الطواغيت
إن سنة الله في قصم الطواغيت وزلزلة عروشهم وسقوط شرفاتهم وفضح شرفهم المزيف إنما
يأتي عليهم وهم في عنفوان التكبر والجبروت.
هذا فرعون وهو يقول :ـ " ما علمت لكم من إله غيري " و "
أنا ربكم الأعلى "ـ " فأخذه الله نكال الآخرة والأُولى " . و
" إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم " ،
وهذا قارون يخرج في زينته وتكبره فيخسف الله به الأرض
" فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا يَاَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ
خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ
(80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ
يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) "
وهؤلاء قوم عاد أعلنوها تجبراً وتكبراً : "
فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ
أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ
أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ " فصلت:الآية 15 .
فمهما كان للطاغوت سواعد من أخطبوط الشر فإن بيته واهن كبيت العنكبوت، والطواغيت
يبتغون العزة بغيرالله فيذلهم الله أيّما إذلال وتَخِرُّ عروشهم من صيحة " الله
أكبر " تخرج مجلجلة من لسان رطب وقلب مطمئن بذكر الله وسواعد طاهرة ونفس تواقة
للشهادة أو النصر .
4-
تعددت الأسباب والموت واحد
هذا الكلام في زماننا قد يقابله قولي: تعددت المناهج والمدرس واحد أو توحدت
المناهج والمدرسة واحدة -، فما نراه في فلسطين وغزة هاشم نراه على أرض عمر المختار
واليمن ، والمدرسة هي مدرسة واحدة ألا وهي مدرسة ابن صهيون
وتوحيد المناهج في القتل هو هو " في الرأس أوالصدر " حيث توضع التيجان والأوسمة
الربانية لمن اتخذهم الله واصطفاهم ليكونوا شهداء للحق أحياء عند ربهم يرزقون فرحين
بما آتاهم الله من فضله، وقد كنا أيام زمان نسمع من يطالب بوحدة الامة "زورا
وبهتانا" وكنا نصدق ذلك ونحن دون البلوغ وكان شعارنا الصباحي في المدرسة – قبل أن
نعرف أين تقع الجزائر"وعقدنا العزم أن تحيى الجزائر
فاشهدوا فاشهدوا
فاشهدوا " هذا كان في الخمسينات من القرن العشرين أما في يومنا هذا بعد أن
فرّق الاستعمار الجديد أهل البيت الواحد أصبح شعارنا لا معنى له ولا طعم ولا رائحة
حتى ولا حياة فيه لنخوة العربي وشرفه إلا ما رحم ربي من الأشراف الذين يخفق قلوبهم
حبا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وآل بيته ويدعون في صلاتهم بأن يرزقهم الله صلاة
في المسجد الأقصى.
5- رحيل الطواغيت وجزاؤهم في الدنيا والآخرة
شعار الطاغوت المتجبر المتكبرعند رحيله الذل والصغار
"وَإِذَا
جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ
اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ
أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ"
الأنعام : 124
وقد يكون ضربه بالنعال بعض جزائه في الدنيا فيبعث على ما مات عليه ثم يكمّل عليه
في الآخرة دوس الناس عليه بأقدامهم " ربنا أرنا
الذين أضلانا من الإنس والجن نجعلهما تحت أقدامنا " ، ولنضرب مثلا على
أحدهم للعبرة ، قال في قصص القرآن (2) : جمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس ،
فأرسل الله عليه ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها عليهم فأكلت لحومهم
ودماؤهم ...ودخلت واحدة في منخر الملك ...فكان يُضرب رأسه بالمرازب حتى أهلكه الله
عز وجل بها . قال مجاهد وغيره (3) : " ... قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة :
مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان : ذو القرنين وسليمان ، والكافران : النمرود وبختنصر "
قلت :تقول التفاسير أنّ النمرود هو الذي حاجّ إبراهيم في ربه،وأراد أن يبين للناس
أنه اله ، فبهت الذي كفر بعد أن قامت عليه الحجة ، وهو الذي أراد إحراق إبراهيم
عليه الصلاة والسلام في النار ، قلت كما قالوا ا ن التاريخ يعيد نفسه – إن صح
التعبير – فان الأحداث في التاريخ تتكرر متشابهة لأخذ العبرة والعظة لمن كان له قلب
أو ألقى السمع وهو شهيد فان رجلك لن تستطيع أن تضعها في النهر مرتين ، وما فات مات
ولك اللحظة أو النفس الذي أنت فيه ،
فاعتبروا يا أولي الأبصار واستعدوا أيها الناس ليوم الرحيل فالكل يفنى ويبقى
الواحد القهار و" إنا لله وإنا إليه راجعون " فالموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
(1)
مقدمة ابن خلدون :الفصل الثالث والأربعون
(2)
قصص
القرآن لابن كثير تحقيق الدكتور الجميلي ص 142
(3)
قصص
القرآن لابن كثير تحقيق الدكتور الجميلي ص140