الأرض محور الصراع

جميل السلحوت

[email protected]

يحيي الشعب الفلسطيني هذا اليوم الذكرى الخامسة والثلاثين ليوم الأرض، الذي انطلق في مثل هذا اليوم من عام 1976، وسقط فيه شهداء وجرحى فلسطينيون دفاعا عن الأرض التي تشكل محور الصراع الشرق أوسطي، فالفلسطينيون ومن خلال ممثلهم الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، أعلنوا مرات كثيرة ومنذ نوفمبر 1988عن استعدادهم لانهاء الصراع من خلال تمكينهم من حقهم في تقرير مصيرهم، واقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلت في حرب حزيران 1967، وايجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، كما جاء في قرار مجلس الأمن الدولي 242 الصادر في نوفمبر 1967، وكما جاء في خطاب بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة يوم أمس في اجتماع دول أمريكا اللاتينية وحوض الكاريبي، لكنهم لم يجدوا حتى الآن شريكا اسرائيليا مستعدا للوصول الى سلام دائم وعادل، يحفظ حقوق دول وشعوب المنطقة، ويجنبها ويلات حروب حصدت أرواحا كثيرة من أطراف الصراع، وكلفت مليارات الدولارات التي كان بالإمكان استثمارها في رفع المستوى المعيشي للشعوب في مختلف المجالات، فحكام اسرائيل يتمترسون خلف أيدولجيات دينية صهيونية لا يزالون يحلمون بـ"أرض اسرائيل الكاملة" والمقصود فلسطين التاريخية، بل منهم من يرى أن"أرض اسرائيل" تتعدى ذلك باتجاه الشرق، لذلك فهم يعملون ليل نهار على استيطان الأرض الفلسطينية المحتلة  التي يجمع العالم على ضرورة اقامة الدولة الفلسطينية عليها، بل انهم يطرحون يهودية الدولة في محاولة منهم للخلاص من الفلسطينيين الذين يقيمون في بيوتهم وأرضهم داخل اسرائيل منذ آلاف السنين، وقبل أن تقوم دولة اسرائيل في أيار 1948، ولدى الاسرائيليين قوانين عجيبة غريبة للاستيلاء على الأرض الفلسطينية بشتى الوسائل من أجل البناء الاستيطاني اليهودي عليها، أو حتى ليستعملها المستوطنون كأراض زراعية.

وواضح أن حكام اسرائيل لا يزالون غير مقتنعين بأن السلام العادل هو مصلحة مشتركة بين أطراف الصراع، وليس مصلحة فلسطينية وعربية فقط، ويساعدهم في هذا الفهم الدعم اللا محدود من أمريكا وفي مختلف المجالات، كما أن ترهل النظام العربي الرسمي يشكل عاملا مساعدا هو الآخر، وامعانا من الحكومة الاسرائيلية الحالية في تحقيق سياساتها التوسعية، فانها تنظر للشعب الفلسطيني وللسلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة وكأنهم رهائن بأيديها، فنتنياهو الذي تساءل في مختلف المحافل الدولية أكثر من مرة، مستغلا الانقسام الفلسطيني بين فتح في الضفة الغربية، وحماس في قطاع غزة: مع من نعمل سلاما، مع حكومة عباس في رام الله أم حكومة حماس في قطاع غزة؟ نجده يبدي مخاوفه من المصالحة الفلسطينية، وقد قال أكثر من مرة أمام وسائل الاعلام: على عباس أن يختار السلام مع اسرائيل أو مع حماس في قطاع غزة التي لا تعترف باسرائيل، واذا كان نتنياهو يعلم بأن حركة حماس لا تعترف باسرائيل، فانه يتجاهل أن تحالف حكومته لا يعترف بأي حق للفلسطينيين، بل ان حزب"اسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه وزير خارجيته ليبرمان يدعو الى الطرد الجماعي للفلسطينيين، وكان سبق له أن هدد بتدمير السد العالي في مصر لإغراقها بمياه النيل مع انه تربطها باسرائيل معاهدة سلام، كما سبق له ولنتنياهو ولآخرين أن طالبوا باقامة الدولة الفلسطينية في الأردن التي تربطها معاهدة سلام مع اسرائيل.

ومع أن اسرائيل وحليفتها أمريكا تراقبان الثورات الشعبية الجارية في العالم العربي، وخصوصا ثورة الشباب المصري، الا أنهما لم تستوعبا بعد أنه لا يمكن الجمع بين السلام والاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة، وأن الأمن الذي تلوح به اسرائيل دائما لن يتحقق لها ولغيرها الا من خلال السلام العادل والدائم، وليس من خلال السيطرة على اراضي الغير واستعباد شعب آخر، وكل السياسات الاسرائيلية تدل على عدم استعداد اسرئيل للتخلي عن الأراضي المحتلة، وأن ما تريده هو "السلام" القائم على الاحتفاظ بالأراضي المحتلة واستيطانها بالقوة، وبهذا فان الصراع سيبقى مستمرا ما لم تتدخل الدول الكبرى ذات النفوذ وذات المصالح في المنطقة  لفرض حلّ عليها.