آباء النصر ..وأبناء الهزيمة

نوال السباعي

[email protected]

المذبحة في ليبيا لم تبدأ بعد بكل أبعادها التي يمكن تصورها ، ولكن شبحها يتمدد بدعم من أنظمة عربية تخشى الثورة والسقوط، وقلةِ حيلةِأنظمةٍ اخرى تظن في نفسها القدرة على النجاة، مذبحة معلنة على "مرمى زورق" من اوربة ، تجري تحتبصر "العالم المتحضر" المجعجع بالقيم الحضارية الديمقراطية الغربية ، التي يتدخل باسمها عسكريا وإعلاميا أينما شاء وكيفما شاء ،لكن تعقد شبكة مصالحه اليوم في ليبيا وفي منطقة شمال إفريقيا بِرُمّتها تمنعه من التدخل الذي يطالبه به الشعب المغلوب على أمره، في زمن الهيمنة الغربية على مقاليد الأمور.

 ولكن عن أي تدخل نتحدث ؟! عن تدخل بالمعنى المعكوس تماما!، عن رفع يد المستعمر عنّا جملة وتفصيلا ، وهذا كمن يطلب المستحيل !، بسبب من العلاقات المصيرية بين الغرب بشقيه وبين النظام السياسي الحاكم في المنطقة العربية ، فاذاكان العالم لايريد مساعدة الثوار ، فليكف يده عن مساعدة الجلاد !!، كأن يحول دون أن تصله شحنات الأسلحة المتدفقة عليه من دول غربية وعربية ، وأن يلجمه عن شن حربه على وسائل الإعلام والصحفيين الذين يريدهم أن يكونوا في خدمة أكاذيبه أو في القبور ، وأن تُمنع  اسرائيل من تقديم الدعم بالأفكار والوسائل وإدارة المعركة إعلامياً وعلى الأرض.

الإدراة الأمريكية ستوافق على الحظر الجوي في سماء ليبيا ، ولكن ..بعد ان ينجز أبناء القذافي– الماشاء الله عليهم ..البارين بالوالد وملياراته ! - سحق الثورة ، والقضاء على الثوار ، أي القضاء على كل إرادة للحياة والحرية لدى هذا الجيل من أبناء ليبيا!، سيرغم الغرب دولا عربية على تقديم الأدوات العسكرية اللازمة لهذا الحظرفي سياق تصفيات حساباتها الشخصية مع العقيد، وقيام الغرب بالمهام الصعبة التي لايتجرأ العرب على القيام بها بأنفسهم!، وستدفع هذه الدول فواتير كل مايلزم ، على أن تعود الفائدة وفقط من هذه العملية على الغرب بشقيه الاوربي والامريكي ، لأن العجز وصل بالعرب أن لايستطيعوا تحريك ساكن ، ولاتسكين متحرك إلا بموافقة المهيمنيين على البيت الأبيض !، الذين يعلمون،أن كل حساباتهم في ليبيا ومعها مشروع "المغرب العربي الموحد"، ستنتهي ضد مصالحهم الآنية والمستقبلية .

بعد أن انجلى المشهد في تونس عن هرب "بن علي" - والذي سيذكره له التاريخ على أنه الخدمة الأجلّ والأكثر نبلاً التي قدمها حاكمٌ عربي لشعبه في بداية ثورة المنطقة الكبرى- ركب أوباما الموجة ، وخرج علينا بتصريحاته المشجعة ، ويوم بلغ ضغط عزم الملايين المصرية أوجَهُ في ساحة التحريرعلى الرغم من الضحايا وسيل الدماء ، تَبَنّى "أوباما" الثورة المصرية ، حتى لكأنها ابنة عينه اليمنى - دون أن ننسى تبعية الجيش المصري للإدارة الأمريكية بعتادهوميزانيته- ، فالنصر حلو جميل ، يتمنى الجميع أن يكونوا آباءه الشرعيين ، وكل منهم يدّعي وصلا به!، أما مشكلات النفط العويصة ، وضبابية هوية الثورة ، و..الهزيمة والأشلاء والآلام ، فهي أولاد يريد الجميع الفرار منها ، ولايمكن لأحد أن يحملها بين يديه ويضمها إلى صدره ، إلا أمها الحقيقية ، التي يجب عليها الاضطلاع بمسؤوليتها عنها .

 على الأمة من المحيط إلى الخليج أن تعرف أن هذه الثورة التي اشتعلت من سيدي بوعزيز هي ثورتها ، وأن كل ماحققته جماهير تونس ومصر هو ملك لها، وأن أبناء ثورة ليبيا هم أبناءها ، وكما غنّت للنصر ، فعليها أن تتداعى اليوم لنصرة ليبيا ، برفد الثورة بالرجال والعتاد والمال والخبرة والنصرة، وبالإعداد والاستعداد لأيام قد تكون طويلة عصيبة مؤلمة ، بعد أن تورط النظام في طريق الانتحار التاريخي، وبعد أن وقع الثوار في أخطاء استراتيجية ، ساهم فيها ومن حيث يدري أو لايدري الإعلام العربي الذي استدرك الموقف متأخرا.

يجب أن نستعد لأيام الإخفاقات والمحن ، كما نتبنىنجاحات النصر ونقطف ثمارها، لقد اجتهد الليبيون لرفع الظلم عن أنفسهم ، ولاتثريب عليهم ، فلقد بذلوا أقصى مايمكنهم لدفع الظلم الفاحش عنهم ، ولابد للأمة ، أن تبدأ بالعمل لنصرة أهل ليبيا ، وقد خذلهم الجمع ، فإن آباء الانتصارات ومدّعوها كُثُر ، ولكن أبناء الهزيمة ، هم أبناؤنا ، أكبادنا التي خرجت أخيرا على الظلم المربع الذي يستند إلى قدرة مذهلة على البهتان والتلفيق والبطش، ومن حقهم علينا أن نقوم بالواجب الذي تفرضه علينا هذه المعركة ، معركة الحرية والكرامة والحياة.