قصة نجاح من باكستان

علي الرشيد

[email protected]

يرتبط النجاح بالإنجاز أو بلوغ الهدف، وقد أعجبني ما أورده الشاعر الفرنسي لامارتين عن عظمة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والتي اختصرها في ثلاث نقاط رئيسة: عظمة الإنجاز، وقصر الوقت، ومحدودية الإمكانات. 

وعادة ما يحبب إلى الناس الاطلاع على قصص وتجارب النجاح للعلماء والمخترعين والمصلحين، وكبار رجال الأعمال وأصحاب الأموال، والقادة والزعماء والساسة خاصة العصاميين منهم أو من بدؤوا مشوار المجد من الخطوة الأولى وامتزج نجاحهم بالنضال والكفاح والعرق.. ويعود ذلك لأنها تمثل لهم مصدر إلهام، وحافزا مهما على التأسي والاقتداء، خصوصا أصحاب الطموح.

تصلني من حين لآخر في إطار رجع الصدى تعليقات من القراء على مقالاتي التي تنشر في هذا المنبر الصحفي وغيره، بعضها يثني على ما ورد فيها، وبعضها الآخر يستنكر أو يستهجن ما طرح من خلالها، وبعضها يعقّب أو يضيف.. ومثل هذه التعليقات غالبا ما تكون مفيدة تنبّه الكاتب أو تلفت انتباهه لقضايا معينة، أو تدفعه للمراجعة، أو يستلهم منها موضوعات إضافية..

إثر نشري مقالتين متتاليتين في "الشرق" في شهر يناير الماضي عن: غربة أجيالنا عن لغتهم الأم.. مخاطر وتحديات، ومبادرات ردّ الاعتبار للعربية الفصحى لدى الأطفال والشباب، وردتني رسالة إلى بريدي الإلكتروني في إطار التفاعل ما جاء فيهما تشتمل على قصة نجاح في مجال تعليم العربية الفصحى للأطفال أثلجت صدري لأنها أولا: تحققت بمجهود فردي استغرق رحلة مثابرة ومصابرة بلغت مدتها قرابة خمسة أعوام، وثانيا: لأن المتقِنة للفصحى التي استمعتُ إلى مقاطع فيلمية لها طفلة أعجمية من أبوين أعجميين واسمها "آسيا"، ولأن من درّبها (أبوها) أعجمي وليس عربيا ومنذ أن كان عمر ابنته الصغيرة سنة واحدة، وثالثا لأن الدافع وراء هذه القصة حبّ الأب وهو الكاتب والأكاديمي "عارف صديق" للعربية باعتبارها لغة القرآن ولسان أهل الجنة.

وقد رأيت أن أشرككم فيها عسى أن تحرك في أرباب أسرنا العربية الحافز لرد الاعتبار للغتنا الفصحى الجميلة لدى أطفالهم منذ الصغر فتبقى عذبة على ألسنتهم، أثيرة إلى نفوسهم، راسخة في وجدانهم حتى الكبر. 

تأثّر السيد "عارف صديق" بمحاضرة حضرها بالدوحة للدكتور عبد الله الدنان صاحب نظرية "تعليم العربية الفصحى بالفطرة والممارسة"، والتي عرفت قبل ذلك في عدد من الدول العربية منها: السعودية وسوريا وغيرهما، وأعجب بتجربة الدنان التي طبقها على ابنه طفله "باسل"، والتي تتلخص بعدم الحديث معه بالبيت إلا بالفصحى، وهو ما أدى إلى إتقان "باسل" للفصحى عندما بلغ من العمر ثلاث سنوات.

تعتمد طريقة الدنان على ما كشفه العلماء واللغويون النفسيون مثل (تشومسكي 1959م)، في طَريقة تحصيل اللغات، وتتمثل في قدرة الأطفال من الولادة وحتى سن السادسة على اكتساب اللغات فطريا، لأنهم يولدون وفي أدمغتهم قدرات هائلة على بلوغ ذلك، مما يمكّنهم من إتقان لغتين أو ثلاث في آن واحد، وبحيث لا يحتاجون إلى إعطائهم قواعد اللغات، بعكس الطريقة المكتسبة للغات والتي تكون بعد السادسة.

وإثر ذلك قرر تطبيق التجربة على ابنته " آسيا" وكان عمرها سنة فقط وقرر التحدي رغم أنه وابنته ليسا عربيين، ومنذ ذلك الحين لا يتحدث معها في البيت إلا بالعربية الفصحى وليس بـ " الأردية". 

شرح لي كيف بدأ تعليمها العربية الفصحى مستخدما أسماء الأشياء المحيطة بها في البيت مثل المروحة، والباب أو الأنف.. من خلال الحديث التلقائي والتحاور الشفهي. 

أكد أن النتيجة كانت مذهلة عند بلوغ "آسيا" عامين من عمرها، فاقت توقعاته، إذ كانت حصيلة مفرداتها 300 كلمة عربية، وعند إكمالها سن الثالثة بلغت 800 مفردة من العربية الفصحى، فضلا عن حفظها بعض الأشعار، ومعرفتها بالفطرة جعل المفرد مثنى واستخدام حروف الجر وتصريف بعض الأفعال وغير ذلك، أما الآن ومع قرب إتمام عامها السادس فإنها ـ كما ورد في رسالته ـ تتقن تماما العربية الفصحى محادثة وفهما، وأما القراءة فسبعين في المائة، ويعزز أبوها لغتها العربية من خلال توفير أناشيد تستمع لها من الشبكة العنكبوتية، وشراء قصص لقراءتها.

وللعلم فإن الطفلة آسيا تجيد ثلاث لغات هي: العربية، والإنجليزية التي تعلمتها عن طريق المدرسة، إضافة إلى لغتها الأم (الأردية).

ولم يفت عارف صديق ـ والد آسيا ـ المقيم في "إسلام آباد" حثّ أولياء أمور الأسر العربية على توفير بيئة اللغة العربية لأطفالهم في بيوتهم ليتمكنوا من إتقان الفصحى في الصغر، وشدد على أنه رغم كونه أعجمي نجح مع العزيمة في تجربته، فكيف بالعرب أصحاب اللغة الأصليين. 

فهل تجد هذه الدعوة الكريمة آذانا صاغية.. نرجو ذلك.