رجال مصر أم رجال حماس

رجال مصر أم رجال حماس؟

مخلص برزق*

[email protected]

هي ثورة رغم أنف كل الطغاة، ومادام أصحابها (شباب مصر وفتياتها) أعلنوها ثورة على الاستبداد والطغيان، فإن الثورة تحمل في طياتها معنى الإرادة بسقفها الأعلى، فالشعب أراد في يوم من أيام الله الحياة في تونس، فاستجاب لهم القدر وأزاح عنهم كابوساً جثم على صدورهم عقوداً من الزمن، والشعب المصري لم يكن أقل عزماً وإرادة من نظيره التونسي فأعلن أنه "يريد إسقاط النظام"، يريد إسقاط الرئيس، يريد إزالة الفساد والفاسدين، وقد اتضح حتى هذه اللحظة أنه في حرب الإرادات التي يخوضها مع ذلك النظام قد سجل نقاطاً عديدة في اتجاه تحقيق أهدافه ومطالبه..

الشعب المصري أظهر صورة زاهية مشرقة لمصر حاول الطغاة يائسين تشويهها وطمس أنوارها، وأبى شباب مصر إلا أن يزيلوا كل ما علق بها من شوائب وتشوهات سببها حكم ظالم سلط سياط بطشه على الشعب المصري، وطال كل الشعوب الحرة المحبة لمصر والمتطلعة لدور كبير عظيم بحجم مصر..

شباب مصر أثبت أنه حضاري بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وواجه بغال وحمير وخيل وإبل النظام بأرقى أدوات القرن التكنولوجية من مواقع الفيس بوك وتويتر وجوجل وغيرها، مع لغة سلمية راقية واتزان بالغ في طرح مطالبه، وتنادى لحقن الدماء رغم شراهة النظام وشهيته لإسالتها بكل وسائل الإجرام والبلطجة..

لقد انتظم عقد شباب جميل رائع واعٍ متسلح بإرادة حديدية صلبة لا يملك النظام إزاءها إلا استخدام كل وسائله القذرة لكسرها وتطويعها، ومن ذلك محاولة تشويه صورة ثورته بكل طرق الكذب والدجل والتزوير التي يحترفها ذلك النظام كوسيلة استراتيجية من وسائل بقائه في السلطة، ومن يتابع التلفزيون الرسمي ومعه قناة العربية يذهل بالقدرة العجيبة على قلب الحقائق وتزييفها، وقد كان من ضمن محاولاته المستميتة للطعن في هذه الثورة العظيمة محاولة سلخها عن إرادة الشعب المصري والشباب المصري ونسبتها لأطراف خارجية، والإيحاء بأنه يتم توجيهها عن بعد لصالح أجندات مغرضة هدفها النيل من الأمن القومي المصري، ولم يتوان الإعلام الرسمي أن يردد أكاذيب ممجوجة بأن عناصر مندسة بين المتظاهرين هم من حركة "حماس"!! ثم هو يسارع إلى اتهام الحركة بالوقوف وراء انفجار الأنبوب الذي يزود الكيان الصهيوني بالغاز المصري بترديده عقب الحادث بزمن يسير أن هناك عناصر أجنبية نفذت هجومها عليه لزعزعة أمن مصر واقتصاد مصر وإرباكها في محنتها..

وبغض النظر عن الجهة التي تقف وراء ذلك الانفجار فإن صفقة تصدير الغاز المصري بشروطها المهينة وبما تنطوي عليه من عجز واستكانة أمام عدو مصر والأمة من جهة وما تمثله من خيانة لدماء شهداء مصر وفلسطين والأمة من جهة أخرى، كل ذلك جعلها صفقة عار في جبين كل مصري شريف، وجعل إيقافها مطلباً لكل مصري يغار على سمعة بلده وشعبه وتاريخ مصر العظيم.. إنها بنظر الشباب المصري المنتفض إحدى جرائم النظام الذي يريد إسقاطه. ومن هنا فإن إرادة الشباب لإيقافها لا تقل عن إرادته في رحيل النظام المتسبب بها.. فهل ينقص مصر رجالاً لإحداث ذلك التغيير حتى يقوم رجال حماس بذلك الأمر؟

إن مما يريده نظام الفوضى الرسمي الهزيل عبر إعلامه المضلل تقزيم دور الشباب المصري وتحجيم إسهاماته في التغيير وتصويره بمظهر العاجز الضعيف لتضليل الشارع المصري وابتزاز شبابه وتشويه ثورته المباركة، مع إرسال رسالة خبيثة للغرب بأن سقوطه يعني التمكين للحركات المناهضة لوجود الكيان الصهيوني في المنطقة..

إنه نظام غبي كريه يحاول التذاكي في الزمن الضائع، ومن استمع للحوار الذي دار بين مذيع قناة العربية وأحد أتباع ذلك النظام في مدينة الشيخ زويد بسيناء يشعر بحجم التضليل المفضوح الذي يحاولون تسويقه على عقولنا.. فالمذيع يتساءل بغباء مستفز عن كيفية وقوع الحادث وإن كان ذلك بفعل صواريخ أو مقذوفات!! ليرد عليه الأغبى منه أن أحداً من الشهود لم ير صواريخاً وقت حصول الانفجار!! وأن من المرجح أن تكون عناصر متسللة من قطاع غزة قد زرعت متفجرات أسفل منه.

ولأن كل الاحتمالات واردة فليس مستبعداً أيضاً قيام النظام نفسه بتفجير ذلك الأنبوب كي يتخذ من ذلك ذريعة للمزيد من إجراءات القمع والبطش بحق الثورة المباركة وتحذير الغرب من الانفضاض عنه، وقد شهدنا الكثير من الأفعال المشابهة على غرار محاولة إحراق المتحف المصري ونهب مواقع أثرية من قبل ضباط أمن ومنتسبي الحزب الوطني لتشويه الثورة.. وحتى لو كان هذا الاحتمال صحيحاً فإن ذلك يشهد لشباب مصر أنهم زعزعوا أركان النظام وأخرجوه عن طوره حتى بات يضرب بعشوائية يمنة ويسرة علّه يوقف إرادة التغيير الجارفة التي توشك أن تزيحه وتسقطه عن كاهل المصريين المثقل بسنين القهر والذل والحرمان.

يحاول ذلك النظام البائس أن يقنع نفسه أولاً أن ما حدث لخط الغاز الذي جلب لمصر العار هو حادث خارج عن إرادة التغيير الشعبية الشبابية المصرية، وهيهات هيهات فإن ذلك من أول الغيث المبارك لهذه الثورة المباركة على الظلم، ولسوف ينهمر غيثها ليغيث الأمة بأسرها لتستعيد مكانتها الرائدة بين الأمم وتعيد لها أستاذيتها و قوامتها على سائر الأمم.

أمتنا لم تمت ولم ولن ينضب معينها، وسيبقى فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه في كل بقعة منها، وإذا كانت أتيحت لنا فرصة رؤية الرجال الرجال في غزة العزة وتونس الزيتونة المباركة،  فرجال مصر (شباباً وفتيات) لا يقلون بأساً وعزماً وتصميماً وإرادة عن رجال غزة ورجال تونس، وقد حققوا بوقفتهم العظيمة بميدان التحرير صدق الشعار الذي رفعته الأكفّ الغاضبة في شوارع المدن المصرية وميادينها بأن "مصر ولاّدة" وأنهم كما خبرناهم عبر التاريخ من خير أجناد الأرض..

                

*  كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.