بصمات فلسطينية الرؤى والرؤيا
طلعت سقيرق
هل نكتب على جدران الوطن بأصابعنا أم قلوبنا أم أرواحنا كل عام وأنتم بخير..؟؟ ماذا نقول في دخول عام آخر رسمنا على صوته قبل أن يأتي أننا مسكونون بفلسطين أكثر من أي وقت مضى..؟؟ أنفتح نبض القصيدة كي تنبت حلماً وعصافير شوق وحكايات ذكرى..؟؟ أم نروح في بحر الكلمة مُصرين على أنّ الحروف روحٌ تكبر على شاطئ الوطن وتصير حين تُعانق كل زهرة من أزهار الوطن أكثر ميلاً نحو الدخول في تفاصيل حب لامرأة مشغولة بوردة العشق وعبير الحنين وعلو قامة النهار..؟؟ أم علينا أن نُدرك قبل أن تطوي شهرزاد دفتر الصباح شهوة ليالينا كلها لقصة واحدة ممهورة بفصول وصولنا إلى السحر، كل السحر، في فلسطين، ولا شيء غير فلسطين..؟؟
يُضحكني الخيال الجامح المريض، حين يظنّ أنّ الوطن مفكرة تُطوى، وأنّ الأرض صورة تُهدى، وأن الهواء الفلسـطينيّ أنفاسٌ يُمكن أن تُوزع على اللصوص القادمين من آخر الدنيا..!! وأنّ الوقت الفلسـطينيّ يُمكن أن يُنسـى حين ندخل في لعبـة التقسـيم والطرح والتغيير والتبديل..!! هذا الخيال المريض ينسـى أو يتناسـى أنّ البصمات التي حملتها فلسـطين منذ أول التاريخ كانت لأب فلسـطيني، وجد فلسـطينيّ، وولد فلسـطيني، وحفيد فلسـطينيّ، وأنّ مثل هذه البصمات أكبر بكثير من قانون الإمحاء لأنها هي التي أنبتت الشـجر، ومدّت الأرض بالروح، وعلّمت البحر كيف يُعطي الزُرقـة المتصلـة بالسـماء صفـة الوجد الفلسـطينيّ.. ومن شـاء، وهي ليسـت قصـة خرافيـة، فليسـأل كل سـمكـة من أسـماك بحرنا عن الأصل والفصل والتواصل مع البصمات، سـتحكي له بشـكلٍ سـاحرٍ أخـّاذٍ أنّ ماء البحر الذي يدعون أنـه لا يحفظ البصمات، ماء مركب من بصمات الفلسـطينيّ، وأن كل السـمك لا يتنفـس ويعيـش في هذا الماء إلا لأنـه يحمل هذه البصمات الفلسـطينيـة رائعـة الامتداد، شـديدة العطاء، رائعـة البقاء والتواجد والحنان..
بصمات الفلسطينيّ حكاية تُحكى.. كلّ أرض فلسطين تعرف ذلك.. ومما تحكيه الجدات عن الجدات، أنّ الأرض قبل أن تضمّ رفات أي إنسان تتأكد من هويته وتُعطيه كل ذاتها حين تكون بصماته فلسطينية أو عربية.. وكما يقول العارفون بأسرار الأرض فإن التربة الفلسطينية تكره الغرباء الغاصبين لذلك تراها عند دفن الغاصب تُعلقه خارج روحها..!! وقد روى واحد من هؤلاء العارفين أنّ أحد الغرباء اكتشف شيئاً بسيطاً من هذا، فظن أنه كلما حفر أعمق ليدفن أحد موتاه فسيكون داخل روح الأرض.. لكن هذا الغريب حمل ذات يوم كل ما يملك ومضى بعيداً وقبل أن يرحل سألوه لماذا..؟؟ قال: مهما فعلنا، حفرنا أو نبشـنا، ذهبنا عميقاً أو بقينا على السـطح، فهذه الأرض أذكى من الخديعـة؛ إنها ترفضنا ما أن تتعرف على بصماتنا.. ولما اتهموا هذا الغريب بالجنون، قال قولتـه الشـهيرة: غداً سـتعرفون، وعندها سـتحملون أرجلكم وأرواحكم وأنفسـكم، وتبتعدون قدر المسـتطاع لأن عذاب دفن الغريب في أرض لا تُريده لا يُمكن أن يُماثلـه عذاب..
إنه العام الجديد، وبصماتُ الفلسطينيّ تزداد وضوحاً ورسوخاً وعمقاً وبروزاً، ولأنها كذلك يصعب أن تكون فلسطين لغير صاحبها الفلسطينيّ مهما تطاول الخيال المريض واستبد..!! هذه البصمات مكتوبة بالحب، ممهورة بالوعد، راسخة بالقسم والعطاء والدم.. كل قطرة دم كانت تزيد هذه البصمات إشراقاً وتوهجاً وإيماناً بأنّ الشمس الفلسطينية ستُشرق لأنها عاشقة لبصمات كل فلسطينيّ..