الأحزاب ونعمة الله على المؤمنين

رضوان سلمان حمدان

النداء الستون

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } ]الأحزاب9[.

تحدث القرآن الكريم عن غزوة الأحزاب ورد الأمر كله لله سبحانه، وقد سجل القرآن الكريم غزوتي الأحزاب وقريظة، والقرآن كعهدنا به يسجل الخالدات التي تسع الزمان والمكان، فالمسلمون معرضون دائمًا لأن يُغزَوا في عقر دارهم وفي عواصم بلدانهم، ومعرَّضون لأن يتكالب عليهم الأعداء جميعًا، فأن يسجل القرآن حادثتي الأحزاب وقريظة فذلك من سمة التكرار على مدى العصور؛ لكي يستفيد المسلمون من الدروس والعبر من الحوادث السابقة التي ذكرت في القرآن الكريم على وجه الخصوص.

فما أشبه الليلة بالبارحة! لمن تأمل أحداث غزوة الأحزاب، وما جرى من أمور في الحرب على غزة العزة، وذلك بعد اثنين وعشرين يوماً من الاعتداء الغاشم عليها[1]، فوجدت أنّ التاريخ قد أعاد نفسه في جوانب عديدة، فمن ذلك: أولاً: حفظ الله للمجاهدين في سبيله. ثانياً: {ولا تزال تطلع على خائنة منهم}. اليهود هم اليهود، نقضة العهود، وذلك أمر مطرد لا انفكاك له عنهم.. ثالثاً: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}. ولهذا أوقدوا نار الحرب في الأحزاب وغيرِها، فقتلوا في حربهم الآثمة على غزة أكثرَ من (1308)، منهم (418) طفلاً، و(110) امرأة، و(88) مسناً، وفاق عدد الجرحى (5450) جريحاً، فأيُّ عداوةٍ هذه؟. رابعاً: الجهاد سبيل العزة والكرامة. خامساً: تمايز الصفوف، وظهور المنافقين. وفي العدوان على غزة فاحت رائحة المنافقين تحقيقاً لقول رب العالمين: {ولتعرفنهم في لحن القول}، فمن مقالاتهم: (الصواريخ العبثية)، (المقامة لو حتدمر شعبنا فلا نريد المقاومة)، (لو استجابت حماس لما حصل هذا)... سادساً: ثمن النصر. الحق منصور، ولكن لابد أن يسبق بابتلاء وتمحيص، سنة الله، ولن تجد لها تبديلاً. كما ابتلي المؤمنون في الأحزاب بما أخبر به ربنا في كتابه،كما ابتلوا بالخوف، والجوع، والبرد، وتخاذل اليهود، ابتلي المجاهدون بغزة، دماء أُريقت، وأنفس أُزهقت، وبيوت هدمت، ومساجد قصفت، دمار في كل مكان، ولكن لابد للكرامة من ثمن.

هداية وتدبر[2]

1.    يا أيها المصدقون بالله ورسوله، اذكروا بالشكر والحمد نعمة اللّه التي أنعم بها عليكم، حين وقعتم في حصار جنود وحشود هائلة من قريش وغطفان واليهود وغيرهم، الذين جاؤوا لإبادتكم، فأرسلنا عليهم ريحا باردة في ليلة شاتية، وجنودا ملائكة لم تروها، أرعبتهم، فأكفأت القدور، وقلبت البيوت، وآثروا فك الحصار والنجاة، وكان اللّه مطلعا على جميع أعمالكم من حفر الخندق، والتعرض للشدائد، والاستعداد للقتال، واللّه يجازيكم عليها.

2.    بعد أن انتهت الحرب بين المسلمين والمشركين، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: « لا يغزونكم بعد هذا أبداً، ولكن أنتم تغزونهم »[3]. واستشهد من المسلمين يوم الخندق سبعة، وقتل من المشركين أربعة.

3.    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ »[4]. الدبور: الريح الغربية. الصبا: الريح الشرقية.

4.    اختلف في السنة التي كان فيها غزوة الأحزاب فقال قوم كانت سنة خمس وقال آخرون كانت سنة أربع وكانت في شوال، وسميت بغزوة الأحزاب لتحزب المشركين على قتال الرسول والمؤمنين فصاروا حزباً واحداً.

5.    عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر فرأيته يرتجز بكلمات ابن رواحة يقول: اللهم لولا أنت ما هدينا.. ولا تصدقنا ولا صلينا.. فأنزلن سكينة علينا.. وثبت الأقدام إن لاقينا.[5]

6.    أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عمرو المزني قال: خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخندق عام الأحزاب، فأخرج اللّه من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المِعول، فضربها ضربة، صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتي المدينة[6]، فكبّر، وكبّر المسلمون، ثم ضربها الثانية، فصدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، فكبّر وكبر المسلمون، ثم ضربها الثالثة، فكسرها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، فكبّر، وكبّر المسلمون، فسئل عن ذلك، فقال: ضربت الأولى، فأضاءت لي قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم، ثم ضربت الثانية، فأضاءت لي قصور الحمر من أرض الروم، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثالثة، فأضاءت لي قصور صنعاء، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها.

............................................

المعاني المفردة[7]

نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: ما أنعم به عليكم يوم الأحزاب، وهو يوم الخندق.

جُنُودٌ: الجنود: قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير.

وَجُنُوداً: الملائكة.

الإعراب[8]

"اذْكُرُوا" أمر وفاعله و"نِعْمَةَ اللَّهِ" مفعول به مضاف إلى لفظ الجلالة "عَلَيْكُمْ" متعلقان بنعمة والجملة ابتدائية لا محل لها. "إِذْ" ظرف زمان "جاءَتْكُمْ" ماض ومفعوله "جُنُودٌ" فاعل مؤخر والجملة في محل جر بالإضافة. "فَأَرْسَلْنا" ماض وفاعله "عَلَيْهِمْ" متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على ما قبلها "رِيحاً" مفعول به "وَجُنُوداً" معطوف على ريحا. "لَمْ تَرَوْها" مضارع مجزوم بلم والواو فاعله وها مفعول به والجملة صفة جنود "وَكانَ اللَّهُ" الواو حرف استئناف وكان ولفظ الجلالة اسمها "بِما" متعلقان بالخبر بصيرا "تَعْمَلُونَ" مضارع وفاعله "بَصِيراً" خبر والجملة صلة وجملة كان اللّه .. مستأنفة لا محل لها.

سبب النزول[9]

أخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة قال: لقد رأيتنا ليلة الأحزاب، ونحن صافون قعوداً، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة أسفل منا، نخاف على ذرارينا، وما أتت قط علينا ليلة أشد ظلمة، ولا أشد ريحاً منها، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إن بيوتنا عورة، وما هي بعورة، فما يستأذن أحد منهم إلا أذن له، فيتسللون، إذ استقبلنا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم رجلاً رجلاً حتى أتى علي، فقال: ائتني بخبر القوم، فجئت، فإذا الريح في عسكرهم، ما تجاوز عسكرهم شبراً، فواللّه، إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضربهم، وهم يقولون: الرحيل الرحيل، فجئت، فأخبرته خبر القوم، وأنزل اللّه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ..) الآية.

المناسبة في السياق[10]

بعد أن أمر اللّه تعالى بالتقوى بحيث لا يبقى في نفس المؤمن خوف من أحد، ذكر مثالاً واقعياً من وقعة الأحزاب، حيث تجمع المشركون من قريش ومن عاونوهم من اليهود والأحباش عشرة آلاف حول المدينة بقصد القضاء على النبي وصحبه، فدفع اللّه القوم عن المؤمنين من غير قتال وآمنهم من الخوف، مما يدل على أنه لا يخاف العبد غير ربه، فإنه القادر سبحانه.

                

[1] . بدأت الحرب على غزة يوم السبت 27/12/2008م.

[2] . التفسير الوسيط/ د وهبة الزحيلي. أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري.

[3] .     3253 الْمَغَازِى - فتح البارى، وقال: أخرج البزار بإسناد حسن من حديث جابر...

[4] . حديث 1043 - الاستسقاء - صحيح البخارى.

[5]. حديث 2874 - الجهاد - صحيح البخارى. وصحيح مسلم - حديث 4769 - كتاب الجهاد والسير  باب غزوة خيبر .

[6] . جانبي المدينة.

[7] . توفيق الرحمن / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك.

[8] . إعراب القرآن وبيانه/ محي الدين درويش. الحَاوِى فى تَفْسِيرِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ/ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَمَّاش.

[9] . التفسير المنير/ الزحيلي.

[10] . التفسير المنير/ الزحيلي.