مدرب إسلامي معتمد

د. بدر عبد الحميد هميسه

[email protected]

العلوم الإنسانية تتطور بتطور الزمان والمكان, ولقد ظهرت في العصر الحديث علوماً إنسانية جديدة والتي منها : علم التنمية البشرية والذي يهتم بتنمية المهارات وتطوير القدرات الشخصية للإنسان .

 ولقد نشأ هذا العلم في الغرب وتطور ثم غزا عالمنا العربي والإسلامي , وصار له رواده ومدربوه المعتمدون , والذين حاولوا صبغه بالصبغة الإسلامية وإلباسه اللباس الإسلامي وذلك عن طريق :  

 أولا: تحديد مفهوم التنمية البشرية بأنه يقصد بها طاقات الإنسان وخبراته باعتباره محور عملية التنمية والقائم بمهامها والمكلف بمسؤولية ( الاستخلاف الإلهي للإنسان في الأرض ) لقوله سبحانه: " هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا.. (61) سورة هود , وقوله عز وجل: " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .. (30) سورة البقرة .

ثانيا: ينطلق المفهوم الإسلامي لتنمية الموارد البشرية من قضية مسلمة مفادها: أن عمارة الأرض والقيام بمهام الاستخلاف فيها لا يتم إلا بإعادة الإنسان القادر على أداء هذه الواجبات بكفاية واقتدار، وبتأهيله والنهوض بقدراته وإطلاق طاقاته وإمكاناته من مختلف الجوانب الجسمية والعقلية والنفسية والروحية تصديقاً لقوله سبحانه : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ .. (11) سورة الرعد .

وقد قام الدكتور جمال محمد أحمد عبده باستقصاء معنى التنمية الواردة في القرآن الكريم فوجد الباحث باستقصائه مرادفات كثيرة للفظ التنمية ورد منها في القرآن الكريم أحد عشر مرادفاً بالإضافة إلى ما ورد في السنة الصحيحة  .

فأول المرادفات التي حصل عليها هي ( التزكية ) , قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) سورة التوبة .

أما ثاني المرادفات فهو (الإنبات ) , قال تعالى (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا .. (37) سورة مريم .

أما ثالث المرادفات هو ( التربية ) , قال تعالى : وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) سورة الإسراء .

ورابع المرادفات هو ( التكثير ) أو ( التكاثر),  قال تعالى : " اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ..(20) سورة الحديد.

ثالثا: إن تنمية "العنصر البشري " من أجل تحقيق أهداف التنمية الشاملة في المفهوم الإسلامي لا تتم إلا عن طريق التربية والتعليم والتأهيل , وذلك يكون عن طريق صياغة الموضوعات والمقررات التعليمية في إطار من التصور الإسلامي، مع العمل على إبراز الرؤية الإسلامية ( عقيدة وشريعة ومنهاج حياة ).

وتنقيح المناهج التعليمية والتربوية السائدة في العالم الإسلامي وتطويرها بما يجمع بين الأصالة الإسلامية والمعاصرة، وذلك بصورة ذاتية دون تدخل خارجي.

رابعا: عدم اقتصار مفهوم العلوم النافعة على العلوم الدينية وحسب، وإنما يشمل العلوم الدينية والعلوم الدنيوية النافعة للأمة وللإنسان، وأنها واجبة على سبيل فرض الكفاية بقدر ما تحقق من النفع للأمة.

وبخاصة أن الآخرين استشهدوا برسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم على الشخصية الايجابية التي هي عنوان للتمية البشرية , ففي كتاب لمؤسس علم التنمية البشرية - والذي يعتبر أبو التنمية البشرية - وأسمة نابليون هيل في كتابه الذي ألفه في أوائل القرن الماضي والذي أسمه think and grow rich

في ذلك الكتاب هنري فورد صاحب شركات السيارات العالمية فورد طلب من مؤلف هذا الكتاب - وكان يعمل صحفيا - بأن يدرس الشخصيات الأمريكية التي أحدثت تغييرا في حياة أمريكا والعالم ومعرفة الأسباب والعوامل التي جعلتهم يكونون متميزين ومبدعين مقارنة بالآخرين ، فظل نابليون هيل أكثر من عشرين عاما يدرس حياة أكثر من 500 شخصية أمريكية في مختلف المجالات والذين قد أثروا الحياة الإنسانية بالإبداع والتفوق مثل هنري فورد وتوماس أديسون وغيرهم ثم ألف هذا الكتاب الذي أصبح عمدة في هذا الفن , المهم حينما نصل إلي الفصل التاسع والذي تكلم فيه عن التصميم والعزيمة persistence والتي تعتبر من أهم مكونات الشخصية الايجابية الفعالة لم أصدق ما قرأت انه يستشهد بحياة الرسول صلي الله عليه وسلم وكان قد قرأ مختصرا عن حياته في مقال نشر في احد الجرائد الأمريكية.

خامسا: أن تتضمن مناهج التعليم الموجهة لتأهيل الطاقات البشرية القيم والمنطلقات الحضارية النابعة من عقيدة الأمة وثوابتها، التي تنمي في الإنسان المسلم الحرص للعمل الصالح، وتبعث فيه الأمل، وعلى رأس هذه المنطلقات القيم الإسلامية التي منها علو الهمة، والإحساس بالمسؤولية، والمبادرة بالعمل، والتربية على الشورى، والعمل الجماعي، واحترام الوقت، والثقة بالنفس، والحوار البناء، واحترام الرأي الآخر، والنقد الهادف، واحترام التخصص، وتقدير المعرفة، وتشجيع الاجتهاد، وإطلاق الطاقات الإبداعية، والحرية المسؤولة، والعدل، والأمانة، ومواكبة العصر، واستشراف المستقبل، واحترام قيم العمل.

سادسا: أن تعنى المؤسسات القائمة على التعليم بالتخطيط للعملية التعليمية، وربط المناهج بحاجات المجتمعات الإسلامية وفق رؤية استشرافية للمستقبل، يتم من خلالها الوصول إلى تنمية متوازنة متكاملة للعنصر البشري لتحقيق أهداف التنمية الشاملة وفق المنظور الإسلامي.

سابعا: ضرورة العناية بتأهيل قيادات فاعلة قادرة على النهوض بمؤسسات التعليم والتدريب في مختلف المجالات المطلوبة للأمة، مؤسسين ذلك على ركني الولاية، وهما: " القوة والأمانة : " إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) سورة القصص ,  وقوله تعالى: " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) سورة يوسف , والحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا ، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا.أخرجه مسلم 6/6(4746).

ثامنا: العناية بالبحث العلمي، وتشجيع الإنفاق لدعم هذا المجال الضروري للنهوض بالعنصر البشري الفاعل النافع للأمة، ولتلبية جميع حاجات الأمة وآفاق العمل فيها.

تاسعا: نظرا لتفشي الأمية في جانب المرأة في مناطق من العالم الإسلامي لا بد من وجوب العناية بتعليم المرأة وتثقيفها وتأهيلها لأداء دورها في تنمية المجتمع المسلم.

عاشرا: إن من أنجح وسائل النهوض بالعنصر البشري لتيسير تحقيق أهداف برامج التعليم، والوصول إلى التنمية الشاملة، الحرص على تكامل النهوض بهذا العنصر مع غيره من العناصر الأساسية.