معالم الحياة الطيبة

د. بدر عبد الحميد هميسه

[email protected]

الحياة الطيبة مطلب عظيم وغاية نبيلة بل هي مطلب كل الناس وغايتهم التي عنها يبحثون وخلفها يركضون وفي سبيلها يضحون ويبذلون، فما من إنسان في هذه الحياة إلا وتراه يسعى ويكدح ويضني نفسه ويجهدها كل ذلك بحثًا عن الحياة الطيبة وطمعًا في الحصول عليها والناس جميعًا على ذلك متفقون ولكنهم يختلفون في سبل هذه الحياة الطيبة وفي نوعها ومسالكها وتبعًا لذلك فإنهم يختلفون في الوسائل والسبل التي توصلهم إلى هذه الحياة إن وصلوا إليها.

وللناس في كل زمان أفهام حول هذه الحياة الطيبة وهم تبعًا لذلك أصناف فمنهم من يرى الحياة الطيبة في كثرة المال وسعة الرزق ومنهم من يراها في الولد أو في المنصب أو في الجاه .

لكن الله تعالى – ومن أصدق من الله حديثًا – قد حدد لنا مفهوم الحياة الطيبة وسبيلها في كتابه الكريم فقال : " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " سورة النحل:97.

وقارن لنا بين الذين يسعون إلى هذه الحياة عن طريق الإيمان والعمل الصالح , وبين الذين لا يدركون قيمة الإيمان ولا أهمية العمل الصالح , قال تعالى : " فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) سورة آل عمران.

ولله در من قال :

يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته  ‍* * * أتعبت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها  * * * فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

وهذه الحياة الطيبة لها معالم وأسس تقوم عليها , فأساسها وقوامها على أمرين اثنين , أمرين عظيمين جليلين يسيرين على من يسرهما الله عليه:

الأول: الإيمان بالله تبارك وتعالى , وهذا الإيمان يتطلب عدة أمور منها :

1-  اليقين وحسن التوكل على الله :

اليقين وحسن التوكل على الله من أسباب الحياة الطيبة ومعلم من معالمها المهمة ,واليقين والتوكل سبب للسعة في الرزق والبركة في العمر قال تعالى : "  وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (2-3) سورة الطلاق.

وهذا اليقين نعمة لا يحس بها إلا من عايشها وجعلها شعاره في الحياة , قال احد الصالحين :والله أنا في سعادة لو علمها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف!.

كان هارون الرشيد الخليفة في ( الرقة ) ،فاجتمع عليه الناس ، فدخل ابن المبارك العالم الزاهد العابد ، فسمع به الناس  فهرعوا إليه وتركوا الخليفة في نفر بسيط ، واجتمعت الأمة على ابن المبارك ، فقالت امرأة هارون ، وهي تنظر من القصر : ( هذا والله الملك ، ولا ملك هارون الذي يجمع الناس بالسوط والسيف ) .

وقال ابن القيم رحمه الله في : (مدارج السالكين ) : في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته ، وصدق معاملته ، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه ، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه ، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا  .

قال الشاعر :

ولست أرى السعادة جمع المال  ‍* * *   ولكن التقي هو السعيد

وتقوى الله خير الزاد ذخرًا  * * * وعند الله للأتقى مزيد

2- الرضا بما قضى الله وقدر : 

الرضا والقناعة من معالم الحياة الطيبة السعيدة , فمن يسعي إلى الرضا وجده , قال تعالى : " وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) سورة آل عمران .

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا". أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/112 ، رقم 300) ، والترمذي (4/574 ، رقم 2346). وابن ماجه (2/1387 ، رقم 4141) .

وقال صلى الله عليه وسلم : " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة . ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ".رواه الترمذي .

قال الشافعي :

سَهرَتْ أعيُنٌ ونامَتْ عيونٌ * * * في أمور ٍ تكونُ أو لا تَكونُ

فادْرأ الهمَّ ما استطعتَ عَنِ النفسِ * * *  فحِمْلانكَ الهُموم جنُونُ

إنَّ ربكَ كفاكَ بالأمسِ مَا كانَ  * * * سَيكفيكَ في غدٍ ما يَكونُ

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يأخذ عني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يُعلِّم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة: قلت : أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعدّ خمساً فقال:اتّق المحارم تكن أعبد الناس.وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً.وأحبَّ للناس ما تُحبّ لنفسك تكن مسلماً.ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب".  رواه ابن ماجه والطبراني .

قال الشافعي :

أمت مطامعي فأرحت نفسي  * * *   فان النفس ما طمعت تهونُ

وأحييت القنوع وكان ميتا  ‍  ‍* * *   ففي إحيائه عرض مصونُ

إذا طمع يحل بقلب عبد  ‍* * *          علته مهانة وعلاه هونُ

فالرضا يكسب القلب طمأنينة وسكينة تجعل هموم الدنيا وغمومها تهون في نظر صاحبها ، فيرى المنح في المحن والفرج في الشدة والسعة في الضيق .

إذا اشتملت على اليأس القلوبُ  ‍* * * * وضاق بما به الصدر الرحيبُ

و أوطنت المكاره واطمأنت  ‍* * * *  ‍ وأرست في أماكنها الخطوبُ

ولم تر لانكشاف الضر نفعاً  ‍  ‍* * * * وما أجدى بحيلته الأريبُ

أتاك على قنوط منك غوث  ‍  ‍* * * * يمن به اللطيف المستجيبُ

وكل الحادثات وإن تناهت  * * * *   فموصول بها فرج قريبُ

قال عليه السلام :" إن روح القدس نفث في روعي ، أنه ليس من نفس تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنك استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ". رواه الطبراني في صحيحه .

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:لا تُرْضِيَنَّ أَحَدًا بِسَخَطِ اللَّهِ، وَلا تَحْمَدَنَّ أَحَدًا عَلَى فَضْلِ اللَّهِ، وَلا تَذُمَّنَ أَحَدًا عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ، فَإِنَّ رِزْقَ اللَّهِ لا يَسُوقُهُ إِلَيْكَ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلا يَرُدُّهُ عَنْكَ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِقِسْطِهِ وَعَدْلِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الرِّضَا وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ فِي السَّخَطِ. الطبراني 966 .

قال الشاعر :

ورأيت الرضا يخفف أثقا  ‍* * * لي ويلقي على المآسي سدولا

والذي ألهم الرضا لا تراه  ‍* * * أبد الدهر حاسدا أو عذولا

أنا راض بكل ما كتب الله  ‍* * * ومُزج إليه حمدا جزيلا

وقيل لأعرابي كيف تصنع بالبادية إذا انتصف النهار و انتقل كل شئ ظله ‍فقال :وهل العيش إلا ذاك

يمشى أحدنا ميلا ً فيرفض عرقاً كأنه الجمان ، ثم ينصب عصاه ويلقى عليها كساءه ، وتميل عليه الريح من كل جانب فكأنه في إيوان كسرى  .

قيل للحسن البصري –رحمة الله – ما سر زهدك في الدنيا ،فقال أربعة أشياء :

- علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي.

- وعلمت أن عملي لا يقوم به سواي فاشتغلت به وحدي .

- وعلمت أن الله مطلع علىّ فاستحييت أن يراني على معصية .

- وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربى .

وذكروا قصة ميسونة زوجة معاوية التي أتى بها من البادية إلى الشام لتعيش في قصر الخليفة ولكنها لم تألف ذلك فحنت إلى باديتها البسيطة التي لا تعقيد ولاقيودات فيها فانشدت تقول :

لَبَيْتٌ تَخْفِقُ الأَرْيَاحُ فِيهِ  ‍* * * أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَصْرٍ مَنِيفِ

وَأَصْوَاتُ الرِّيَاحِ بِكُلِّ فَجٍّ  ‍‍* * *   أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَقْرِ الدُّفُوفِ

وَكَلْبٌ يَنْبَحُ الطُرَّاقَ عَنِّي  ‍‍* * *   أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِطٍّ ألُوفِ

وبكر يتبع الأظعان صعب  ‍‍* * *   أحب إلى من بغل وفوفِ

ولُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي  ‍‍* * *   أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشَّفُوفِ

وَأكْلُ كُسَيْرَةٍ فِي قَعْرِ بَيْتِي  ‍‍* * *   أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكْلِ الرَّغِيفِ

خُشُونَةُ عِيشَتِي فِي الْبَدْوِ أَشْهَى  ‍‍* * *   إِلَى نَفْسِي مِنَ الْعَيْشِ الظَّرِيفِ

فما أبغي سوى وطن بديلا  ‍* * *   وحسبي ذاك من وطن شريفِ

  3-الاستقامة والبعد عن المعاصي :

الاستقامة والبعد عن المعاصي سبب مهم لتحقيق السعادة في هذه الحياة , قال تعالى : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (115) سورة المؤمنون. فقد خلق تعالى الإنسان لغاية مقصودة وحكمة منشودة قال سبحانه : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات.

عن عُرْوَةَ , عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِِ الثَّقَفِىِّ , قَالَ: قُلْتُ : يَارَسُولَ اللهِ , قُلْ لِى فِى الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بعدك. قَالَ : قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ. أخرجه أحمد 3/413(15494) و"مسلم"1/47(68) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي الْقُرْآنِ (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). أخرجه أحمد 2/297(7939) و"ابن ماجة" 4244 و"التِّرمِذي" 3334 و"النَّسائي" في "الكبرى" 10179 الألباني :حسن ، التعليق الرغيب ( 2 / 268 ).

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ :

رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ  * * *  وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا

وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ  * * *  وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ( إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب ، ونقصاً في الرزق ، ووهناً في البدن ، وبُغضاً في قلوب الخلق ). ابن تيمية، منهاج السُّنة 1/ 269.

فالصلاة من أعظم الأسباب لتحقيق الحياة الطيبة، تشرح الصدرَ، وتُذهب ضيقه، وتُرسل في القلب نبضاتِ الطمأنينة والراحة، فلا يزال العبد كأنَّه في سجنٍ وضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها لا منها. تمدّ العبدَ بقوةٍ إيمانية، تعينه على مهماتِ الحياة ومصائبها، بها تزول الهمومُ والغموم والأحزان، قال تعالى: " وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَشِعِينَ". [البقرة:45]. وكان-صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. أخرجه البخاري.

يقول ايليا أبو ماضي:

فاعمل لإسعاد السِّوى وهنائهم * * *  إن شئت تسعد في الحياة وتنعما

أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا  * * * لولا الشعور الناس كانوا كالدمى

قال رجاء بن حيوة ، لما كان عمر بن عبد العزيز والياً على المدينة قال لي : يا رجاء اذهب واشتر لي ثوباً ، فاشتريت له ثوباً جيداً ثمنه خمسمائة درهم ولما أتيته به ولمسه بيده قال : هو جيد لولا أنه رخيص الثمن ! قال رجاء : وبعد سنوات صار عمر أميراً للمؤمنين ، فقال لي يا رجاء اذهب واشتر لي ثوباً  فاشتريت له ثوباً متواضعاً ثمنه خمسة دراهم ، ولما أتيته به ولمسه بيده فاجأني بقوله : هو جيد لولا أنه غالى الثمن ، تعجبت كيف يكون الثوب الذي اشتريته له في المدينة من سنوات بخمسمائة درهم رخيص الثمن ، والثوب الذي اشتريته الآن بخمسة دراهم غالى الثمن !! قال رجاء فتأثرت بذلك فبكيت فقال ما يبكيك ؟ قلت له : موقفك ، وكلامك ، فقال لي : يا رجاء إن لي نفساً تواقة ، كلما حققت شيئاً تاقت إلى ما بعده ، يا رجاء : تاقت نفسي إلى ابنة عمى فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها ، ثم تاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها ، والآن تاقت نفسي إلى الجنة وأرجو أن أكون من أهلها !! . 

ذكر ( الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/141) أنه اجتمع في الحِجر عبد الله ، ومصعب، وعروة – بنو الزبير – وابن عمر، فقال ابن عمر: تمنوا، فقال ابن الزبير: أتمنى الخلافة، وقال عروة: أتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين. فقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال أبو الزناد: فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غُفر له .

وما السعادةُ في الدنيا لذي أمل     * * *  إنَّ السعيدَ الذي ينجو من النارِ

والثاني: عمل الصالحات وفق ما شرعه الله تبارك وتعالى وما جاء عن رسوله.

وهذا الأمر يتطلب كذلك عدة أمور منها :

1- الإحسان إلى الخلق والتواصل مع الناس :

حثنا الدين الحنيف على حسن الخلق مع جميع الناس ، وجعل ذلك عنوانا  على صحة إيمان المسلم وعلى كمال وتمام إيمانه .

قال تعالى : "  وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) سورة النور.

وقال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم :  " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران.

وعن أبى إدريس الخولانى عن أبى ذر قال ، قلت يا رسول الله : أي المؤمنين أكمل إيماناً ، قال : أحسنهم خلقاً ". رواه الطبراني في الأوسط ، وانظر المنتقى من مكارم الأخلاق ص 28 .

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأرشدهم إلى حسن الخلق . فعن أبى ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا أبا ذر اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" أخرجه الترمذي رقم ( 1988) وقال حديث حسن.

وقال عليه الصلاة والسلام " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " رواه الطبراني في الأوسط ، وانظر المنتقى من مكارم الأخلاق ص 28 .

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ  سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. رواه الترمذي في سننه، ج7 ص 85 .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( كُلّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ ). قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ ، نَعْرِفُهُ. فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ: ( هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ. لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ) رواه ابن ماجه (4307) .

وقيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت حسن الخلق؟ فقال من قيس بن عاصم، بينما هو ذات يوم جالس في داره إذ جاءته خادمة له بسفود عليه شواء حار، فنزعت السفود من اللحم وألقته خلف ظهرها فوقع على ابن له، فقتله لوقته، فدهشت الجارية، فقال: لا روع عليك أنت حرة لوجه الله تعالى.

وقيل لابن المبارك رحمه الله تعالى: اجمع لنا حسن الخلق في كلمة واحدة. قال: ترك الغضب.

وعن أبي قلابة ، قال : « التمس لأخيك العذر بجهدك ، فإن لم تجد له عذرا فقل : لعل لأخي عذرا لا أعلمه ».

إن الكريم إذا تمكن من أذى  ‍* * *     جاءته أخلاق الكرام فأقلعا

وترى اللَّئيم إذا تمكن من أذى  ‍* * *    يطغى فلا يبقى لصلح موضعا

طلب أعرابي يوماً من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فأعطاه ، ثم قال له : ( أأحسنت إليك ؟ فقال الأعرابي : لا ، لا أحنت ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا إليه ، فأشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كفوا ، ثم دخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئاً ثم قال : أأحنت إليك ؟ قال نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : إنك قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك ، فإذا أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك ، قال نعم ، فلما كان الغداة جاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا الأعرابي قال ما قال ، فزدناه فزعم أنه رضي ، أكذلك يا أعرابي ؟ فقال الأعرابي نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً ، فتهلل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم بشراً وقال : إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه ، فتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً ، فناداهم صاحب الناقة : خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق وأعلم ، فتوجه لهل صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هوناً هوناً حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها ، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار ) " رواه ابن حبان. وانظر الشفا للقاضي عياض 1/ 253 ومناهل الصفا للحمزاوي 2.

وعَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، تَنْطُِفُ لِحْيَتُهُ مَاءً مِنْ وَضُوئِهِ ، مُعَلِّقٌ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ مَرْتَبَتِهِ الأُولَى ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ مَرْتَبَتِهِ الأُولَى ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَقَالَ : إِنِّي لاَحَيْتُ أَبِي ، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لاَ أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَحِلَّ يَمِينِي فَعَلْتَ ، فَقَالَ : نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ : أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ لَيْلَةً ، أَوْ ثَلاَثَ لَيَالٍ ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ بِشَيْءٍ ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا انْقَلَبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللهَ وَكَبَّرَ ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ ، فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ، قَالَ عَبْدُ اللهِ : غَيْرَ أَنِّي لاَ أَسْمَعُهُ يَقُولُ إِلاَّ خَيْرًا ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَلاَثُ لَيَالٍ كِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ ، قُلْتُ : يَا عَبْدَ اللهِ ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ وَلاَ هَجْرَةٌ ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول لك ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فِي ثَلاَثِ مَجَالِسَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ تِلْكَ الثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَأَرَدْتُ آوِي إِلَيْكَ ، فَأَنْظُرَ عَمَلَكَ ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَبِيرَ عَمَلٍ ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي ، فَقَالَ : مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِي غِلاًّ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو : هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ ، وَهِيَ الَّتِي لاَ نُطِيقُ.

أخرجه أحمد 3/166(12727) وقال محققه شعيب الأرناؤط : إسناده صحيح على شرط الشيخين , ورواه الترمذي ( 3694 ) و"النَّسائي" ، في "عمل اليوم والليلة" 863 , والطبراني والحاكم في المستدرك ( 3/73 ) وصححه ووافقه الذهبي .

قال سفيان بن حسين: ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية فنظر في وجهي, وقال: أغزوت الروم؟؟قلت: لا قال: أغزوت الهند أو السند أو الترك؟؟قلت: لا قال: أفسلم منك الروم, والهند , والسند , والترك؟!ولم يسلم منك أخوك المسلم!  .

كان معروف الكرخي قاعدا يوم على دجلة ببغداد فمر به صبيان في زورق يضربون بالملاهي ويشربون فقال له أصحابه:أما ترى هؤلاء يعصون الله تعالى على هذا الماء؟ادع عليهم فرفع يديه إلى السماء وقال:الهي وسيدي كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة.  فقال له صاحبه:أنما سألناك أن تدعو عليهم ولم نقل ادع لهم, فقال:أذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم هذا.  ابن الملقن : طبقات الأولياء 1/47.

قال سرّي السقطي، وكان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد: ‏ ‏ منذ ثلاثين سنة وأنا في الاستغفار من قولي مرة: الحمد للّه. ‏ ‏ قيل له: وكيف ذلك ؟ ‏ ‏ قال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد وقال: نجا حانوتُك! ‏ ‏ فقلت: ‏ ‏ الحمد للّه!‏ ‏ فأنا نادم من ذلك الوقت حيث أردتُ لنفسي خيراً من دون الناس. ‏ المناوي : فيض القدير 1/124.

وشتم رجل ابن عباس ، فقال له:إنك لتشتمني وفيّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية في كتاب الله – فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به – ولعلي لا أقاضي إليه أبداً ، وإني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلداً من بلدان المسلمين فأفرح به ، ومالي به سائمة .

مر يهودي معه كلب على إبراهيم بن ادهم رحمه الله فقال له:أيهما اطهر لحيتك أم ذيل كلبي ؟ فرد عليه :أخي من يقرأ، قبل أن أكمل القصة ، توقع الرد فرد عليه بهدوء: أن كانت لحيتي في الجنة فهي اطهر من ذيل كلبك وان كانت في النار.لذيل كلبك اطهر منها.فما ملك اليهودي نفسه ألا أن قال :اشهد أن لا اله ألا الله و أن محمداً رسول الله ما هذا ألا خلق الأنبياء.

2- حب عمل الخير والحرص عليه :

قرن الله تعالى العمل الصالح بالإيمان به وحده وأجزل العطاء لمن قرن بينهما , فكان إيمانه قولا وعملا , قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) سورة البينة .

وقال تعالى : " وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) سورة البقرة .

وقال: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) سورة الكهف.

وقال : " إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) سورة مريم.

وقال: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) سورة البروج.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ ، مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ. أخرجه ابن ماجة (237) والألباني في " السلسلة الصحيحة " 3 / 320.

عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ:إِنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ : خُذْ مَا تَيَسَّرَ ، وَاتْرُكَ مَا عَسُرَ ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا ، فَلَمَّا هَلَكَ ، قَالَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ قَالَ : لاَ ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ لِي غُلاَمٌ ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ يَتَقَاضَى ، قُلْتُ لَهُ : خُذْ مَا تَيَسَّرَ ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يَتَجَاوَزُ عَنَّا ، قَالَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ. أخرجه أحمد 2/361(8715) قال : حدَّثنا يونس . و"النَّسائي" 8/317 ، وفي "الكبرى" 6247 قال : أخبرنا عيسى بن حماد . و"ابن حِبَّان" 5043.

روي عن السري بن مغلس السقطي أن لصاً دخل بيت مالك بن دينار فما وجد شيئاً فجاء ليخرج فناداه مالك: سلام عليكم، فقال: وعليك السلام، قال: ما حصل لكم شيء من الدنيا فترغب في شيء من الآخرة - قال: نعم، قال: توضأ من هذا المركن وصل ركعتين، ففعل ثم قال: يا سيدي أجلس إلى الصبح، قال: فلما خرج مالك إلى المسجد قال أصحابه: من هذا معك - قال: جاء يسرقنا فسرقناه. تاريخ الإسلام للذهبي 2/144.

روي أن أبا حنيفة رضي الله عنه كان له على بعض المجوس مال فذهب إلى داره ليطالبه به,فلما وصل إلى باب داره وقع على نعله نجاسة,فنفض نعله فارتفعت النجاسة عن نعله.ووقعت على حائط المجوسي ,فتحير أبو حنيفة , وقال :إن تركتها كان ذلك سببا لقبح جدار هذا المجوسي ,وإن حككتها انحدر التراب من الحائط , فدق الباب فخرجت الجارية فقال لها:قولي لمولاك إن أبا حنيفة بالباب, فخرج إليه وظن انه يطالبه بالمال فاخذ يعتذر.فقال أبو حنيفة:هاهنا ما هو أولى , و ذكر قصة الجدار ,و كيف السبيل إلى تطهيره.فقال المجوسي فأنا ابدأ بتطهير نفسي فأسلم في الحال.

قال أبو عبيدة التاجي : كنا في مجلس الحسن البصري  إذا قام إليه رجل فقال : يا أبا سعيد ! إن ها هنا  قوماً يحضرون مجلسك ليتتبعوا سقط كلامك ! فقال الحسن : يا هذا ! إني أطمعت نفسي في جوار الله فطمعت ، وأطمعت نفسي في الحور العين فطمعت ، وأطمعت نفسي في السلام من الناس فلم تطمع ، وإني لما رأيت الناس لا يرضون عن خالقهم علمت أنهم لا يرضون عمن مخلوق مثلهم .  على الهزاع : مكارم الأخلاق ص 17 .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا ابْنَ آدَمَ ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ، يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي.أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" 517 و"مسلم" 6648 و"ابن حِبَّان" 269 و944 ( صحيح ) انظر حديث رقم : 1916 في صحيح الجامع .

خرج كعب بن مامة الإيادي في قافلة ومعهم رجل من بني النمر وكان ذلك في حر الصيف القائظ, فضلوا الطريق في يومٍ حامي الوطيس لافح الحر, وشح ماؤهم كثيرًا بحيث لم يبق لديهم منه إلا القليل, فأخذوا حين يشربون يقتسمون الماء بينهم بالحصى, وذلك أن يُطرح في الإناء حصاة ثم يُصب فيه من الماء بقدر ما يغمر الحصاة, فيشرب كل واحد منهم قدر ما يشرب الآخر ولما دار الوعاء بينهم حتى انتهى إلى كعب بن مامة رأى كعب الرجل النمري يحد نظره إليه فآثره بمائه وقال للساقي: اسق أخاك النمري بدلا مني.

فشرب النمري نصيب كعب من الماء ذلك اليوم,ثم نزلوا من الغد منزلهم الآخر وتساقوا بقية مائهم على الوجه عينه, ولما انتهى الإناء إلى كعب بن مامة نظر إليه النمري كنظره إليه أمس فقال كعب للساقي: اسق أخاك النمري بدلا مني.وارتحل القوم إلى أن اقتربوا من الماء ولكن كعبًا قبل وصوله إلى الماء تعب ولم تكن له قوة على النهوض.

 فقالوا له: يا كعب, قد اقتربنا من الماء فانهض ورِده إنك وارد.ولكن كعبًا عجز عن الجواب وحاولوا أن يستنطقوه فلم يستطيعوا لأن قواه قد خارت وعزيمته قد اضمحلّت وأخذ يلفظ أنفاسه الأخيرة وإيسوا منه فخيموا عليه بثوب يمنعه من السبع أن يأكله, ومات ولكنه أصبح بإيثاره مضرب الأمثال.

قال أبوه يرثيه:

اوفى على الماء كعب ثم قيل له *** رد كعب انك وراد فما وردا

ماكان من سوقة اسقى على ظما*** خمرا بماء إذا ناجودها بردا

من ابن مامة كعب ثم عى به ***زو المنية الا حرة وقدا

وحكي إن رجلاً عزم جماعة، فتخلف شخص منهم في منزله، ودخل على زوجة صاحب المنزل فضاجعها، فوثب الكلب عليهما، فقتلهما، فرجع صاحب المنزل، فوجدهما قتيلين، فأنشد يقول:

وما زال يرعى ذمتي ويحوطني * * *  ‍ ويحفظ عهدي والخليل يخون

فواعجباً للخل يهتك حرمتي  * * *  ‍ وواعجباً للكلب كيف يصون

ومما جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة واليتيم عن بعض العلويين وكان نازلا ببلخ من بلاد العجم وله زوجة علوية وله منها بنات وكانوا في سعة ونعمة فمات الزوج وأصاب المرأة وبناتها بعده الفقر والقلة فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء واتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة ومضت تحتال لهم في القوت فمرت بجمعين جمع على رجل مسلم وهو شيخ البلد وجمع على رجل مجوسي وهو ضامن البلد فبدأت بالمسلم وشرحت حالها له وقالت أنا امرأة علوية ومعي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة وأريد الليلة قوتهم فقال لها أقيمي عندي البينة إنك علوية شريفة فقالت أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك الرجل المجوسي فشرحت له حالها وأخبرته أن معها بنات أيتام وهي امرأة شريفة غريبة وقصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام وأرسل بعض نسائه وأتوا بها وبناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام وألبسهن أفخر اللباس وباتوا عنده في نعمة وكرامة قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت وقد عقد اللواء على رأس النبي وإذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ والياقوت وفيه قباب اللؤلؤ والمرجان فقال يا رسول الله لمن هذا القصر قال لرجل مسلم موحد فقال يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد فقال رسول الله أقم عندي البينة أنك مسلم موحد قال فبقي متحيرا فقال له لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة إنك علوية فكذا أنت أقم عندي البينة إنك مسلم فانتبه الرجل حزينا على رده المرأة خائبة ثم جعل يطوف بالبلد ويسأل عنها حتى دل عليها أنها عند المجوسي فأرسل إليه فأتاه فقال له أريد منك المرأة الشريفة العلوية وبناتها فقال ما إلى هذا من سبيل وقد لحقني من بركاتهم ما لحقني قال خذ مني ألف دينار وسلمهن إلي فقال لا أفعل فقال لا بد منهن فقال الذي تريده أنت أنا أحق به والقصر الذي رأيته في منامك خلق لي أتدل علي بالإسلام فوالله ما نمت البارحة أنا وأهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد العلوية ورأيت مثل الذي رأيت في منامك وقال لي رسول الله العلوية وبناتها عندك قلت نعم يا رسول الله قال القصر لك ولأهل دارك وأنت وأهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمنا في الأزل قال فانصرف المسلم وبه من الحزن والكآبة ما لا يعلمه إلا الله فانظر رحمك الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة والأيتام ما أعقب صاحبه من الكرامة في الدنيا. الذهبي : الكبائر 42 .

اللهم كما حسنت خلقتنا حسن أخلاقنا , اللهم حببنا إلى الخير وحبب الخير إلينا , اللهم واجعل حياتنا طيبة , واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين .