ما علاقة الدماغ بالوعي
المقالة الرابعة والخمسون
ترجمة: د. خالد السيفي
والذين لا يفهمون ولا يتمنّون عالم النرڤانا (الخلود)
يشتهون عالم السمسارا (الشقاء)
سراها يُعيد ويكرر للملك: أنت تخلّيت عن عالم الخلود، واندفعت وراء الأوهام، وتجتهد الآن بإقناعي للعودة إلى عالمك المليء بالمآسي والعذابات. أنت لا تعلم أنني لم أعُد ذلك الشخص الذي عرفته في بلاطك. انظر وتفرّس في حالي الآن، أنا في قمة السعادة وفي أوج النشوة والابتهاج. أنا الآن أصبحت شخصا مختلفا تماما.
اوشو يقول: انتبه إلى كيف يحاول سراها أن يجذب انتباه الملك إلى اللحظة الحاضرة - الى الآن وهنا -...وهو ينجح. لا بد أن سراها كان شخصا ذو حضور مؤثّر وطاغ، لقد استطاع إخراج الملك من عالم الذباب العفن إلى غابات خشب الصندل العطرة والمنعشة.
يغمر الماء آثار حوافر الثور، ثم يتبخر
هذا ما يحصل لعالَم الفكر
المليء بكل الموبقات والنواقص
التي آجلا أم عاجلا ستجف
سراها يقول للملك: انظر! تلك آثار حوافر ثور، وهي مليئة بمياه الأمطار، وسرعان ما يتبخر الماء وتجف الحفرة، أمّا الأصل - المحيط فباقٍ إلى الأبد لا ينضب. نعم ماء الحفرة من ماء المحيط إلاّ أنّ الفرق شاسع بينهما.
المحيط كان وما زال قائما، لا يزيد ولا ينقص...ثابتا. والسماء موجودة وصافية دائما، رغم ذهاب وإياب السحب سوداءَ وبيضاء. وكما تصب الأنهار في المحيط ولا تلوثه، فإن السّحب مهما كانت قاتمة تظهر وتختفي دون أن تترك أثرا يعكّر صفو السماء.
تنشأ الغيوم من المحيط وتمخر صفحة السماء، كما الأفكار تصدر عن الوعي الأكبر فتَتَظَهَّر على فلم الدماغ. الغيوم والأدمغة مهما كبرت فإنها تبقى ضئيلة، ومهما توسّعت وتضخمت فلن تؤثّر - زيادة أو نقصانا - لا بالمحيط ولا بالوعي.
الجمجمة شيء صغير جدا.. كالحفرة، ما فيها من الدماغ ومحتوياته سيتبخر،! كماء الحفرة. انه مؤقت، فلا تثق به،..لقد جفّ الآن وتبخرت أفكاره وحلّ محلها جديدا. ارجوك لا تنخدع وتظن أن جمجمتك تشمل الكون. عقلك تافه، وليس خالدا بل.. بالٍ.
ما الذي يحتويه عقلك؟؛ رغبات، أحلام، أطماع، أفكار، تخيّلات، أوهام وعواطف. وهي متقلّبة متغيّرة ولا يمكن إرضاءها أو إشباعها مهما حصّلت وراكمت،.......... جلها ستجف!.
انا اقترح عليك بَدَلَ التركيز على المحتوى أن تركّز على الحاوي نفسه....أي على الوعي.
هذا هو سرّ التنترا.. إنها تركّز على الحاوي لا المحتوى.
لا تنظر للسُحُب.. بل إلى المسرح...السماء الحاوية له.
لا تنظر إلى الدماغ بل إلى خلفيّته.. أي إلى وعيك.
جل الأفكار، العواطف، الغضب، الجشع، الخوف الجنس، والغيرة هي محتويات الدماغ - محدودة. يقابل ذلك الغيوم السابحة بأشكالها المتغيّرة والمتقلّبة، المتلبّدة والمتبدّلة، بينما الوعي مطلق و لامحدود، كبير وشاسع، عميق وأبدي وخالد.... كما السماء.
يقول سراها للملك: دماغك ليست أكبر من حفرة الثور، لكن وعيك لا متناه. لا تحشر نفسك فيه، ولا تعيش من خلال محدودية الدماغ.
يجب أن تعرف أن وعيك خارج دماغك.
في الواقع... دماغك هو الذي في الوعي.. أي في وعيك.
دماغك هو فقط جزء من وعيك.
الوعي مَهول وغير محدود. دماغك لا يتجاوز الرغبات والعواطف... وكلّه خوف وإلى جفاف.
يختفي دماغك عندما يسقط رأسك في التراب ويُدفن. لكن وعيك باق لا يختفي، انه سرمدي؟؟!
انت لا تحتوي الوعي بل الوعي هو الذي يحتويك، انه اكبر منك.
كثيرون يتساءلون، وبعضهم يأتي إليّ متذاكيا " أين موقع الروح من الجسد"، بذلك يظنّون أنهم يطرحون سؤالا عصيا؟!.
اقول " الروح ليست في أي مكان من جسمك، لا تتعب نفسك...بل إنّ جسمك هو الذي في الروح"!!!، وَعْ، ودَعْ ذلك درسا لك وأودعه في وعيك.
في الحقيقة، الروح اكبر واضخم من الجسد، الروح هي التي تحيطُك".