شاهدت في بغداد الحبيبة

مجيد الطائي

[email protected]

 زرت بغداد الحبيبة ولازالت في خاطري دكريات خلت وأنا في شوقي لمكان الذكريات وأهل الذكريات أبهتتني بغداد وتألمت لحزنها وماشاهتده فيها وقد عمت الفوضى كل شيءكل شيءوشاهدت فيما شاهدت

 المشهد الأول

 شاهدت أن الرفيق الحزبي الذي كان يطاردني وغيري بلونه الزيتوني وكانت تقاريره تحصي علينا أنفاسنا ببهتان مبين ويتهمنا بالأنتماء الى حزب الدعوةـ العميل ـ في ثمانينات القرن الماضي وذلك ليثبت ولاءه لحزب البعث وإجرامه, شاهدته في بغداد وقد نزع عنه قناع البعثيين ولبس قناع المتدينين وأصبح هو نفسـه مسؤولاً في حزب الدعوة وفي رغد من العيش فوق ماكان يتمناه ويمتلك شركة لتجارة الزيوت ولم يفوته تقمص ثياب المتديين ويلبس لحاهم والخواتيم بعد أن كان قد أسس حسينية وأستغفر الله من نشاطاته مع التيار الصدري أيام الطائفية

وقناع آخر لبسه أصحاب السوابق من البعثيين ألا وهو قناع شيوخ العشائر وأرتدوا الكوفية والعقال ويتصدرون المجالس ولا أعتقد أنني بحاجة للحديث عن السياسيين وماضيهم مع حزب البعث وجرائمه وعلى قول الشاعر

وكان ما كان مما لست أذكره فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر

نعم أنا مع الحوار والمصالحة والتسامح والعفو ولكن على أن يعود المعفو عنه وعن جرائمه مواطناً عادياً يكفّر عن أخطائه لا أن يصير مسؤولاً من جديد يرأس الناس ويتولى ليسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل

المشهد الثاني

تمشيت في بعداد وبغداد لم يعد فيها للمشاة دروب

فالرصيف العام لم يعد عاماً بملكيته للجميع من خلال الدولة

بل إن كل أحد هناك أعطى لنفسه الحق في إمتلاك الرصيف من دون خوف من قانون أو حياء من الناس

فتحول الرصيف الى مطبخ أو حمام وأحياناً مرافق صحية وبعضهم حول الرصيف الى دكاناً على شكل حانوت

قلت لهم لكن هذا حرام شرعاً والمكان المغصوب لاتجوز فيه الصلاة كما نعلم

قالوا تعال معنا لنريك بيت السيد المعمم رجل الدين الذي يعض الناس في المساجد ويبكيهم وقد بنى هو الآخر على الرصيف بل وتجاوز ذراع على الشارع ولم يفته أن يجمّله بالأية المباركة ـ هذا من فصل ربي ـ

ومررت بمدينة الصدر ووجدت فيها نفسي غريباً وأنا كنت قد ترعرت فيها ومنها وفيها ذكريات طفولتي فررت مهاجراً خائفاً أترقب من بطش البعث والبعثيين

شاهدت فيها أن البيوت هناك قد إنشطرت الى بيتين أو أكثر وأن هذه البيوت قد اختنقت بأهلها وأصبح عدد طلاب الصف الواحد في المدارس أكثر من خمسين طالب 

وأن ساحات كرة القدم قد خربت وملأ البنيان كل الساحات والمدينة بعرضها وطولها لاترى فيها أي وردة ولاحتى أخواتها وليس هناك أي أثر لحديقة عامة سابقة

 ولم اقدر أن أستمتع بالتجول في الكرادة أو المنصور أو في الكاظمية لأنه ليس هناك رصيف تتمشى عليه,وشارع السعدون كأنه ليس هو وكذلك الرشيد

عندها صدقت بألم ماكنت قد قرأته قبل أيام حول تقرير عالمي يدعي أن مدينة بفداد تعتبر الآن من أقبح عواصم العالم

وللأسف لما شاهدت بغداد عرفت أن هذا التقرير ليس بعيداً عن الحقيقة

المياه الآسنة وبقع زيوت السيارات وأكوام القمامة شاهدتها في كل مكان وعند المطاعم والمدارس والمجلات وقد أختلطت رائحتها المقرفة مع ما يسحبه مدخنوا الأركيلة التي أصبحت الأكثر شيوعاً في مقاهي بغداد

وشاهدتها ـ أي المياه الآسنةـ في المستشفيات والدوائر الرسمية وعند البيوت وفي أزقة بغداد وشوارعها

وقد إمتزج ذلك بمخلفات الحروب وبروائح البزين المولدات وعوادم السيارات وأبواقها وتعايش معها الناس وكأنهم لا يروها

ولاأخفيكم سراً أنني رأيت المياه الآسنة حتى في المنطقة الخضراء 

وضحكت بقهر عندما تذكرت أن عندنا في العراق وزارة للبيئة ووزير 

ولا أعتقد أن الأطفال في العراق يعرفون معنى ومفهوم النظافة وجمالها ولا أظن أن أحداً علمهم فوائدها وأنها من الإيمان

وذلك لسبب بسيط لأنهم والمعلمين قد اعتادوا فقط على رؤية القمامة وفي كل مكان وبدون إستثناء

وتحدثت مع شريحة من المثقفين وناقشنا هذه الظاهرة القذرة وأسبابها وتبعاتها وقد أثار الجدال فينا وإستفز بعضنا سؤال على شكل إستفتاء مفاده

ـ هل نحن شعب قذر ـ ؟

المشهد الثالث

دخلت الأسواق بكل انواعها وأشكالها وأحجامها السوبر منها والميني ماركت وشاهدتها تحوي مالذ وطاب من الحلويات والجبس والأجبان والأكلات السريعة والألبان بكل الألوان الزاهية ولاننسى الببسي والكولا وكل مايحتاجه المستهلك للغذاء والملابس وأثاث البيت وأجهزته بأنواعها

في هذا خضم هذا التراكم الإستهلاكي كله لاتجد أي منتج محلي عراقي

 وقد أغلق أصحاب المصانع العراقية معاملهم ومصانعهم لعدم القدرة على المنافسة

أي أننا لم نعد نقدر أن نصنع شيئاً حتى خبزنا وما يستر عورتنا 

هل يعي السياسيون ماذا يعني هذا

المشهد الرابع

ترى فيه أن المرء وهو يدخل أي دائرة من دوائر الدولة لايحتاج الى كثير من الفطنة والدهاء ليكتشف عمق الفساد الأداري والمال الحرام والرشوة كأنه قد عجن مع دماء المدراء والموظفين ومن دونهم الا ّ من رحم ربك

فقبل أن تدخل البوابة الرئيسية للدائرة تلتقي بتجمع من ـ المعقبّين ـ وأسعارهم موحدة الّا اذا ظهرت على المراجع علامات السذاجة والبلاهة فإنها ترتفع والأدهى وأمر اذا عرف المعقب انك قادم من الخارج فستكون حينها صيداّ ثميناً

واذا رفضت فستواجه روتيناً قاتلاً وبتعمد وشروط تعجيزية ولايوجد قانون تستند عليه فالقانون مكتوم تحت طيّات لسان الموظف ومديره ولايخاف أحدهم من قانون أو يستحي من نفسه أو من غيره ولايحسب لشرع الدين حساب عندما يرفع صوته في طلب الرشوة فكل شيء مقابل المال قابل للمساومة

وعندما عدت الى البيت وقد سكت عني الغضب قال لي أحد أقاربي المقربين

وليش تتعب نفسك وتتلف أعصابك هذا جارنا يشتغل معقب وهوأمين

أعطيه 50 ألف دينار وهو يكملك المعاملة وأنت قاعد في البيت

فما كان لي الّا أن أقول ـ لا حول ولا قوة الا بالله ـ

وعرفت أن المال الحرام وأثره قد نخر عظام الناس كل الناس الّا ماندر وعلى أشكال متعددة منها الرشوة والإختلاس والنصب والإحتيال وأكل مال اليتيم والميراث وغيره والقائمة تطول

والدنيا صارت هي الهم الأكبر ومال الناس مع الأغنياء وتقمص السياسيون دور حرامي بغداد ولكن من النوع الثقيل وهم في خشية دائمة من الفقر ,أجسامهم أجسام الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين ويقولون لخزائنهم هل أمتلئت فتقول هل من مزيد وليس مهماً من أين وكيف والحيل الشرعية والفانونية والأعذار جاهزة دائماً

ولم يعد من السهل أن تجد من تثق به

عندها يذاب قلب المؤمن وجوفه مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره

ورأيت ثم رأيت

رأيت المعلم يخشى محاسبة الطالب بسب الخشية من أهله أو عشيرته والأمر أدهى إن كان الطالب من أبناء أحد المؤولين أو أعضاء مجلس النواب فيا ويل للمعلم ويا سواد ليله

وسمعت أن الأطباء يضطرون كثيراُ لدفع ـ الفصل العشائري لعشيرة المريض اذا توفى في المستشفى وزهد رؤساء العشائر بكل مظاهر الحكمة والهيبة والتعقل وأصبحت قصص الفصل العشائري مثيرة للسخرية فاقت كل طرائف الأمم السحيقة وغابت هنالك العدالة ووزارتها من هذا كله وغاب العدل

 والأعم الأغلب من رجال الدين مشغولون في شؤون الدنيا والدين لعق على السنتهم وقد تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورأيت الشر ظاهراً ويعذر أصحابه والفاسق يكذب ولايرد عليه

بل أنك ترى أحياناً في العقل الجمعي للناس أن المعروف صار منكراً والمنكر معروفأً 

والعيب والحياءوكظم الغيظ والتسامح الإيثار ومكارم الأخلاق والورع عن محارم الله أصبحت مفاهيم غريبة شاذة في مجتمعنا

وسمعت أن المحارم هتكت وأكتسبت أنواع المآثم وتسلط الأشرار على الناس وأحتقروا الأخيار وفشا الكذب وظهرت اللجاجةوالجدال العقيم في الدين والمؤمن الشريف النزيه هو أذل من في الأمة

ورايت الأرحام تقطعت

وفي بغداد يأتمن الخائن ويخونون النزيه

والأسوء أن يستسهل قتل النفس التي حرم الله الّا بالحق

وليس لنا ما نقول الا لاحول ولاقوة الا بالله

وهنا نتساءل على ضوء هذا هل أن مايحدث في العراق من المآسي والفواجع هو نتيجة طبيعية على المبدأ القرآني ـ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ـ

عندها لعنت الظالمين والظلام وقادتني قدماي حيث الأمام موسى بن جعفر عليه السلام وفي حرمه شكوت بثي وحزني الى الله القدير و بكيت على أشياءكثيرة وبكيت من أجل بغداد الحبيبة حينها لامس الإطمئنان قلبي وسـكن روعي في حضرته المقدسة

وبسب ذلك كله ومن أجل أن نشعل شمعة في هذا الظلام لملمنا شتات من نعرفهم من المثقفين الشرفاء الذين كادوا يشعرون بشيء من الأحباط وعزمنا على أن نعمل سوية على إصلاح ما يمكن اصلاحه في شخصية الأنسان العراقي فإعادة بناء الأنسان أولى من كل إعمار آخر

وكلنا أمل أن نرى عراقاً كما نتمناه وتبقى بغداد حبيبتنا الجميلة.

              

تنويه كاتب السطور أحد المضحين من أجل العراق ضد حكم الطاغية صدام وأصيب بالأسلحة الكيمياوية وهو لازال تحت العلاج المركز في المانيا .